د. طراد حمادة
"السنة والشيعة مسلمون" عنوان كتاب أصدره تجمع العلماء المسلمين. يعبر عن حقيقة واقعيّة، إيمانية ومعرفية وتاريخيّة، تقدّم نفسها ببداهة وبساطة ووضوح،وهي الشروط التي حددها أصحاب المناهج لتكون الفكرة مقبولة لدى العقل.
السنة والشيعة مسلمون. اخترت هذه الجملة المفيدة لتكون عنواناً وموضوعاً لهذه المقالة، وتأتي متفقة في قبولها لدى الناس، من مختلف الملل والنحل مساوياً لقبولها لدى العقل، رغم مجافاة بعضهم للعقل والمنطق، ومعاداة الحقيقة ومخالفة حقائق المعارف ووقائع التاريخ، هذه المجافاة والمعاداة والمخالفة، تمثل الانحراف والتزوير الذي يضرب بعض الاتجاهات اللامعقولة، والمتهافتة من أمثال القول: إن السنة والشيعة مذهبان متناقضان في الإسلام ، وإن الصراع بينهما من الأمور الواقعية والتي لا يمكن الهروب منها، وعليه، فإن ما يقوم بينهما هو الجفاء والتباغض بدل التقارب والصحبة والاتفاق.
-2-قلت: إن عنوان "السنة والشيعة مسلمون" متفق مع الحقيقة، مقبول لدى العقل، مصدّق من المنطق، متحقق في التاريخ، وأن هذا الأمر من الوضوح والبساطة والبداهة، ما يجعله غير محتاج إلى الدليل، لأن البديهيات والواضحات تُقبل لدى العقل بلا أدلة يطلبها العقل لإثباتها، ومع ذلك، فإن تقديم الدليل لا يكون من باب توضيح الواضحات، بل من باب ردّ المغالطات، والفكر التكفيري المخالف للدين والخارج على حقائقه وأصوله...
-3-يعرف كل عاقل، من المسلمين وغير المسلمين، نظر وفكّر بطرق شتى، عقلية ونقلية وسماعيّة، ونصيّة، أن الإسلام كمال الدين، نزل في القرآن الكريم وحياً على قلب الحبيب محمد بن عبد الله (ص) خاتم الأنبياء، وجاء بالتوحيد الحق، واكتمال مسيرة الأنبياء، بنبوة محمد الخاتمة، وإثبات المعاد والثواب والعقاب، وأن أصوله العقائدية التي ذكرت تقول بها السنة والشيعة بلا خلاف متعلق بها. واذهب إلى أن العدل والإمامة مندرجان في أصل التوحيد والنبوّة، وأن القائل بالتوحيد حقاً قائل بالعدل حقاً، وكذلك القائل بالنبوة حقاً قائل بالإمامة حقاً.
-4-ونقول:إن المذاهب مدارس فكرية عرفتها الأديان والفلسفات المحضة، وكذلك العلوم المختلفة، وأن الفكر الإنساني عادة ما يبدع ويلجأ الى التقسيم والتحليل مجتهداً في رؤيته وفهمه الحوادث والوقائع والأفكار، ولا يحتاج الباحث في تاريخ الفكر الإنساني إلى تبرير نشوء المذاهب، لأنها حقيقة واقعية في حركة الفكر بما فيه الفكر الديني، ولم تخلُ الأديان ولا الفلسفات من نشوء المذاهب، تعبيراً عن تنوع اجتهاد العقل في الميدان المعرفي، وميل العقل الإنساني إلى التحليل والتفريع لإجادة الفهم... وهذا ما يدخل في أصل نشوء المذاهب والفرق...
السنة والشيعة مسلمون
إنّ كتب مقالات الإسلاميين، والملل والنحل تضع هذا التعدد والاختلاف في خانة اجتهاد العقل في فهم النص الديني، وبشرحه وتحليله، ولا تخرج هذه الاجتهادات عن الحقائق الكبرى للنص التي يحصل عليها ما يمكن اعتباره توافقاً على الأصول العقائدية، وكل مبحث يريد أن يعالج هذه المسألة عليه أن يتناول التطورات الابستمية (المعرفية)، ورحلة حوار العقل مع القرآن، واكتشاف الحقائق المتحصلة في القرآن الكريم للوصول إلى تحديد علة تعدّد المذاهب، وعندها يدرك أن هذه مسألة طبيعية، من خصائص التفكير الإنساني، وأن المذاهب في الإسلام إنما هي تعدد في الاجتهاد والنظر، وكذلك في قراءة النص، لكنها تدور كلها على فهم وتطبيق أصول المعارف الدينية الإسلامية والحقائق القرآنية وحتى في جوانب عديدة منها، تتناول مسألة السيرة والحديث والرواية.
-5-لو راجعنا حركة نشوء المذاهب والمدارس الفكرية في الإسلام لوجدنا أنها تتفق من حيث طبيعة النشوء مع ما حصل في الأديان التوحيدية الأخرى من ناحية اشتغال العقل على النص الديني، لكنها تذهب إلى ما بعد ذلك من ناحية مناهج قراءة النص الديني.
لقد عرفنا أن القواعد التي وضعها ديكارت مثلاً، في منهاج الطريقة، لم يدرج قراءة النص الديني في نطاق هذا المنهج، وقد خالفه سبينوزا في رسالة السياسة والأخلاق. فيما نجد في الإسلام مباحث مشتركة عند كل المذاهب في مسائل تتعلق بما يلي:
1- مناهج التفسير القرآني
2- قواعد دراسة الحديث (نقد الحديث)
3- قواعد أصول الفقه (استنباط الأحكام)
4- تحديد حدود التأويل ومواضيعه ومناطقه.
هذه تجعل من حركة العقل في قراءة النص متفقة مع أصول وقواعد خاصة بقراءة هذا النص، في معنى آخر تخصيص مناهج لقراءة النص الديني الأمر الذي يجعل من المدارس وكأنها اجتهادات صادرة عن مناهج موحدة في قراءة النص الموحدة بدورها هي أيضاً، وعليه لا تتباعد المذاهب وفق تعبير ابن رشد، بقدر ما تتعدد لتتقارب...
22/5/150309
https://telegram.me/buratha