أعربت روسيا و5 دول أخرى عن قلقها من تعزيز البنى التحتية لحلف الناتو بالقرب من حدود روسيا وبيلاروسيا. كما ناقشت هذه الدول كيفية مواجهة "داعش" الذي يقترب من حدودها عبر أفغانستان.
جاء ذلك في بيان صدر عن اجتماع أجراه في مقر أمانة المنظمة في موسكو نواب أمناء مجالس الأمن للدول الست الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي أنشئت في 15 مايو عام 1992 وتتألف من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وطاجيكستان وأرمينيا وقيرغيزيا.
المنظمة أعربت عن قلقها من عدة أمور مهمة، على رأسها:
- نشر مراكز القيادة وقوات الدول الأعضاء في الناتو في أراضي دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، وبولندا ورومانيا وبلغاريا، بما في ذلك المدرعات، بالإضافة إلى القفزة النوعية في عدد التدريبات والمناورات العسكرية الواسعة النطاق بمشاركة قوات الرد السريع التابعة للحلف.
- وصول عدد عناصر داعش في أراضي أفغانستان إلى ما يقرب من 3 آلاف إرهابي، وإمكانية تزايد توتر الوضع الأمني على الحدود مع أفغانستان.
كما جرت مناقشات أليات الجهود المشتركة لمواجهة تنظيم "داعش" وغيره من المنظمات الإرهابية، وقطع قنواتها لتجنيد عناصر إرهابية جديدة.
لقد شغل العامل الأفغاني مساحة غير قليلة من أجندة هذا اللقاء الذي يأتي على خلفية تحولات سياسية وعسكرية وجيوسياسة إقليمية ودولية. وبالتالي، أعلنت المنظمة أن أفغانستان أصبحت تمثل مصدرا لتهديدات واقعية تضر بأمن الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ويظهر ذلك في ازدياد تدفق المخدرات من الأراضي الأفغانية، وتصاعد أنشطة الجماعات المتطرفة العاملة في أفغانستان، وتنامي خطر تسللها إلى دول آسيا الوسطى. إضافة إلى أن مسلحي حركة طالبان التي تسيطر على 60% من الأراضي الأفغانية، اقتربوا من حدود طاجيكستان التي يتجاوز طولها 1344 كيلومترا مع أفغانستان.
المهم هنا أن ممثلي الصين وإيران شاركوا في الاجتماع الذي بحث "الوضع في مناطق مسؤولية المنظمة في ضوء التهديدات والتحديات الآتية من مناطق الاضطراب الجيوسياسي". وجرت مناقشة "المواقف المشتركة بين المنظمة وإيران والصين إزاء قضايا مواجهة المنظمات الإرهابية الدولية، بما في ذلك داعش، وسد قنوات التجنيد وطرق تنقل الإرهابيين الأجانب".
في يونيو الماضي أفاد مسؤول في قوات حرس الحدود الطاجيكية بأن حوالي 1500 مسلح، بينهم أعضاء في تنظيم داعش الإرهابي وحركتي أوزبكستان الإسلامية وطالبان وتنظيم القاعدة، تركزوا في منطقتي "داشتي أرشي" و"إمام صاحب" في ولاية قندوز شمال أفغانستان. وقال المسؤول العسكري الطاجيكي إن هؤلاء المسلحين يقاتلون القوات الأفغانية الحكومية بالقرب من الحدود مع طاجيكستان.
في يونيو الماضي أيضا، اجتمع وزراء دفاع دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي في طاجيكستان وناقشوا تطورات الوضع في منطقة آسيا الوسطى والتحديات التي تواجهها هذه الدولة والدول الأخرى، بما في ذلك أفغانستان. وذلك بعد أن بدأت آثار ظهور تنظيم داعش هناك، والتهديدات المتوالية لدول المنطقة، ما يستدعي بالفعل تعزيز قدرات المنظمة.
إن طاجيكستان التي تشكل حزام أمن فعال في الفضاء المشترك لدول المنظمة، تبدي قلقا متزايدا إزاء معلومات استخباراتية تفيد بتقدم مجموعات مسلحة من الأراضي الأفغانية باتجاه الحدود معها، وذلك حسب ممثل اللجنة الحكومية للأمن القومي في طاجيكستان الذي أكد، مطلع شهر يونيو الماضي أن نحو 4 إلى 5 آلاف مسلح، وفق معطيات الاستخبارات الطاجيكية، يتجهون من منطقتي "بادهشان" و"قندوز" الأفغانيتين شمالا. هذا إضافة إلى وجود عدد كبير من التشكيلات المسلحة غير الخاضعة للحكومة الأفغانية.
لكن المثير للتساؤلات هنا أن حلف الناتو والولايات المتحدة يضعان المعوقات تلو الأخرى أمام المشاركة الكاملة لروسيا في الحفاظ على أمن أفغانستان. ومن الواضح أن 15 عاما تقريبا ليست كافية بعد للناتو ولواشنطن في القضاء على الإرهاب في أفغانستان. بل ويقوم هذان الطرفان بالإعلان عن انتصارات وهمية، واستقرار وهمي في أفغانستان التي تتزايد فيها أعداد القتلى، وترتفع فيها معدلات الجرائم الإرهابية، وإنتاج وتجارة وتهريب المخدرات، على الرغم من تواجد قوات الناتو والولايات المتحدة طوال ما يقرب من 15 عاما.
وفي الحقيقة، كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها ستغادر أفغانستان بنهاية عام 2015. ولكن المجتمع الدولي فوجئ بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرر عدم سحب 5.5 ألف عسكري من أفغانستان في عام 2016 المقبل. واعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إبقاء أوباما على أكثر من مجرد قوة صغيرة لحماية السفارة الأمريكية في كابول تخليا عن هدفه لإعادة كل القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان إلى البلاد قبل مغادرته منصبه. وفي الوقت نفسه يؤكد ذلك على الكارثة التي تجري في أفغناستان، حيث أصبح انتشار الإرهابيين في أرجاء أفغانستان أكثر من أي فترة أخرى منذ عام 2001، إذ أنهم قاموا الشهر الماضي بالاستيلاء على مدينة "قندوز"، وفي الوقت نفسه، يجد مسلحو القاعدة ملاذات آمنة في جبال أفغانستان، كما أصبح لتنظيم "داعش" موطئ قدم هناك.
لكن الطريف أن الصحيفة الأمريكية أوضحت أن هذه التطورات قادت البيت الأبيض إلى الاقتناع بشكل أكبر بالحاجة إلى الإبقاء على نوع من قوة مكافحة الإرهاب في أفغانستان، ما يثير تساؤلات كثيرة حول نتائج عمل الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان طوال 15 عاما، وهل الإبقاء على القوات الأمريكية حاليا هناك سيساهم بأي تقدم في القضاء على الإرهاب عموما، وتقليص مساحات طالبان والقاعدة وداعش؟
في كل الأحوال، فطاجيكستان التي تقع على الحدود بين فضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي وأفغانستان بها 6 آلاف عسكري يرابطون في القاعدة العسكرية الروسية رقم 201 ضمن القوات المشتركة للرد السريع التابعة للمنظمة. بينما تقدر المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات أن نحو 4000 شخص من دول آسيا الوسطى يحاربون في صفوف تنظيم داعش الإرهابي الذي سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق وليبيا. أي أن هؤلاء قد يعودوا إلى بلادهم وهم يحملون كل الأخطار الممكنة، بالضبط مثلما سيعود الإرهابيون الذي يحملون جنسيات غربية إلى بلادهم.
ومن جهة أخرى، فالأجهزة الأمنية الروسية تعمل على تحديد هويات معظم المواطنين الذين يحملون جوازات سفر روسية، وينحدرون من شمال القوقاز.. أولئك الذين يحاربون في صفوف تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية. وأوضحت تلك الأجهزة أنها أوقفت منذ بداية العام الحالي عشرات الأشخاص، ما يعني أن لديها خبرات كبيرة بهذا الشأن. وبالتالي، فإن احتمالات تسلل الإرهابيين مرة أخرى إلى المناطق أو الدول التي خرجوا منها قليلة جدا. وذلك حسب تأكيدات القائم بأعمال رئيس مركز مكافحة التطرف التابع لوزارة الداخلية في شمال القوقاز إدوارد ريبينتسيف. لكن تبقى الأخطار في هذا المجال تواجه الولايات المتحدة وأوروبا اللتين ترفضان التعاون في أفغانستان، وترفضان استخدام آليات واضحة في مكافحة الإرهاب، وتتعاملان مع العديد من التنظيمات والجماعات التي تصفها بـ "المعتدلة".
أشرف الصباغ
https://telegram.me/buratha