قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الثلاثاء 26 مايو/ أيار، إن واشنطن تقوم بالتنسيق مع الناتو للمشاركة مع دول أخرى بالمعركة ضد " داعش" والتصدي للتحديات في ليبيا.
أوباما أوضح، خلال اجتماع في البيت الأبيض، مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، أن "حلف الناتو يدرك جميع التحديات العالمية، وخاصة بشأن ما نطلق عليه الجبهة الجنوبية، ولتحقيق ذلك يجب أن نضمن مواصلة التنسيق بفاعلية في المعركة ضد داعش في العراق وسوريا". ولم ينس الرئيس الأمريكي أن يشير إلى أن دول الحلف الـ 28 تشارك كلها في التحالف الذي يدعم الحكومة العراقية ضد تنظيم "داعش".
تصريحات الرئيس الأمريكي كانت متوقعة تماما، وخاصة بعد التصريحات التركية حول التنسيق بين أنقرة وواشنطن لتقديم دعم جوي لما يسمى بـ "قوات المعارضة السورية المسلحة المعتدلة"، والتصريحات المتناقضة للاتحاد الأوروبي حول سوريا والعراق. كان من المتوقع أن يبدأ الطرف الأمريكي، كمحرك أساسي للأحداث، بتصريحات جديدة تماما حول بدء التنسيق مع حلف الناتو الذي يضم عمليا العدد الأكبر من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
جاءت تصريحات أوباما بعد تصريحات لنائبه جو بايدن تشبه الاعتذار للحكومة العراقية على ما بدر من إهانات واتهامات للقوات العراقية. ففي يوم الأحد 24 مايو/ أيار الحالي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر أن القوات العراقية لم تظهر أي رغبة في قتال "داعش" خلال سقوط الرمادي قبل أسبوع. وأكد كارتر لشبكة (سي.إن.إن) التلفزيونية أن القوات الأمريكية حاولت كثيرا تشجيع الجنود على الاشتباك بشكل مباشر مع عناصر داعش. وأوضح أن القوات العراقية كانت تفوق القوات المعادية عددا لكنها انسحبت من المعارك.
وبعد قيام رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي بزيارة خاطفة إلى موسكو لطلب أسلحة ودعم لمواجهة داعش بعد أن شعر بخذلان من جانب الولايات المتحدة، ظهر نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الاثنين 25 مايو/أيار، ليطمئن رئيس الوزراء العراقي بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه معركة العراق ضد "داعش". ووعد بزيادة الدعم للقوات العراقية وتكثيف الضربات الجوية وتدريب وتسريع تسليح الجيش العراقي. وأصدر البيت الأبيض بيانا رسميا عاجلا يؤكد فيه على "التضحيات الهائلة والشجاعة التي أبدتها القوات العراقية في الأشهر الثمانية عشرة الأخيرة في الرمادي وغيرها".
هنا يأتي دور باريس التي تسعى إلى توريط جميع الأطراف في المستنقعين العراقي والسوري لكي تنفرد، وبموافقة الجميع أيضا، بشمال أفريقيا والحصول على النصيب الأكبر من الكعكة الليبية بالذات. فقد دعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الثلاثاء 26 مايو/ أيار الحالي، إلى تعزيز التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم داعش في سوريا والعراق، تجنبا لمزيد من المذابح والتقسيم!!
هذا التصريح المثير للتساؤولات، يظهر في توقيت وكأن باريس هي الأكثر حرصا على عدم تقسيم سوريا والعراق، وكأن السياسات الفرنسية منذ البداية كانت موجهة لمحاربة الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والتحريض على إزاحة الأنظمة السياسية!
فابيوس انتقد الحكومة العراقية، مشيرا إلى أن فرنسا قررت العام الماضي شن ضربات جوية ضد التنظيم استنادا على قيام بغداد بتشكيل حكومة أكثر تمثيلا، مؤكدا أن هذا ما برر مشاركة فرنسا العسكرية. والمعروف أن فرنسا سوف تستضيف، في 2 يونيو/ حزيران المقبل، قمة تضم 24 دولة لبحث استراتيجية التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. فهل هذا يعني تغيير ما في الموقف الفرنسي إزاء ما يجري في العراق وسوريا؟ وفي أي اتجاه، وخاصة بعد أن أعلن أوباما التنسيق مع حلف الناتو الذي يضم في صفوفه فرنسا أيضا؟
هل تغيير الاستراتيجيات الأمريكية والفرنسية، والتنسيق مع الناتو، وإطلاق التصريحات المتناقضة، تعكس في نهاية المطاف فشل السياسات والاستراتيجية الأمريكية في معالجة الأزمات في الشرق الأوسط، وبالذات فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا والعراق وليبيا؟
من الواضح أن هناك تحركات أمريكية – أوروبية – أطلسية إزاء سوريا والعراق وليبيا. ولكن السؤال يدور حول أمر مهم: هل ستكون هذه التحركات انعكاسا لحالة التفاؤل التي سادت بعد لقاءات واتصالات أمريكية – روسية بشأن حلحلة هذه الأزمات والبدء بإيجاد أرضية مشتركة لتسويتها، أم أنها مناورات جديدة خارج إطار الإجماع الدولي، واستمرار لممارسة المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، ودعم التيارات اليمينية الدينية المتطرفة؟!
في كل الأحوال، ليس هناك شك في أن الغرب يعترف ببعض الأخطاء التي ارتكبها في سياساتها الخارجية بحق الدول والشعوب الأخرى. ولكن هذه الاعتذارات الجزئية لا تظهر هكذا مصادفة، أو يتم الإعلان عنها لأن الغرب بالفعل أدرك أخطأه، بل لأنه يرغب في إصلاح الخطأ بخطأ آخر أكثر فداحة. في هذا الصدد تحديدا، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الدول التي ينشط فيها اليوم تنظيم "الدولة الإسلامية"، كانت خالية من الإرهاب بكافة أشكاله قبل أن تحصل تدخلات خارجية في شؤونها.
بوتين قال ذلك خلال لقائه، الثلاثاء 26 مايو/أيار مع أمناء مجالس الأمن القومي لدول مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، لكي يذكر العالم بأن التدخلات الخارجية المرفوضة التي جاءت دون تفويض من مجلس الأمن الدولي كانت أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم الإرهاب في المنطقة وتحويلها إلى ما هي عليه اليوم. واعتبر بوتين أنه من الضروري تصحيح الأخطاء التي ارتكبت في الساحة الدولية خلال السنوات الماضية.
https://telegram.me/buratha