باسم حسين الزيدي
لعل اهم ما افرزته ثورات الربيع العربي عام 2011، انها فصلت بين نوعين من العلاقة مع الأنظمة العربية داخليا، الأول يقوم على أساس دعم النظام مهما كان مستبدا وقاسيا بسبب المصالح المشتركة التي اوجدت علاقة متينة وغير قابلة للانقسام، والثاني لشرائح واسعة من المجتمع، وبالأخص من المهمشين والفقراء من الذين سحقتهم تلك الأنظمة المتسلطة وبددت امالهم في الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية والكرامة، وانتج الصراع بين هاتين الطبقتين فوضى عارمة في الشرق الأوسط، خصوصا مع إصرار الطبقة القريبة من النظام او "الدولة الموازية" للبقاء في السلطة وعدم التنازل امام "الطبقة المهمشة"، وهو ما حدث فعلا بعد ان حاولت "طبقة المصالح" تحويل مسار الثورات الربيعية الى صالحها، ويمكن القول ان "الربيع العربي" قسم مدى تأثر الدول العربية الى ثلاث مستويات: 1. دول حافظت فيها الأنظمة على عرشها بالقوة او المال رغم الاحتجاجات التي قادتها الطبقات المهمشة داخل هذه الدول (البحرين، السعودية، الجزائر، جيبوتي، المغرب، الأردن، السودان، موريتانيا). 2. دول احتوت أنظمتها الربيع العربي بوجه اخر يبقي نفس القوى القديمة، على الرغم من تغير سقوط الأنظمة المستبدة فيها (مصر، تونس). 3. دول لم يحسم امرها بعد، وهي ما زالت تمارس صراعا حادا بين التغيير والاحتواء، او صراعا بين الطبقتين (سوريا، ليبيا، اليمن). وقد فتح الصراع (على مستواه الثالث) الباب واسعا على جميع الاحتمالات، بعد ان حولت تلك الأنظمة بلدانها الى دول فاشلة تصارع من اجل البقاء، فيما ساهم تدخل الأنظمة من المستوى الأول والثاني في الازمة الى تنامي مخاطر الصراع الى ابعاد غير مسبوقة، وأوضح تشابه السيناريوهات المطروحة في التعامل مع الازمات الثلاث (سوريا، اليمن، ليبيا) الايادي الخفية ذاتها والتي تدير الصراع بالنيابة، ليس لتخليص الشعوب من معاناتها بل للحفاظ على عروشها التي هددتها ايادي وحناجر المستضعفين في تلك البلدان، والغريب ان أوجه الشبه المطبقة بين هذه "الدول الثلاث" اقتربت في: - ان هذه الدول مقسمة الى نظامي حكم، واحد معترف به من قبل الأنظمة العربية والغربية والأخرى غير معترف به، في اليمن تجد حكومة هادي والحوثيين، في ليبيا تجد حكومة طرابلس وفجر الاسلام، اما في سوريا فالمعارضة والنظام. - جميع هذه الدول مهددة بحرب أهلية طاحنة (مع ان سوريا دخلت هذه المرحلة بالفعل) قد تستمر لسنوات طويلة. - جميع هذه الدول تحولت الى دول جاذبة للحركات المتطرفة، خصوصا تنظيم "القاعدة" و"داعش"، فضلا عن وجود ميليشيات مسلحة أخرى تنتشر في عموم البلاد، ومدعومة من أطراف إقليمية ودولية متنوعة. - طرح سيناريو التقسيم لجميع هذه الدول بصورة غير مسبوقة، فاليمن قد تقسم الى دولتين او ثلاث دويلات، في سوريا هناك سيناريو يقسمها الى أربع دويلات، بالإضافة الى ليبيا التي قسمت الى دولتين وعدة مناطق أخرى، وهو ما يعيد الى الاذهان مفهوم "سايكس-بيكو الجديد" او "الشرق الأوسط الجديد". - يعتقد الجميع ان الحل السياسي هو الحل الوحيد لمشاكل هذه الدول، ومع هذا لا أحد (عربيا وغربيا) يرغب في متابعة هذا الحل والمضي به حتى النهاية، وبدلا من لك يطرح الخيار العسكري بقوة للتدخل الأجنبي في هذه البلدان، فأمريكا هددت سوريا (ثم تراجعت لاحقا)، وايطاليا ومصر دعت الى تدخل عسكري في ليبيا، فيما قامت عشر دول عربية بالتدخل العسكري الان في اليمن. ما نريد قولة ان ثورات الربيع العربي غيرت الكثير من المفاهيم وطرق التفكير للأنظمة العربية المهيمنة على الحكم والشعب، والتي لا تسمح لشعوبها بالتعبير عن رغباتها ودفع الأنظمة نحو الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والحريات العامة، خصوصا بعد ان استشعرت (الأنظمة) خطر زوالها من قبل الشعب، لذا تجدها اليوم تحاول جاهده في ابتكار وصفات جديدة للوقاية من مخاطر "الربيع العربي" او ما هو أخطر من ذلك. القمة العربية التي عقدت في "شرم الشيخ" بمصر سيكون همها الأول تشكيل وبناء "قوة عربية مشتركة" بإلحاح مصري ودعم خليجي كبير، وبحسب وسائل إعلامية نشرت تفاصيل المشروع الذي يقضي نصه بأن القوة التي تضم وحدات من الدول الأعضاء ستكلف تنفيذ "عمليات للتدخل العسكري السريع" للتصدي للتهديدات الأمنية التي تواجهها الدول العربية، طبعا على مستويين الأول الحركات الإرهابية التي تهدد امن الدول العربية، والثاني التهديدات الخارجية التي تهدد الامن القومي العربي، وفي حال نجاح هذه القمة في تشكيل هذه القوة (امر مشكوك في نجاحه وحتى في حال نجاحة فإلى متى سيستمر) المفترضة، والتي عد تدخلها الأخير في اليمن اول اختبار لمدى توافقها وقوتها، بحسب اراء خبراء ومحللين، فما هي الأهداف التي ستوجه اليها هذا التحالف العربي المشكل من المستويين الأول والثاني؟ هل ستوجه الى سحق رغبات الشعوب العربية المطالبة بالإصلاحات السياسية وتغيير الأنظمة العربية، كما فعل "درع الجزيرة" في البحرين مثلا، وهل سيتجنب "الحروب الطائفية" او الاستهداف الطائفي في توجيه ضرباته المستقبلية؟ والاهم من ذلك كله هل سينجح في تحقيق الهدف المعلن من تشكيل هذه القوات، وهو تحقيق الامن القومي للعرب؟ الشك في تحقيق هذه الأهداف يبدو كبيرا في ضوء فشل التجارب السابقة (في سوريا وليبيا) للأنظمة العربية المتحدة الان في ضرب اليمن، كما ان سيناريو "التحالفات العربية" في زمن "الخلافات العربية" الذي يحاول تسويقه على نطاق واسع في الاعلام والتصريحات السياسية يبدو "ساذجا للغاية"، فالتدخل السعودي الأخير في اليمن لم يساهم الا في تعقيد المسالة اليمنية، وقد لا يدفع الحوثيين الى طاولة المفاوضات كما ترغب السعودية بذلك، فقد نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن السفير البريطاني السابق في الرياض، والمدير التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والشرق الأوسط سير "جون جينكز"، قوله "أرى الأمور تتجه نحو التصعيد، خاصة أن المسار السياسي ليس واضحاً"، وأضاف "لا نعرف إلى أين سينتهي هذا الأمر"، وأشارت الصحيفة الى الخبيرة في مجال الإرهاب في جامعة نوتنغهام ترينت في بريطانيا "ناتاشا إندرهيل"، قولها: "عند هذه النقطة فأي نزاع يهدد بجلب قوى إقليمية سيكون مدمراً لمنطقة غير مستقرة بالأساس".
8/5/150330
https://telegram.me/buratha