محمد محمود مرتضى
منذ ان انطلقت روسيا بحملتها على الارهاب في سوريا والاعلام السعودي يتخبط خبط عشواء. ورغم ان التنظيمين الارهابيين الابرز في سوريا هما داعش وجبهة النصرة، وكلاهما مصنف على انه ارهابي وفق لائحة الارهاب السعودية، الا ان الاعلام السعودي، مع ما يمثله من صوت رسمي لحكامه، لم يتوقف عن ذرف الدموع والتحريض على الغارات الروسية. لم يتوقف الامر على ما اطلق عليه اسم " بيان الدعاة الاثنين وخمسين" والذين لم تحرك الاجهزة الامنية السعودية ساكنا تجاه اي منهم، رغم انها تعد انفاس الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وتحكم عليهم بالسجن وقد وصل بعض احكامها الى السجن 17 عاما.
وفي هذه الزوبعة من الحملات الاعلامية برز انحراف في الحملة على روسيا. فبعد البداية التي بدأت في كون الغارات الروسية هي نتيجة تحالف "روسي-صفوي-نصيري"، اكتشف "العقل" الاعلامي السعودي مخططا رهيباً وهو ان هذا التدخل الروسي يهدف لتحجيم الدور الايراني في سوريا.
ففي صحيفة الشرق الاوسط السعودية كتب "طارق الحميد" مقالا تحت عنوان " لا مكان للأسد.. وحتى إيران" تحدث فيه عن مقالة نسبها لدير شبيغل الالمانية مفادها أن الرئيس السوري بشار الاسد " قرر دعوة الروس بعد أن استفحل الدور الإيراني في سوريا٬ وبات الإيرانيون هم من يحرسون الأسد جسديا الآن٬ وأصبح بمقدورهم التخلص منه في أي لحظة٬ وذلك بعد أن تمكن الإيرانيون من إقصاء شخصيات مؤثرة من الدائرة الضيقة للأسد".
ويضيف "طارق الحميد" أن الإيرانيين "عمدوا إلى شراء أراض سورية بمواقع مهمة٬ وفرضوا تدريس المذهب الشيعي على الأغلبية السنية".
بعيدا عن صحة هذا الامر والذي من الواضح ان "مفبركه" قصير النظر ، فإن هذا الامر ينبغي ان يسعد السعودي ويفرحه، بل ويلقى دعمه ايضا. فلطالما كانت المملكة تقول ان سبب عدائها للرئيس الاسد هو قربه وتحالفه مع ايران وان المملكة ستقترب من النظام في سوريا بمقدار ابتعاده عن ايران.
وعلى الرغم من هذه الدعاوى، فاننا لم نر تغيرا في سلوك المملكة وموقفها من الغارات الروسية، بل على العكس، فان التقارير كلها تشير الى حالة انعدام توازن في تفكير ال سعود، وهو انعدام قد يؤدي الى تزويد التنظيمات الارهابية في سوريا باسلحة نوعية منها مضادة للطائرات بعد اغراق الساحة السورية بصواريخ تاو المضادة للمدرعات، ما قد يدفع المعسكر الاخر للقيام بخطوات مماثلة سواء في العراق او سوريا ( جبهة الجنوب المحاذية للاحتلال الاسرائيلي) اضافة الى الجبهة اللبنانية واليمنية.
ما كشفته المواقف السعودية من استنكار للتدخل الروسي ضد داعش وجبهة النصرة واحرار الشام وغيرها من التنظيمات الارهابية هو ان المملكة تحارب نشاط هذه الجماعات طالما انه يطال اراضيها، اما نشاطهم خارج اراضي المملكة فهو ليس غير مستنكر وحسب بل يلقى دعما وتبريكا من المؤسسة السياسية والدينية فيها.
نموذج اخر من التخبط الاعلامي السعودي المترافق مع تحريف للواقع والتاريخ هو ما يتعلق بالحراك الفلسطيني ضد الاحتلال. فقد كتبت "لمياء باعشن" في صحيفة المدينة السعودية مقالا بعنوان "سوء إدارة المسجد الأقصى ومقترح التدويل" حملت فيه على ايران دعوتها لتدويل الحج والاماكن المقدسة في السعودية، واعتبرته يخفي وراءه نوايا "خبيثة". وتساءلت "باعشن" عن ان إيران لو كانت جادَّة في الحرص على مصلحة المسلمين، "فلماذا انتفضت فقط إثر حادث "غير مقصود" في دولة مسلمة، وصمّت آذانها، وجميع حواسها عمّا يجري في بيت المقدس من صراعات، واضطهادات للمسلمين هناك على أيدي المستعمر اليهودي؟" واضافت " كيف خمد غضبها وانفعالها، وهي تشاهد الظلم والاضطهاد يلحقان بالمسلمين في أراضيهم المحتلة؟ أليس من أضعف الإيمان أن تدع صوتها يجلجل في أصقاع الأرض لتوجّه تهمة "سوء الإدارة" للمحتل الصهيوني، وهو يتعمّد إيذاء مرتادي المسجد القدسي الشريف؟ لماذا لا تسعى إيران جاهدة لإقناع الأمم المتحدة بضرورة تدويل الإشراف على المسجد الأقصى لما يتعرض له من انتهاكات ومؤامرات لتقسيمه زمنيًّا ومكانيًّا؟"
ان هذا النوع من المقالات والخطابات فيه استهزاء واحتقار كبير للقارئ، فالجميع يعلم ان الجمهورية الاسلامية في ايران سارعت ، ومنذ انتصار ثورتها، الى اقفال السفارة الصهوينية التي كانت في ايام الشاه، حليف الانظمة الخليجية، والاستعاضة عنها بسفارة فلسطينية، ولا تزال زيارة الزعيم الفلسطيني الراحل باسر عرفات ماثلة في الاذهان. كما ان الدعم الايراني للمقاومة الفلسطينية حتى يومنا الراهن معروف ومشهود. ومن المعلوم ان الموقف الغربي عموما تجاه ايران يتعلق بخصوص دعمها لحركات المقاومة في المنطقة، ولولا ذلك لكانت ايران اليوم، كما كانت في عهد الشاه، ترعى السعودية وغيرها بالعصا الغليظة.
وفي المقابل، اين الدعم السعودي لحركات المقاومة ضد اسرائيل؟ فاننا لا نرى دعم المملكة الا في مجال نشر الفكر الوهابي التفكيري، او تعميم الفساد والفوضى، او دعم العشائرية والقبلية وكل ما من شأنه اضعاف الامة الاسلامية ومنعها من التقدم والتطور او الوحدة. فحيثما تجد فتنة وتشتتا وتشرذما تجد ال سعود وال الشيخ.
امام هذا النوع من التحريف للوقائع، ومحاولة تبييض تاريخ اسود، يحار المرء، فهل نحن امام حالة "زهايمر" اعلامية، أو امام نوع من الدجل الاعلامي؟؟!!
https://telegram.me/buratha