ساعات قليلة تفصل الناخبين المغاربة عن التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في الجماعات المحلية والمجالس الجهوية.
هذه الانتخابات البلدية هي الأولى من نوعها منذ التعديل الدستوري عام 2011، ويعتبرها كثيرون محكا حقيقا للأحزاب المتنافسة، في أفق إحداث تغييرات أو العكس، على الخريطة السياسية في المغرب.
الاستحقاق الانتخابي هذا يأتي بعد تغيرات جذرية تلت تعديلا للدستور المغربي عام 2011، حصل آنذاك في غمرة حراك عرفه الشارع المغربي متأثرا برياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية، دستور أعطى عدة صلاحيات للجماعات الترابية (البلديات)، أهمها الاقتراع العام المباشر وتكريس مبدأ الديمقراطية التشاركية، ومبدأ التدبير الحر والتضامن بين الجهات، في إطار تفعيل نظام الجهوية من خلال تقسيم المملكة إلى 12 جهة عوضا عن 16 جهة سابقا.
بالإضافة إلى ما سبق، تعد الانتخابات الراهنة الأولى من نوعها في تاريخ المغرب التي ستشرف عليها رئاسة الحكومة، بينما ستكتفي وزارة الداخلية بالإدارة اللوجستية فقط، ما يعد قطيعة مع الماضي حين كانت توجه اتهامات للداخلية بتزوير النتائج. كما ستشهد انتخابات الـ4 من أيلول/سبتمبر زيادة في سقف تمثيلية المرأة من 12% إلى 27%، وستكون فيها المرأة وكيلة للائحة.
Reuters Youssef Boudlalعبد الإله بنكيران - رئيس الحكومة المغربيةبدا واضحا ومنذ الساعات الأولى من إطلاق الحملة الانتخابية قبل نحو أسبوعين، أن المعركة قوية بين الأحزاب، خاصة بين العدالة والتنمية الحاكم، والأصالة والمعاصرة المعارض، في صراع يراه كثيرون اختبارا حقيقيا لشعبية رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وحزبه الإسلامي، الذي يقود الحكومة.
وفي ظل أفول نجم الحكومات الإسلامية في كل من تونس ومصر وتراجعها في تركيا، تتجه أنظار العالم في هذه الانتخابات إلى حزب العدالة والتنمية با أولا، باعتباره حزبا ذو مرجعية إسلامية، لا يختلف كثيرا في توجهاته عن نظيره في تركيا أو حزب النهضة في تونس، رغم بعض الخصوصيات التي تميز المغرب عن باقي بلدان المنطقة منذ بداية ما يعرف بالربيع العربي، وفي جو من الانتعاش الاقتصادي يعيشه المغرب، سيعزز صورة الحزب لا محال.
يخوض بنكيران ورفاقه الرهان مسلحين بنجاحهم خلال الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، و(بعض) الإنجازات التي حققتها حكومته في مجالات مختلفة على رأسها الاقتصاد والشؤون الاجتماعية رغم وجود من يعارض ذلك، ويسعى الحزب إلى الحفاظ على مكتسباته المتمثلة في كونه القوة السياسية الأولى من خلال فوزه بأكبر عدد من (البلديات) خاصة في المدن التي يحظى فيها بشعبية كبيرة، ويسعى بالتالي إلى نيل ثقة المواطنين لتدبير شؤونهم.
في المقابل يعد حزب الأصالة والمعاصرة الفائز بالرهان السابق عام 2009، أي بعد عام واحد على تأسيسه عام 2008 بحصوله على أكثر من 6000 مقعد أي بنسبة 21% (مقابل 5.5 % لحزب العدالة والتنمية). منافسا قويا لحزب بنكيران، معتمدا على نخبة كبيرة من السياسيين والقادة الذين غادروا أحزابهم الأم بفعل خلافات وانشقاقات، أو ما عرف في المغرب بـ " الترحال السياسي".
Reuters Stringer .انتخابات 2011 يالمغرب - أرشيفحزب الاستقلال الأقدم في المغرب، والذي كان قد حصل على المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية وانسحابه لاحقا من النسخة الأولى للائتلاف الحكومي مع حزب العدالة والتنمية، يدخل الرهان الانتخابي في ظل قيادة أمينه العام الجديد السياسي المثير للجدل حميد شباط، والذي طالما ركز في خطاباته وطلعاته الإعلامية على توجيه انتقادات لاذعة لخصمه بنكيران وحكومته الائتلافية، كما أن الحزب عانى كثيرا من نزيف الاستقالات والانشقاقات في صفوفه، لكن مراقبين يتوقعون أن الحزب ورغم تمتعه بشعبية كبيرة لاسيما في مدن كبرى مثل فاس، قد يتراجع بفقدانه عددا مهما من البلديات والجهات.
وخارج دائرة الأحزاب الثالثة السالفة ذكرها، يسعى كل من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب التقدم والاشتراكية المشاركين في الائتلاف الحكومي الحالي، بقوة إلى خلق مفاجأة انتخابية، تعزز مستقبلهما السياسي وفرصهما في الانتخابات التشريعية القادمة 2016.
وفق الإحصائات الرسمية وبلُغة الأرقام، يتنافس في الانتخابات المحلية والجهوية هذه 30 حزبا، بما مجموعه 130 ألف و 965 مرشحا، على 31 ألف و 503 مقاعد، فيما خصصت وزارة الداخلية مبلغ 300 ميلون درهم (30 ميلون دولار أمريكي) لتمويل الأحزاب لحملاتها الانتخابية، كما أن نحو 4000 مراقب من 41 هيئة وطنية ودولية سيسهرون على مراقبة سير العملية الانتخابية. بينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 11 مليون ناخب من أصل 15 مؤهلين للتصويت لم يسجلوا بعد في اللوائح ، ما يثير المخاوف من تسجيل عزوف كبير عن التصويت، بالرغم من توجيه العاهل المغربي محمد السادس دعوة لعموم الشعب في خطابه الأخير، بالمشاركة القوية واختيار من يمثله وفق معايير النزاهة والمسؤولية والمحاسبة.
وفيما يمنع القانون المغربي أي استطلاعات للرأي قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الناخبين منذ انطلاق الحملة الانتخابية وحتى صدور النتائج، تبقى جميع الاحتمالات واردة، في وقت تعرف فيه آراء الشارع انقساما بين من يرى بضرورة مقاطعة الانتخابات ومن سيذهب لاختيار ممثليه في إطار إجراء عقابي للأحزاب التي اختارها سابقا ولم تف بتطلعاته
أمين درغامي
https://telegram.me/buratha