ما هي طبخة الحل السياسي للأزمة اليمنية بين جنيف وطهران والرياض؟
علي عوباني
دلالات كثيرة ينطوي عليها مشهد جنيف بنسخته اليمنية، وان كان من المبكر الحديث عن المضمون فان المؤتمر المنعقد هذه الايام رسم في الشكل التوازنات الدقيقة وفق واقع الحال على ارض الميدان، واقع المنتصر الذي يملي شروطه على الطاولة وان ابدى تواضعاً ما، وواقع المهزوم الذي يتلطى خلف خياله كي لا تظهر هزيمته على الملأ. اولى الدلالات تظهر في المفارقة التي انتقلت من رفع أمراء الحرب السعودي شعار "اجتثاث الحوثيين" ونزع سلاحهم في بداية العدوان الى الجلوس على طاولة التفاوض معهم ولو عبر وكلائهم اليمنيين، وفي ذلك اقرار واضح ليس بوجود الطرف الآخر (انصار الله وحلفاؤهم) بل بقوته ايضاً، وتكريس للشرعية الثورية بوجه "شرعية هادي" التي رفعها العدوان شعاراً لتبرير حربه، حينما استند الى مطالبات عبد ربه منصور هادي بالتدخل لشن عدوانه، رغم عدم استساغته أو اقتناع الآخرين به، وهو ما يسقط احد اهم مبررات العدوان.
ورغم وأد آل سعود مؤتمر جنيف في المرة الاولى، وسعيهم لاجهاضه في المرة الثانية، فقد اضطروا مرغمين للمشاركة في المؤتمر ليس وفق اجندتهم الخاصة التي حاولوا املاءها، بل وفق اجندة "انصار الله" وحلفائهم الذين فرضوا على الراعي الدولي تحديد صفات المكونات السياسية في المؤتمر، وهو ما أثار غضب النظام السعودي، وظهر ذلك من خلال محاولة عرقلة وصول طائرة الوفد المشارك الى جنيف رغم رعاية الامم المتحدة لعملية الانتقال.
نظام آل سعود يبحث عن مخرج
ويبدو أن مشاركة نظام آل سعود في المؤتمر لم تأت من فراغ بل أتت عقب رضوخه وقناعته مرغماً ولو بعد حين بأنه استنفذ كل الوسائل والسبل وانه لم يعد أمامه من سبيل يسلكه في العدوان، وليس امامه سوى سلوك طريق الحل السلمي، وان كان هذا الحل لن يكون مفروشاً بالحرير، وهو ما ظهر من خلال تصعيد وتيرة العدوان السعودي على مختلف المحافظات اليمنية بمجرد بدء الحديث عن اجتماع جنيف. ما يشير الى أن السعودي سيحاول ممارسة الضغوط خلال كل مراحل التفاوض بغية تحقيق مكاسب لم يستطع تحقيقها بآلته العسكرية.
واللافت هو تفعيل الحراك الإيراني تجاه الرياض بالتوازي مع انعقاد مؤتمر جنيف، من خلال الزيارة المفاجئة لمساعد وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الى الرياض ومشاركته في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجیة "التعاون الإسلامي"، ما ينطوي على دلالات لا تقل اهمية عن انعقاد مؤتمر جنيف نفسه، بالنظر للتوازنات الاقليمية التي تحكم المشهد اليمني فلا يمكن التجذيف بالمجذاف المحلي دون أن يؤازره المجذاف الاقليمي والدولي لتحريك السفينة اليمنية وصولاً الى بر الامان.
ويبدو ان اولى المهام الملقاة على الحراك الموزع ما بين جنيف وعلى خط طهران الرياض، هي البحث عن كيفية إنزال النظام السعودي عن السلم درجة درجة بعدما وضع نفسه في مأزق ونفق مسدود من خلال عدوانه الهجمي على اليمن، الذي لم يستطع ان يحقق من خلاله اي من اهدافه طوال اكثر من ثمانين يوماً، بل على العكس انتقل فيه اليمنيون في المرحلة الاخيرة الى زمام المبادة ومن الهجوم الى الدفاع، فيما ترك السعودي وحيداً في المعركة حتى من أقرب حلفائه واستنفد كل الوقت المسموح وبدأت الضغوط المعاكسة عليه لإيقاف عدوانه.
انطلاقاً مما تقدم، يظهر ان النظام السعودي يبحث اليوم عن مخرج يبقى على مياه وجهه ولا يظهره بمظهر المنكسر والمهزوم او يظهر انصار الله وحلفاؤهم اليمنيين بمظهر المنتصر انتصاراً تاماً وذلك بسبب خشية النظام السعودي من تداعيات الهزيمة وانعكاسها على الداخل السعودي سيما في ظل ما يحكى في الكواليس عن تناقضات واعتراضات داخل العائلة المالكة حول سياسة العائلة الحاكمة اتجاه اليمن، واتهام البعض للملك واولياء عهده بتوريط المملكة بحرب لا طائل منها، ارتدَّت سلباً على الحكم، وظهر تجليات ذلك في البيان الذي اصدرته قبائل نجران في المناطق الحدودية السعودية اليمنية.
في المحصلة، كل المؤشرات تشير الى ان العدوان السعودي بات في الربع الساعة الاخير قبل تتويج جنيف باعلان فشله، وان كانت الدقائق الاخيرة لن تكون سهلة حيث يتوقع ان تشهد شد حبال قاس، في سياق معركة تفاوضية شرسة ستستخدم فيها كل الاوراق، لتكريس موازين القوى على الارض نتائج سياسية عبر الدبلوماسية والمفاوضات، وهنا يبرز السؤال هل يكون بداية شهر رمضان بوابة إنهاء العدوان السعودي من خلال ولوج باب الهدنة الانسانية التي دعا اليها الامين العام للامم المتحدة خلال الشهر المبارك لتطول الهدنة وتتحول بعدها الى وقف اطلاق نار، وبذلك يتم اخراج السعودي من المأزق الذي وضع نفسه فيه قبل ان يتحول الى مأزق بنيوي يهدد كل كيانه؟.
https://telegram.me/buratha