حثت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند في موسكو قضيتين مهمتين على مسار العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
في لقائها مع غريغوري كاراسين نائب وزير الخارجية الروسي، تم بحث الملف الأوكراني. وقال كاراسين إن المحادثات كانت مفصلة ومنفتحة، وصعبة، وقد تم تخصيص معظم الوقت لتبادل وجهات النظر حول معايير محددة لعمل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي والمركز المشترك للتنسيق والمراقبة والجدول الزمني لمجموعات العمل.
هذا الكلام أوضحه وزير الخارجية سيرغي لافروف في تصريحات لصحيفة "روسيسكايا غازيتا" الروسية، مشيرا إلى أن المباحثات تركزت على ضرورة قيام واشنطن بالتأثير على كييف لمنع لجوئها إلى سيناريو استخدام القوة، وحملها على استئناف العملية السياسية في البلاد عبر إقامة حوار مباشر مع دونيتسك ولوجانسك بشرق أوكرانيا.
بل وأوضح أيضا أن روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على أن تستخدم الثانية نفوذها على سلطات كييف من أجل إقناعها بتطبيق اتفاقات مينسك، محذرا من أن هذه العملية لن تكون سهلة نظرا لمحاولات كييف تشويه الاتفاقات.
أما المباحثات الثانية التي أجراها سيرغي ريابكوف مع نولاند في موسكو، فقد دارت حول العلاقات الثنائية، بدءا من المجال السياسي العسكري وانتهاء بالشؤون الإنسانية، بما في ذلك وضع عدد من المواطنين الروس المعتقلين في الولايات المتحدة. وأكد أنه أعرب عن عدم ارتياح موسكو لحالة العلاقات الروسية الأمريكية، مشيرا إلى وجود قضايا خلافية كثيرة عالقة بسبب عدم وجود قنوات للحوار والتعاون بشأن الجوانب التي كان من الممكن إقامة التعاون فيها. ومن جهة أخرى، أكد أن موسكو شعرت "باهتمام واشنطن بالحوار".
تصريحات ريابكوف وردت أيضا خلال حديث لافروف لصحيفة "روسيسكايا غازيتا". إذ قال إنه ناقش موضوعات كثيرة مع نظيره الأمريكي جون كيري في سوتشي، من بينها الأزمات في سوريا واليمن وليبيا، مشددا على أنه من الواضح أنه لا يمكن تسوية حتى هذه الأزمات بدون روسيا، وأن محاولات عزل روسيا لن تنجح. وفي نهاية المطاف أعرب لافروف عن أمل موسكو بأن تستأنف الولايات المتحدة التعاون المتبادل مع روسيا.
كان من المهم أن تنقل نولاند رسالة القيادة الأوكرانية، لأنها كانت قد أجرت مباحثات، قبيل وصولها إلى موسكو، مع كل من رئيس الحكومة أرسيني ياتسينيوك، ورئيس الدولة بيترو بوروشينكو. وبالفعل قالت نولاند إن القيادة الأوكرانية أكدت لها أنها لا تنوي شن أي هجوم جديد في شرق البلاد. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الدبلوماسية الأمريكية أنها بحثت مع زملائها الروس إجراء انتخابات في منطقة دونباس والالتزام بوقف إطلاق النار، حاولت التأكيد على أن واشنطن ليست طرفا في عملية مينسك، لكنها ستسعى إلى التأثير في تنفيذ الاتفاقات. وهو ما يعني أن واشنطن تطلب دورا إضافيا للتأثير، أو على الأقل توسيع "رباعية نورماندي" لتنضم إليها. وهو ما أشارت إليه نولاند في أعقاب زيارتها كييف، حيث أعربت عن رغبة الولايات المتحدة في توسيع مشاركتها لضمان تنفيذ اتفاقات مينسك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودول "رباعية نورماندي".
إن كييف ترحب بأي تحرك أمريكي، بل وتدعو إلى توسيع دور واشنطن في كل شيء. وأكد الرئيس الأوكراني بوروشينكو أن تنسيق الخطوات بين أوكرانيا والولايات المتحدة أمر مهم للغاية. ومع ذلك، فالولايات المتحدة لم تقم بأي خطوات إيجابية إزاء تسوية الأزمة الأوكرانية، بل حدث العكس تماما، وأرسلت واشنطن قواتها العسكرية لتدريب قوات الحرس الوطني الأوكراني، وهددت بتسليح أوكرانيا. وهو ما دعا نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن يعلن في وقت سابق بأن واشنطن تبدي اهتماما ليس فقط بالمشاركة في "رباعية نورماندي"، بل وكذلك في مجموعة الاتصال الخاص بتسوية الأزمة الأوكرانية، إلا أن موسكو لا ترى جدوى في ذلك، لأن لهجة واشنطن بشأن الأزمة الأوكرانية لم تتغير إلى الآن.
على هذه الخلفية، يتولد انطباع بأن الولايات المتحدة بدأت باتخاذ مواقف مرنة بشأن العلاقات مع روسيا من جهة، وإزاء تسوية الأزمة الأوكرانية من جهة ثانية. غير أن تأمل الوضع بدقة يعكس انطباعات معاكسة تماما. إذ أن واشنطن لا تتحدث عن العقوبات التي فرضتها ضد روسيا من طرف واحد، ولا تتحدث عن تسوية عادلة للأزمة الأوكرانية بالحفاظ على وضع الحياد لأوكرانيا وضمان حقوق الأقليات.
من الواضح أن لعبة تبادل الأدوار بين الولايات المتحدة وحلف الناتو تسير بشكل أكثر وضوحا. فالأولى تعطي المجتمع الدولي انطباعا بأنها تميل إلى المرونة بشأن العلاقات مع روسيا، بينما يشدد الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة نفسها من لهجته تجاه روسيا بشأن تسليح دول الحلف وتوجيه اتهامات مباشرة لروسيا بوجود قواتها في أوكرانيا. الأمر الذي يزيد من تعقيد العلاقات بين الدولتين المنوط بهما الحفاظ على الأمن الدولي.
إن حلف الناتو لا يتواني عن توجيه تحذيرات وتهديدات إلى روسيا في الوقت الذي تظهر فيه واشنطن وجها آخر يميل إلى المرونة الشكلية. فقد قال الدبلوماسي الأمريكي ألكسندر فيرشبو، نائب أمين عام حلف الناتو، السفير الأمريكي الأسبق في موسكو، إن روسيا قد تواجه عقوبات جديدة وعزلة أكبر في حال فشل تنفيذ اتفاقات مينسك. هذا في الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة التزامها بالضغط على سلطات كييف لتنفيذ هذه الاتفاقات.
تساؤلات كثيرة تدور حول هدف واشنطن من لعبة تبادل الأدوار مع الناتو: ماذا تريد الولايات المتحدة من روسيا بالضبط؟ ولماذا بدأت بترويج صورتها المرنة الآن فقط بعد أن أشعلت العديد من الدول؟ وهل ستتمكن واشنطن فعلا من الضغط على "حزب الحرب" في كييف لتنفيذ اتفاقات مينسك، وعلى رأسها التعديلات الدستورية؟ وهل ستلتزم كييف بالوضع الحيادي لأوكرانيا وعدم الانضمام إلى أحلاف عسكرية؟
https://telegram.me/buratha