ما أن بدأت العملية العسكرية الروسية في سوريا، حتى شنت وسائل إعلام غربية وعربية هجوما موسعا على التدخل الروسي مع محاولة تشويه الأهداف التي من أجلها تدخلت موسكو عسكريا في سوريا.
أردوغان يفشل في استثمار أزمة اللاجئين سياسيا الأزمة السورية تكشف حدود القوة بين روسيا والولايات المتحدةأولى المواقف جاءت من الولايات المتحدة التي أعلنت أن العمليات العسكرية الروسية على مواقع "داعش" لن يكون لها فائدة كبيرة، وأنها بمثابة صب الزيت على النار، لينتقل الهجوم الأمريكي بعد ذلك إلى محاولة التشكيك في العمليات العسكرية الروسية عبر نشر دعاية مضادة تتهم موسكو بأن هدفها الحقيقي توجيه ضربات للمعارضة السورية تحت غطاء الحرب على "داعش".
وفعلا، خصصت الصحف الأمريكية والأوروبية (واشنطن بوست، نيويورك تايمز، الغارديان الأنديبندنت، لوفيغارو .. إلخ) صفحاتها للحديث عن الهجمات التي يشنها سلاح الطيران الروسي ضد المعارضة السورية، فيما أنبرى مسؤولون أمريكيون من المستويين السياسي والعسكري للتأكيد على أن معظم الغارات الروسية استهدفت المعارضة المسلحة والقوى التي تقاتل الحكومة السورية.
وكان مسؤولون روس أكدوا أكثر من مرة أن العملية العسكرية في سوريا تستهدف تنظيم "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب استبقوا الضربات الجوية الروسية بإطلاق تقارير كاذبة نشرتها وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن مقتل مدنيين واستهداف "المعارضة المعتدلة".
ولعل ما حدث من دخول طائرتين روسيتين بشكل خاطئ للحظات الأجواء التركية، يكشف اللعبة السياسية والإعلامية الغربية، ففي مثل هذه الحالات يتم احتواء الموقف بشكل ثنائي بين البلدين، خصوصا وأن روسيا اعترفت بحدوث خطأ طفيف، ولا يترتب على ذلك كل هذه الضجة الإعلامية الغربية، واجتماع للناتو مخصص لهذه المسألة.
قراءة المواقف الغربية تشير إلى حالة الارتباك والخوف من المتغير الذي أحدثته موسكو داخل سوريا، ليس على صعيد محاربة "داعش" فحسب، بل على صعيد الأزمة السورية بشكل عام وموقع روسيا منها.
وهنا جوهر المشكلة، حيث لا يوجد رفض أمريكي لمبدأ التدخل العسكري الروسي ضد "داعش" وبعض التنظيمات التي تضعها واشنطن على لائحة الإرهاب، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المواقف الأمريكية الرسمية التي لم تتحدث عن مبدأ التدخل، وإنما عن حدود الأهداف.
الخشية الأمريكية تكمن في اليوم التالي لدحر "داعش" حيث تكون موسكو قد أصبحت أقوى اللاعبين في سوريا، ولديها القدرة على فرض أجندتها السياسية.
لكن، الانجازات العسكرية ووضوح الرؤية الروسية، دفعت وسائل إعلام غربية وأمريكية إلى إعادة قراءتها للحدث الروسي الجديد، فبدأت بعملية مقارنة بين هجمات التحالف الدولي على "داعش" والهجمات الروسية عليه، فوجدت فعالية واضحة في الهجوم الروسي لم تحققه هجمات التحالف خلال سنة.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الروسي وجه صفعة قوية للولايات المتحدة عندما قام بإطلاق صواريخ من بحر قزوين وأصاب جميع الأهداف المحددة، وهذا يتناقض تماما مع الغارة التي شنتها الولايات المتحدة بالخطأ على مستشفى "أطباء بلا حدود" في محافظة قندوز بأفغانستان.
الدعاية العربية
فيما اكتفت مواقف بعض الدول العربية خصوصا الخليجية منها باتخاذ مواقف سياسية منددة بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، اتجهت وسائل إعلام عربية إلى وصف الوجود الروسي بالاحتلال لسوريا، وإنه يهدف إلى دعم الإرهاب لا محاربته.
لكن الجديد والملفت للانتباه، هو انتقال المبادرة من يد الدولة إلى قوى خارج الدولة، كما حدث في السعودية قبل أيام، حين أصدر 55 من "علماء الدين" في المملكة بيانا دعوا فيه كافة الفصائل السورية إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة في وجه التدخل الروسي، عبر دعوة "الكوادر وذوي القدرات والخبرات في كافة المجالات إلى البقاء وعدم مغادرة الشام، والالتحاق بركب الجهاد".
وتعيد هذه الدعوة إلى الأذهان أحداث أفغانستان قبل ثلاثة عقود، حين رفعت السعودية لواء تجنيد المجاهدين عبر فتاوى دينية تحض الشباب على قتال السوفييت.
ويخشى اليوم أن يتكرر السيناريو ذاته في سوريا، بحيث تدعم واشنطن المعارضة السورية بالسلاح، في حين تتبنى جهات دينية سعودية مسؤولية التعبئة الدينية ضد الروس.
لكن دعوة الجهاد أثارت جدلا واسعا داخل المملكة خوفا من أن تؤدي إلى إشعال حماس الشباب السعودي الذين سافر الآلاف منهم للقتال في سوريا، حيث تخشى الرياض من عودة هؤلاء فيما بعد إلى أرضها وصعوبة التعامل معهم، وربما هذا ما دفع المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم الشيخ ناصر بن سليمان العمر إلى التخفيف من حدة دعوة الجهاد، بقوله إنه تم تشويه مقاصد بيانات العلماء، فالمقصود بحسب الشيخ العمر هو رسم منهج شرعي للتعامل مع التدخل العسكري الروسي، وليس فيه أي دعوة للذهاب إلى سوريا.
ووفق معلومات مسربة من السعودية قامت وزارة الداخلية بفتح تحقيق حول بيان العلماء، فالواقع السعودي اليوم لا يتحمل دعوات جهادية جديدة، وهذا السبب كان وراء إصدار قانون مكافحة الإرهاب في آذار / مارس 2014 ، الذي يُجرّم من يقاتل في الخارج، وجرت، بناء عليه محاكمة أكثر من أربعين سعوديا سافروا إلى سوريا والعراق في أوقات سابقة، فيما تجري محاكمة أكثر من 1500 آخرين غيابيا.
حسين محمد
https://telegram.me/buratha