ضياء المحسن
بدت التفجيرات الأخيرة التي هزت تركيا، وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى؛ رسالة واضحة وقوية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فبعد شهر عسل دام لفترة غير قصيرة مع التنظيمات الإرهابية (داعش وبقية التنظيمات الإرهابية) والتي كان يقوم فيها الرئيس التركي بدور الوسيط، وجعل من بلده مررا سهلا لعبور المقاتلين والمؤن لهم، تبين هذه التفجيرات إنفصام عرى العلاقة التي كانت تربطهم ببعضهم.
تبريرات كثيرة خرجت من مسؤولين أتراك، تلقي المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك، بما يؤشر على كثرة أعداء الرئيس التركي، فمرة يتم إتهام حزب العمال الكردستاني، وأخرة يكون المتهم تنظيم داعش الإرهابي.
بغض النظر عن صحة إتهام هذا الطرف أو ذاك، فالحقيقة الوحيدة التي تقف شاخصة أمامنا، هي دخول تركيا في مرحلة جديدة، سيكون المتضرر منها هو الإقتصاد التركي، بسبب عزوف السياح عن التوجه لهذا البلد (الإيرادات في قطاع السياحة تتجاوز ال30مليار دولار سنويا)، لكن الأهم من هذا كله هو، من هو المستفيد من هذه التفجيرات، ولماذا في هذا الوقت بالذات؟
لا يمكن إلقاء اللوم جزافا على هذا الطرف أو ذاك، ذلك لأن تصرفا الرئيس أردوغان جعلت كثير من اللاعبين في المنطقة، يعتبرون هذه التصرفات إستفزازية لهم، فالأكراد يعتبرون سماح تركيا بعبور الإرهابيين الى سوريا، مؤشر لعداوة تركيا لهم، وكذلك عدم موافقتها لقيام دولة كردية في سوريا، أيضا يعد مؤشر أخر لهذه العداوة، لكن ما يبعد الشبهة عن الكورد؛ هو وقوع ضحايا أكراد ضمن هذه التفجيرات.
أشد التصريحات خرجت على لسان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، والتي يتهم بها تنظيم داعش؛ بأنه هو وراء تلك التفجيرات، ولعل الأسباب التي أمامنا تؤيد تلك التصريحات، منها أن تركيا أخذت تدعم تنظيمات منافسة لتنظيم داعش في سورية، منها تنظيم (أحرار الشام) وتنظيم (جيش الفتح) الجناح العسكري له، كما أن تركيا إحتجت لدى روسيا على تركيز هجماتها على (التنظيمات الجهادية المعتدلة بحسب قوله) في حين لم تركز في قصفها الجوي على تنظيم داعش، الأخطر من ذلك، هو قيام الشرطة التركية بإلقاء القبض على ما يسمى بالخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي في تركيا، الأمر الذي فك عرى الصداقة بينهما.
من هنا يتبين لنا كثرة أعداء تركيا، بسبب سوء تصرفات قادتها، وما زاد في الأمر سوءا هو سحب الولايات المتحدة الأمريكية لصواريخ باتريوت من قاعدة أنجرليك التركية، الأمر الذي يسمح للطائرات الروسية بإختراق المجال الجوي التركي بدون تهديد مباشر من هذه الصواريخ، وقد يكون ذلك متعمدا من قبل الولايات المتحدة، في محاولة لرسم خريطة جديدة للتحالفات في المنطقة، فالأخيرة لا تستطيع إغضاب حلفائها في المنطقة وأبرزهم دول الخليج العربي، والتي تجاهر بمعادتها لنظام بشار في سورية، وتساعد سرا من يريد إسقاط التجربة الديمقراطية في العراق، لذلك فإن دخول روسيا على خط الأزمة؛ سيبعد الحرج عن الولايات المتحدة، بالإضافة الى رفع الكاهل عنها فيما يتعلق بنفقات هذه الحرب التي لا يعرف الى اي مدى ستطول.
من هنا يمكن القول بأن التفجيرات الرسالة قد وصلت للقادة الأتراك، والتي نأمل أن تتم قراءتها بصورة جيدة، وإستخلاص النتائج من هذه التفجيرات، بما يحقق الأمن والسلم في هذه المنطقة التي لا تحتمل مزيدا من التعقيدات.
https://telegram.me/buratha