تجميد نظام البحرين لنشاط جمعية الوفاق قرار سياسي يبين القمع للحريات
علي إبراهيم مطر
منذ تجدد ثورة الشعب البحريني على نظام ال خليفة في شباط/فبراير 2011، يتعرض الثوار والمعارضون الذين يسلكون الطريق السلمي للتعبير عن رغبتهم في إسقاط النظام الخليفي، لأبشع أنواع القمع المعلن والمقنع. الشعب البحريني متمثلاً بجميع مكوناته وأطيافه وفعالياته واجه بطشاً وحرماناً من السلطات لم تشهده الكثير من الدول التي شهدت اضطرابات ولكن بشكل بطيء ومخبأ.
لم تحترم السلطات البحرينية رغبة الشعب وإرادته على مدى أعوام الثورة، بل استمرت تلاحق وتعتقل الناشطين والسياسيين المعارضين لتسكت صوت الثورة، وتضيق الخناق على الجمعيات التي تمثل المعارضة، وقد قامت مؤخراً، بتجميد نشاط جمعية الوفاق لثلاثة أشهر.
هذا القمع ضد الحريات والعمل الاجتماعي والسياسي ليس الأول من نوعه، فقد أغلقت حكومة البحرين جمعية أمل في العام 2011 وجمدت جمعية الوحدوي وغيرها من المؤسسات. وهذا يؤشر إلى مدى ممارسة القمع للحريات السياسية والحقوقية في البحرين.
أولاً: الوفاق لا تناقض القانون البحريني
على الرغم من وجود قانون يتيح تكوين الجمعيات السياسية وعملها في البحرين، ولكن السلطات تستخدم القوانين التي تسنها بشكل جائر لتقييد حرية تكوين الجمعيات بالرفض التعسفي لطلبات التسجيل، والإشراف التدخلي على الجمعيات المستقلة.
ومع أن قانون الجمعيات السياسية الذي أصدره الملك حمد بن عيسي آل خليفة يتيح قيام الجمعيات وعملها والانتساب اليها، الا ان سلطات ال خليفة تعمل بطريق مخالفة كلياً. فالمادة الأولى من القانون تقول ان للمواطنين - رجالاً ونساء - حق تكوين الجمعيات السياسية، ولكل منهم الحق في الانضمام لأي منها، وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون.
يقصد بالجمعية السياسية وفقاً للمادة الثانية من القانون البحريني كل جماعة منظمة، تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين.
عمل جمعية الوفاق يتناسب تماماً مع شروط تكوين الجمعيات والانتساب اليها
وعليه، فإن عمل جمعية الوفاق يتناسب تماماً مع شروط تكوين الجمعيات والانتساب اليها التي أوردتها المادة الرابعة والخامسة بالإضافة إلى المادة السادسة التي تؤكد على العمل السلمي، فالجمعية دائماً تؤكد على الحوار والتلاقي وعدم استخدام العنف، ومنذ تأسيسها وعملها ومعارضتها تعتمد الطريق السلمي وتحافظ على النظام العام في البلاد وتتقيد بالقوانين.
لكن قانون الجمعيات هذا ينفذ بطريقة مقنعة لوقف نشاط الجمعيات على الرغم من توافقها مع الشروط، من خلال اعطاء وزير العدل صلاحية تجميدها، وفق المادة 23 من القانون التي تقول انه يجوز لوزير العدل إذا خالفت الجمعية أحكام الدستور أو هذا القانون أو قانونا آخر أن يطلب من المحكمة الكبرى بناء على دعوى يقيمها، الحكم بإيقاف نشاط الجمعية لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر تقوم خلالها بإزالة أسباب المخالفة، ولكن هذه الصلاحية من يقيدها؟ ومن يؤكد موضوعيتها وأنها لا تستخدم لصالح السلطات في البحرين؟ وحتى لو عاد الوزير عن قراره أو دخوله في خلافات مع القضاء البحريني حول تجميد العضوية فإن ذلك يبين عدم النزاهة والحياد في هذا الجسم القضائي كما يبين مدى السعي إلى الحد من حرية عمل الجمعية.
ثانياً: قرار السلطات البحرينية يخالف حقوق الإنسان
يعطي القانون الدولي الذي يعالج حقوق الإنسان، أهمية خاصة للحق في حرية التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات للتمكين والتمتع الكامل بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكي تتسع أطر المشاركة في العملية السياسية في البلاد، ويشكل ذلك أحد أهم عناصر الديمقراطية.
ويتصل الحق في حرية التجمع والتنظيم فيما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني بمراحل مختلفة من حياة المنظمات أو الجمعيات وهي أساسا القدرة على تكوين المنظمات والانضمام إليها؛ وقدرة المنظمات على العمل دون تدخل بشؤونها، بما في ذلك عدم التدخل التعسفي مع الأعضاء أو النشطاء المرتبطين بهذه المنظمات وتعرض حقوقهم للتهديد.
هذا الحق في تكوين الجمعيات، ينبع من المادة 19 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. كما تؤكد المادة 20 من الاعلان العالمي، أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تؤكد على أن يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن توضع القيود على ممارسة هذا الحق. كذلك فإن المادة 22 تقول إن لكل فرد حقا في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. ولا يجوز أن توضع قيود على ممارسة هذا الحق.
التجمع السلمي وتأليف الجمعيات يعكس الحق في حرية الرأي والتعبير
التجمع السلمي وتأليف الجمعيات يعكس دون أدنى شك الحق في حرية الرأي والتعبير، ويؤكد حق الفرد في تكوين جمعية أو منظمة مع أشخاص يتفقون معه بالإضافة إلى الحق الجماعي للجمعيات في القيام بأنشطة سياسية وثقافية واجتماعية. ويجب ممارسة الحق في حرية التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات دون أن يُفرض عليه من القيود إلا ما يجيزه القانون الدولي، وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان.
لكن للأسف، لا يزال التذرع بحماية الأمن القومي أو النظام العام إحدى الوسائل الرئيسية التي تستخدمها الحكومات لقمع الجمعيات ونشاطاتها والبحرين مثال لذلك. وبالتالي لا بد من اتخاذ إجراءات تحمي حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات في هذا البلد الذي يعكف على حرمان شعبه من الحقوق.
ووفق ما تقدم من نصوص قانونية، تؤكد الحق في تكوين الجمعيات وعملها، فلا يجوز للسلطات البحرينية الاستمرار في قمع هذه الجمعيات ونشطائها وأنشطتها. كما لا يجوز لها التذرع بما تعلنه من أسباب لتجميد عمل جمعية الوفاق. وما تقوم به السلطات البحرينية يدل فقط على قمعها لأبناء البحرين، واتباعها سياسة التفرد بالحكم دون مراعاة حقوق الشعب.
8/5/141108
https://telegram.me/buratha