القوة العربية المشتركة.. حلم قديم وواقع مرير
" القوة العربية المشتركة"، فكرة راودت أحلام كثير من العرب منذ نحو ٧٠ عاما، لكنها تختفي تارةً وتظهر آخرى والسبب في ذلك هو تضارب مصالح الدول العربية وإختلاف وجهة نظرها في مقاربة المستجدات على الساحة الإقليمية والدولية من ناحية، وعرقلة بعض الأطراف الخارجية لهذه الخطوة من ناحية آخرى.
لا شك في أن الأوضاع بالمنطقة تتطلب أكثر من أي وقت مضى تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة لمواجهة الإرهاب الذي يعصف بها، حسبما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، الذي بدوره ثمّن دعوة السيسي لتشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب، واصفا توقيت إطلاق هذه الدعوة بأنه مهم للغاية.
العربي الذي أكد خلال لقائه السيسي في مقر الرئاسة المصرية أن أي مواجهة لابد لها من إطار قانوني، موضحا أن الدول العربية لديها إطار قانوني ممثل في اتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقعة عام ١٩٥٠ والتي لا تقتصر فقط على مواجهة العدوان ولكن تنص أيضا على التعاون الاقتصادي، قال "إن حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي يكتسب أهمية كبرى في هذه المرحلة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة والتي تفرض ضرورة التفكير في صيانة الأمن القومي العربي، مشيرا إلى أن جامعة الدول العربية أصدرت قرارا في ٧ سبتمبر الماضي لبحث سبل مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها كل الدول العربية وضرورة التكاتف لمواجهتها على كل المستويات".
واعتبر الأمين العام للجامعة العربية، أن الأوضاع في المنطقة العربية حاليا غير مسبوقة في ظل وجود تنظيمات إرهابية مثل داعش الإرهابي تكتسب طبيعة خاصة تختلف عما كان عليه الإرهاب من قبل، مشيرا إلى أن الإرهاب الآن يهدد كيانات الدول وبنيتها.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو كيف ستتحول هذه الفكرة إلى واقع، بعد الفشل طوال هذه السنوات في تحقيقها، ما هي فرص النجاح، وما هي أهم أسباب الفشل؟
ولدت فلسفة معاهدة الدفاع العربي المشترك والتي تعتبر الركيزة الأساس لأي قوة عربية مشتركة من رحم نكبة ١٩٤٨، حيث تقوم هذه المعاهدة على التعاون والتصدي لأي عدوان خارجي على الدول العربية الأعضاء في المعاهدة، وتسهب المعاهدة في إعداد الخطط العسكرية لمواجهة أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التي يقررها مجلس الدفاع المشترك، الذي يتكون من وزراء الخارجية والدفاع الوطني أو من ينوبون عنهم، وهيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة ولجنة عسكرية دائمة.
للأسف، غابت المعاهدة العربية للدفاع العربي المشترك عن كافة التحديات التي واجهت الأمن القومي العربي، بدءاً من الصراع العربي الإسرائيلي الذي سعى البعض في الفترة الأخيرة لتحويله إلى صراع"فلسطيني-إسرائيلي" ، مروراً بغزو الكويت واحتلال العراق وصولاً للأوضاع الحالية في سوريا ، العراق، مصر، اليمن، ليبيا والبحرين.
فرص النجاح
لا شك أن المعاهدة في شكلها الحالي لن تؤدي إلى تشكيل قوة عربية مشتركة، لكن "مجلس الأمن والسلم العربي"، الذي أقرته القمة العربية في الخرطوم عام ٢٠٠٦، وعلق عليه العرب آمالا كثيرة، قد يكون مخرجا عربيا لتشكيل قوة عربية مشتركة، وقد تحدث الأمين العام للجامعة العربية وقتئذ"عمرو موسى" عن الخطوة المتقدمة التي يمثلها هذا المجلس نحو تمكين جامعة الدول العربية، من التحرك المؤثر لتسوية النزاعات بل والحيلولة دون نشوبها عبر أربع آليات رئيسية هي نظام للإنذار المبكر، وهيئة حكماء، وقوات حفظ سلام، وبعثات مراقبين عسكريين ومدنيين.
كذلك، يعتبر وجود تنظيم داعش الإرهابي بمثابة فرصة حقيقية للدول العربية بغية تشكيل"قوةمشتركة" على مساحة الوطن العربي، كما أن تحديد الأمن العربي وحيثياته، إضافة إلى تحديد آليات واضحة لتعيين العدو والصديق من أهم فرص النجاح، ولا يمكن تشكيل "قوةمشتركة" اذا لم يتنازل بعض القيادات عن أحقادهم الشخصية تجاه عدّة أنظمة عربية، في سبيل المصلحة العربية العليا.
أسباب الفشل
قد يكون تنظيم داعش الإرهابي حالياً هو القاسم المشترك الوحيد(لا يخلو الأمر من معارضة البعض ولو من تحت الطاولة) لتشكيل قوة عربية، وحتى لو تم الإتفاف على تشكيل قوة عربية من المؤكد أنها لن تتعدى المواجهة الشكلية(على غرارالتحالف الدولي ولكن هذه المرّة بسبب ضعف الإمكانات وتضارب المصالح) للتنظيم الإرهابي وستتفكك عند أول موضوع خلافي بين دولها. لكن بصورة عامة، كثيرة هي الأسباب التي قد تعرقل تشكيل قوة عربية مشتركة، أبرزها التالي:
١- تزداد الأوضاع العربية سوءاً بسبب تضارب المصالح وعودة التدخل الأجنبي، وسطوع نجم التيارات التكفيرية التي حظيت بدعم العديد من الدول العربية، لذلك يعتبر تضارب المصالح وإختلاف الرؤية في مقاربة الأمور سبباً رئيسياً لفشل هذا المقترح.
٢- لن يسمح الكيان الإسرائيلي بتشكيل قوّة مشتركة لأنه يعتبر أي خطوة في هذا السياق بمثابة تهديد للأمن القومي، ولوحصل على أي تطمينات عربية-أمريكية حول وجهة"القوة العربية".
٣- الجموح التركي في تحطيم أي قوة عسكرية أوسياسية تقف في وجه مشروعه الإستعماري "العثمانية الجديدة" في المنطقة كما فعلت في سوريا والعراق وسعيها إلى ذلك في مصر، إضافةً إلى نفوذها لمراكزالقرار في بعض دول الخليج الفارسي، سيساهم في عرقلة أي خطوةعلى طريق تشكيل "قوةعربية مشتركة".
٤- القوى الغربية ممثلةً بأمريكا والتي تريد تدمير الجيوش العربية من العراق إلى سوريا فمصرخدمةً للكيان الإسرائيلي من ناحية وتنفيذاً لمصالحها من ناحيةآخرى، لن تسمح بتطبيق "مقترح السيسي" الذي يريد تكريس نفسه كزعيم على غرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خشية تكرار سيناريو حرب ١٩٧٣وما تلاه.
٥- رغم وجود مصر يعتبر غياب سوريا والعراق، والسعي من قبل البعض لإستبدال هذه الدول بأموال خليجية من أهم أسباب الفشل لأي قوة عربية.
٦- الإصرارالمصري على تشكيل"القوات بمن حضر" في حال لم يحظ الاقتراح المصري بموافقة القمة العربية، يؤكد مقولة أن القوة تهدف لـ"تكريس زعامةالسيسي"، وأن محاولة الرئيس المصري فاشلة وستحصد المزيد من الفشل.
قد تكون القمة العربية المقبلة اواخر الشهر القادم بالقاهرة فرصة مناسبة للسيسي، بغية إقرار فكرة إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، وهذا ما سيناقشه الرئيس المصري خلال زيارته إلى السعودية حيث ستكون"تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب" على رأس جدول أعماله، بعدما حصل على تأييد الحكومة الليبية برئاسة عبدالله الثني، كما أن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي سيبدأ الأسبوع المقبل في الكويت جولة عربية من أجل التشاور في شأن القمة العربية ، ولـ"استطلاع آراء الدول العربية في شأن عدد من المواضيع، في مقدمها الاقتراح المصري، قبل طرحه على جدول أعمال القمة العربية الشهر المقبل، وفقاً لديبلوماسي عربي ، ولكن في ظل العرقلة الخارجية وتعارض المصالح الداخلية(العربية) وغياب الرؤية المشتركة، وعدم القدرة على تحديد "العدو والصديق" ، يبدو المشهد العربي اليوم في وضع ضبابي لا يحسد عليه.
11/5/150303
https://telegram.me/buratha