نور الحيدر أيوب
فرّقت "أرض الشام" بين إرهابيي "القاعدة". انقسم تلامذةُ "بن لادن" إلى معسكرين. كُلٌّ منهما يرى نفسه "الفريق الحق"، واجب الطاعةِ والبيعة. كفّر الطرفان بعضهما، وبنيا "رأيهم الشرعي" على استدلالات عقلية ومنطقية شرعية.
لم تنتهِ "حرب الإلغاء التكفيرية" بين طرفي النزاع. لا تزال "النصرة" تترقب "داعش"، وتعبّئ عناصرها. فيما "أختها اللدود" تؤدي المهمة نفسها، ولكن على ساحتها الخاصة. لم تكن حرب "الإخوة" يوماً بالسيفِ فقط، لا زال الطرفان يرميان كل ما في جعبتهما، الأسلحة كلّها مباحة، والهدف "فضح كُفر الآخر".
جبهة النصرة نشرت كتاباً من 260 صفحة لتكفير داعش بعنوان "العلامات الفارقة في كشف دين المارقة". أسمت "الجبهة" "داعش" بالخوارج، الوصف الإسلامي الملازم للخارج عن الدين. يعرّف الكاتب الخوارج بأنهم "كل من خرج على الجماعة المسلمة بالسيف للدعاء إلى معتقده، وكان خروجه نابعاً من مخالفة الأصول في الشريعة"، مشيراً إلى أن التعريف يُطابق جماعة البغدادي قولاً وفعلا.
كيف خرجت داعش عن التيار التكفيري؟
يُعدُّ مؤلّف الكتاب مظهر الويس، أبرز وجوه جبهة النصرة "الشرعية" لديهم. لا ينفي الكاتب "وجود خوارج في الحركةِ الجهادية قبل داعش". ولكي "لا يُضرب المشروع الجهادي ولمنع شماتة الأعداء به"، و"لإبقاء الثقة الموجودة عند المجاهدين"، آثر مشايخ وعلماء ذاك التيار السكوت على معالجة الانحراف مع علمهم بوجوده. أما المشايخ الذين نبّهوا على هذا الخلل، من عبد الله غزّام، وأبي مصعب السوري، وعطية الله الليبي، فقد اتهموا بالتمييع والإرجاء.
دأب المؤلف في كتابه، على فضح أخيه في ما يسمى بـ "الجهاد". معتمداً على أقوال العلماء السابقين (جُلُّ الأحاديث ترجع لابن تيمية وابن القيّم)، ليقارب الواقع التاريخي للخوارج مع واقع جماعة البغدادي. واستناداً للويس فإن أصل الخروج عن الدين هو بالخروج عن السنة، والغلو في التكفير. يشرح الكاتب كيف خرجت "داعش" عن الدين، "باعتمادها على الجدل العقلي والابتعاد عن النصوص الشرعية في الاستدلال، واستخدام التجييش العاطفي"، إضافةً "لإنزالها النصوص وأقوال العلماء على غير منزلها، مع سطحية في الاستنباط دون تعمق ورسوخ". مستكملاً أن "اتباع المتشابه من النصوص دون المحكم، والغلّو في البيعة والإمامة، والطعن في أئمة الهدى وأهل العلم والفضل" أوصل جماعة البغدادي بالغلو في مسمى الإمامة والدولة. فالدواعش حسب الكاتب، يشترطون الجهاد بالبيعة لهم، "مبطلين شرعية كل الجماعات الجهادية، مشترطين على الفصائل المرابطة في الثغور إما البيعة وإما ترك الجهاد".
غلّو داعش لم يقتصر على مبايعتهم، بل غالوا في التكفير أيضاً. وضع الدواعش منهجاً متميزاً وآراءً خاصة. يكفرون بلا مكفر، ويعتبرون كل من خالفهم كافراً، ومن ثم يغالون في قاعدة "مَن لم يُكفر الكافر أو شك في كفره فهو كافر". هذه الصورة التي قدّمها الويس يدعمها بالأمثلة والأحداث، من تكفير داعش للفصائل المسلحة على الأراضي السورية، فالجبهة الشامية "سلولية مرتدة"، وجبهة النصرة هي "جبهة رّدة"، وتحالف المجاهدين ما هو إلا "تحالف الصحوات". مشيراً إلى قتل الدواعش للمئات من "عشيرة الشعيطات المسلمة"، وقيامهم بالإعدامات على الهوية، واصدارهم تقريراً مصوّراً بعنوان "فشرد بهم من خلفهم". إلا أن الكاتب يستوقف عند بيان "الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية"، التي كفّرت الجبهة الإسلامية بأمرائها وأفرادها، وإعلانها "حربُ رِدّةٍ عليهم".
يستند الويس إلى إجماع العلماء على قتال الخوارج، والترغيب في حربهم. فالإجماع أوجب قتال من يخرج على المسلمين، ويستحل دماءهم واموالهم.إلا أنّه يرى أيضاً بوجوب "الدعوة الحسنة"، محمّلاً ما يسمى بـ"الحركة الجهادية السنية" مسؤولية التحْذير والتنبيه من خطر الغلو والخوارج، وبالدعوة "لنشر السُّنة، ومحاربة البدعة بالبيان والحجة"، باتباع الأساليب المشروعة من سجنٍ وتعزيرٍ وتعليمٍ بحسب كل حالة.
النصرة هي الحل
"الخوارج ليس لهم منهج وأفكار وعقائد عامة ثابتة يسيرون عليها، لأن عقيدتهم قائمة على الهوى والتشرذم، ولكنهم متفقون على استحلال دماء المسلمين وتفجير مقارهم وقتلهم". بهذا الوصف يظهر الويس صورة "الدواعش"، فهم كأسلافهم الخوارج مولعين بسفك الدماء، خصوصاً أن عملياتهم "الانتحارية" و"أفلامهم الهوليودية" وشعاراتهم وسواد لباسهم، استعراضٌ لقوّةٍ مركبة من حب سلطة وإجرام. فحال دولة "داعش" كحال دول الخوارج عبر التاريخ، مآلها الزوال والاندثار والتشرذم والتفرق.
يمنح الكاتب لفريقه لقب "سفينة النجاة"، فعلى الناس التوحد تحت رايتهم "في زمن الفرْقة"، فهم بتصديهم للخوارج، و"جهادهم" يبنون "المشروع السني" المعيد للأمة عزّها، على حد زعمه.
في المحصلة، تلعب النصرة دور تكفير توأمها الجهادي مرّة أخرى. وضعت معاييرها استناداً لكلام ابن تيمية وابن القيّم، اللذين اتبعتهما مملكة آل سعود وصنيعتها.. "داعش".
31/5/150424
https://telegram.me/buratha