بغداد ـ عادل الجبوري
كان من المتوقع جدا ان يثير المؤتمر الذي عقد مؤخرا في مدينة أربيل الكردية تحت عنوان "المؤتمر العربي لمكافحة الارهاب والتطرف" جدلا وسجالا واسعا في اكثر من محفل وعلى اكثر من صعيد.
وذلك الجدل والسجال الذي ما زال محتدما الى حد كبير ارتبط في جانب منه بطبيعة الحضور، والزمان والمكان، ولم ينته عند العنوان، بل امتد الى ما خرج به ذلك المؤتمر من نتائج ومعطيات، وما طرحه من مطالب وتوصيات.
وفيما يتعلق بطبيعة الحضور، فقد غلب عليه اللون السني حصرا، وغاب اللون الشيعي بصورة شبه تامة، ان لم يكن بالكامل، وحتى بعض الاسماء الشيعية التي حضرت، فقد كان حضورها خجولا، ولم تكن تمثل عناوين سياسية يعتد بها في الفضاء الشيعي، ناهيك عن كونها اكتفت بالجلوس والمشاهدة والاستماع وتناول الطعام!.
وحينما سئل المعنيون بتنظيم المؤتمر وتوجيه الدعوات، عن سبب غياب المكون الشيعي وبقية المكونات الاخرى، ردوا قائلين "في واقع الامر الهدف من هذا المؤتمر هو التداول في وضع المكون السني في المحافظات التي تواجه خطر تنظيم داعش وتعيش ظروفا واوضاعا استثنائية وحرجة".
ربما يبدو ذلك التبرير مقنعا ومقبولا، اذا عرفنا ان تيارات وقوى المكون الشيعي، او المكون الكردي، او المكون التركماني، تعقد باستمرار مؤتمرات وملتقيات لبحث شؤونها الخاصة وترتيب اوضاعها وتنسيق سياساتها ومواقفها.
الجانب الاخر، تمثل في ان عنوان المؤتمر "المؤتمر العربي لمكافحة الارهاب والتطرف" لم يكن منسجما من حيث المضمون مع ما كان مطلوبا منه ومخططا له، فمجرد غياب المكون الشيعي العربي منه، افرغه من محتواه، فضلا عن ذلك فان البحث والنقاش تمحور حول الارهاب الذي يضرب ويستهدف ست محافظات فقط هي، نينوى والانبار وديالى وصلاح الدين وكركوك وبغداد، على اعتبار انها محافظات سنية، وهذا امر غير دقيق، لان كل تلك المحافظات-ما عدا الانبار-تتشكل من نسيج اجتماعي متنوع ومتداخل، وليس بالضرورة ان يمثل المكون السني اغلبية فيه، كما هو الحال بالنسبة للعاصمة بغداد، اضف الى ذلك فان هناك من يتساءل ويقول، ولماذا يكون مؤتمرا عربيا –بالتحديد-لمكافحة التطرف والارهاب، بينما تعرضت مدن ومناطق يقطنها اكراد وتركمان وشبك وايزيديون ومكونات اخرى الى ابشع صور الارهاب الداعشي التكفيري، مثلما تعرضت مدن ومناطق ذات اغلبية سنية؟.
وبالنسبة لمكان انعقاد المؤتمر، كان اعتراض البعض على مدينة أربيل، وعدم اختيار العاصمة بغداد مكانا لانعقاده، معقولا ومنطقيا، وخصوصا انه لا توجد موانع حقيقية امام حضور اغلب المشاركين بالمؤتمر في بغداد.
والجانب الاخر في الموضوع تمثل في ان المؤتمرين اعادوا طرح ذات المطالب التي طرحت العام الماضي من خلال ساحات الاعتصام، والتي كان البعض منها مخالفا للدستور، وبعضها مرتبطا بالقضاء، وبعضها الاخر لا يمكن فرضه بعيدا عن التوافقات والتفاهمات السياسية بين الفرقاء.
وثمة امر اخر، وهو ان المؤتمر بدا متحاملا الى حد كبير على قوات الحشد الشعبي، معتبرا انها ميليشيات اجرامية، وحاول التغافل عن الدور المهم والحاسم الذي لعبته تلك القوات في مواجهة تنظيم داعش وهزيمته، كما حصل في ناحية امرلي، وجرف النصر وبيجي ومناطق اخرى، في مقابل ذلك ارتفعت الاصوات المطالبة بتسليح ابناء العشائر السنية لمواجهة داعش، في مفارقة غريبة بين رفض للحشد الشعبي ومطالبة بدور حقيقي للعشائر السنية!.
وما يؤخذ على المؤتمر ايضا انه لم يشر لا من بعيد ولا من قريب الى دور المرجعية الدينية في النجف الاشرف، والاثر الكبير الذي احدثته فتواها "الجهاد الكفائي" في تغيير موازين القوى وكبح جماح تنظيم داعش ودفع خطره لا عن المدن والمناطق ذات الهوية الشيعية، بل وحتى عن المدن والمناطق ذات الهوية السنية.
في مقابل ذلك شغل مطلب تشكيل الاقليم السني حيزا كبيرا في اجواء المؤتمر، وهو ما يتناغم مع الرغبات والتوجهات الاميركية التي تعززها وتدعمها رغبات وتوجهات قوى اقليمية، تسعى اما الى تحجيم الوجود الشيعي لصالح الوجود السني، وبالتالي خلق المزيد من القلاقل والفتن في المشهد العراقي، او جعل التقسيم امرا واقعا لا محالة.
هذه الارتباكات في الحضور والمشاركة، وفي طرح المطالب، وتسويق الدعوات، رسمت صورة مشوشة وضبابية، من المستبعد جدا ان تتوضح وتتبلور في مؤتمر اخر ربما ينعقد في وقت قريب، مثلما دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الى ذلك، فما دامت الحسابات مختلفة، والنيات غير صادقة، والارتباطات متقاطعة، والاجندات متناقضة، فان لا مؤتمر في أربيل، ولا مؤتمر في عمّان، ولا حتى في بغداد يمكن ان يصلح ما افسده الدواعش ومن دعمهم وساندهم واحتضنهم وما زال!.
https://telegram.me/buratha