انتقائية قسم كبير من الساسة والإعلاميين العرب في التعامل مع الانتشار الشيعي أو مع الجمهورية الإسلامية في إيران تعكس الخلفية السياسية لا الطائفية في تحديد الخطاب والسلوك، وإن كانت الطائفية تستخدم كأداة في الصراع. يتم وسم فئات واسعة من الشيعة تبعاً لخطوط التماس التاريخية والآنية في المنطقة، إما على أساس قومي فيشار إليهم بالمجوس أو الفرس، أو تستخدم في التصنيف العناوين ذات الدلالات الإقصائية مثل الرافضة، أو حتى حسب بعض الإحالات الفقهية التي تظهر التمايز مع بعض المذاهب الإسلامية الأخرى مثل لفظ "أبناء المتعة".
الشيعة ككل ليسوا هم المشكلة بل هناك فئات جيدة ومقبولة وشخصيات محببة لدى العرب، مثل شاه إيران الذي كان محل حفاوة ومهابة وتقدير لدى أغلب حكام النظام العربي، رغم أنه كان أقرب إلى التاريخ المجوسي والموروثات الوثنية الشاهنشاهية من الإسلام، بل وصل بهم الأمر إلى الحضور في احتفالات أقامها محمد رضا بهلوي في ذكرى مرور 2500 عام على قيام الحكم المجوسي في منطقة برسوبوليس الأثرية، إلا أنه لم يوسم بالصبغة القومية ولم تعلن عليه حرب القادسية. أو مثل حكومة آذربيجان التي يتعامل معها ملوك الخليج بالاحترام والحفاوة اللازمة ويستقبل رئيسها داخل الكعبة المقدسة، وكذلك العديد من الشخصيات الشيعية العربية السياسية والإعلامية. ما هي معايير التصنيف، إذن، بين الشيعي الجيد والسيء؟
الشيعي الجيد... هو الذي يدور في الفلك الأمريكي، مثل شاه إيران الذي كان حليفاً نفطياً واستخباراتياً لإسرائيل أو مثل حكومة آذربيجان التي تستضيف على أراضيها مقرات للـ"موساد" وللـ"سي آي إي"، فهؤلاء ليسوا مجوساً أو فرسا ولا يتم رفع لافتات قومية في وجههم، بل هؤلاء هم تعبير عن التنوع الثقافي الإقليمي تحت مظلة الرضا الأمريكية.
الشيعي الجيد... هو الذي تنطلي عليه كذبة دعم الأنظمة الاستحواذية في الخليج للثورات الشعبية، وهو الذي لا يستطيع أن يدرك كيف يتلاعب الغرب بآلاف الشباب العربي ويوجههم ضد مصالحهم ويورطهم في معارك الداخل وحروب الإخوة لكي يتخلص منهم، هذا الشيعي بالتحديد ليس ابن متعة، بل هو شخصية مرموقة ومحترمة في الإعلام العربي وتفتح له الصالونات ومقاعد الفضائيات.
الشيعي الجيد... هو الذي لم يقدر له وعيه أن يستوعب المصيبة الوهابية، إلا أنه استطاع ببديهته الغريبة أن يفرق بين غايات التمويل السعودي وغايات الفكر الإرهابي الذي يتم تدريسه في المدينة المنورة، أو قال خير هذا بشرِّ ذاك ..
الشيعي الجيد... لم يستطع أن يفهم أن الوهابية هي أداة إشغال استراتيجية تستخدم لمنع العالم الإسلامي من التقدم والتطور والوحدة، وأنه بتلقي التمويل السعودي أصبح جزءاً لا يتجزأ من هذه الأداة.
الشيعي الجيد... هو الذي وضع فلسطين والقدس في نهاية سلم أولوياته إن لم يحذفها كلياً، هذا ليس بخائن للعروبة ولا للإسلام، هذا إنسان شيعي ولكن أدخلت عليه تعديلات حداثوية، ولا يعد من صنف الروافض، خصوصاً إذا وصل تطوره العقلي ليعتبر أن اجتماع الوهابيين مع اليانكي لضرب سوريا وتدميرها هو دعم لآمال ورغبات الشعب السوري، وسيتم الاعتناء به بشكل مبالغ فيه ويحصل على حظوة فضائيات التحريض إذا اعتبر أن اجتياح "داعش" للموصل ثورة شعبية.
الشيعي الجيد... يرى مشاركة المقاومة في لبنان في الصراع الإقليمي توريطاً للشيعة واللبنانيين لا حمايةً لهم من المتغيرات الجغرافية والديموغرافية الجارية حالياً ومن مشاريع الخرائط الجديدة، التي ترسمها القوى الكبرى ولا يؤخذ فيها اعتبار للشعوب الضعيفة أو الغافلة التي تؤخذ على حين غرة.
https://telegram.me/buratha