المال الخليجي، والسعودي تحديداً، يقاتل على جبهتين ضد قضية التحرر والاستقلال في المنطقة: جبهة الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وجبهة الإجرام الوهابي بحق الشعوب العربية الأخرى.
لنترك جانباً تلك الفترات التي، منذ العام 1948 وما قبله، كان يتردد فيها كلام الناس العاديين عن خيانات العرب التي أدت إلى نكبة فلسطين. ولنحدق اليوم فيما يجري على الساحات العربية وخصوصاً على الساحة الفلسطينية التي تختصر كل تلك الساحات، لأن هذه الساحة هي أولاً وأخيراً أم لتلك الساحات، والمحور الذي تدور حوله جميع المواجهات.
أم المواجهات
لقد بات من الخطأ الفاحش أن نتكلم اليوم عن خيانات العرب، لأن مفهوم الخيانة يفترض وفاء مشتركاً لقضية ما يتم الإخلال به من قبل قسم من الشركاء.
ويفترض شعوراً بالانتماء إلى العروبة، إذا لم نقل إلى الإسلام، وهو الشعور الذي لا بد من توفره كي يكون العربي أو المسلم معنياً بقضايا العرب والمسلمين
ففي ظل غياب الوفاء المشترك والشعور بالانتماء، لا يكون صحيحاً وصف العرب القادرين على المواجهة والناكلين في الوقت نفسه عنها بأنهم خونة بسبب وقوفهم مكتوفي الأيدي إزاء الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون اليوم على أيدي الصهاينة.
ليسوا خونة. إنهم مشاركون أصليون وأصيلون في ارتكاب هذه الجرائم. لا بل إن المسؤولية الكبرى تقع على عاتقهم في ارتكابها، إذ لولاهم لما تمكن الصهاينة من أن يسرحوا ويمرحوا ويعربدوا بهذه الأشكال المهينة في الساحات العربية.
قديماً، كان الناس العاديون ينفثون ألمهم تجاه الواقع العربي المفجع ويقولون بأن النفط الذي يسري في عروق محركات الطائرات الإسرائيلية التي تقصف البلدان العربية هو نفط عربي. خليجي. وسعودي تحديداً.
وهم لا يخطئون خردلة لو قالوا اليوم بأن السلاح الذي يستخدم من قبل الصهاينة في قتل العرب والفلسطينيين هو رصاص عربي. خليجي. وسعودي تحديداً.
شأنه في ذلك شأن السلاح الذي -في أيدي الإرهابيين التكفيريين- يقتل العرب والمسلمين في سوريا والعراق واليمن ولبنان ومصر وليبيا وتونس...
في ظروف "الهبة" الفلسطينية الحالية، ارتفعت أصوات إسرائيلية للكلام عن الأضرار التي تلحق من جراء ذلك بالاقتصاد الإسرائيلي. (هم لا يعفون عن اقتناص كل فرصة لجباية خسيس المال من هنا وهناك). وتكلموا عن خسائر تصل إلى عدة مليارات من الدولارات.
ولم يكن عليهم أن ينتظروا طويلاً هبوب رياح المال العربي عليهم. مال عربي. خليجي, وسعودي تحديداً.
وبالطبع، لا يمكن لهذا الصنف من المال إلا أن يتحرك تحت عناوين الكرم والسخاء غير المحدودين.
إذا كان الاقتصاد الإسرائيلي قد تكبد خسائر بعدة مليارات من الدولارات، فإن المال العربي، الخليجي، والسعودي تحديداً جاهز لأن يتدفق على الكيان الصهيوني بعشرة أمثال الخسائر. وللإمعان في الاحتياط بمئات أمثالها.
مال عربي قاتل
فقد جاء في الأخبار أن بلدان الخليج تنوي شراء قبة حديدية من "إسرائيل" تحديداً. وأن قيمة الصفقة قد تبلغ عشرات المليارات وحتى مئات المليارات من الدولارات.
أليس الإعلان عن هذه النية رسالة من حكام الخليج إلى الإسرائيليين مفادها : لا يكونن التأثير السلبي للانتفاضة الجديدة على اقتصادكم دافعاً لكم نحو التردد في قمع الفلسطينيين بالأشكال اللازمة من أجل تأديبهم، فنحن هنا ومستعدون لأن نمنح اقتصادكم بدل الضعف قوة لا يتمتع بها أي اقتصاد في العالم. عشرات ومليارات الدولارات !
حكام الخليج مشاركون أصليون وأصيلون في ارتكاب الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين
ليصبح من الواضح أن الفلسطينيين الذين يجثون كل يوم على أرصفة الضفة الغربية وقطاع غزة، إنما يقتلهم إسرائيليون يستمدون قدرتهم على القتل من المال العربي. الخليجي. والسعودي تحديداً.
تماماً كسائر العرب الذين -في سوريا والعراق واليمن وغيرها- يقتلهم تكفيريون ومرتزقة يستمدون قدرتهم على القتل من المال العربي. الخليجي. والسعودي، تحديداً.
وبعملية منطقية بسيطة يتبين أن من يقتلهم هذا المال في بلدان الربيع العربي هم أضعاف أضعاف من قتلتهم أيدي الصهاينة في كامل تاريخ الكيان الصهيوني.
وليتبين لنا أيضًا أن المسألة ليست مسألة خيانة من قبل الخليجيين والسعوديين تحديداً، بل مسألة عداء من قبلهم لقضية الاستقلال والتحرر في المنطقة. عداء يضعهم في خانة من هم ألد الخصام.
ويمنح المعركة المحتدمة معهم أولوية تساوي أو تفوق أولوية المعركة المحتدمة مع الكيان الصهيوني.
أليس أنهم يحاربون بشكل مكشوف، أقله منذ انهيار أسطورة الجيش الإسرائيلي، بالنيابة عن الكيان الصهيوني وبالأصالة عن أنفسهم ؟
عن موقع العهد
https://telegram.me/buratha