كشفت سيسيليا فارفان الباحثة المتخصصة في الجرائم الدولية في مركز اتجاهات للبحوث والاستشارات في دراسة مهمة بعنوان "تمويل الإرهاب" قامت بعرضها رحمة إبراهيم الباحثة في العلوم السياسية. بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية عن الدول التي تقوم بشراء النفط من التنظيم الإرهابي داعش، والذي يعد من أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم. وقد جاءت المكسيك من أهم الدول التي كشفت عنها الدراسة.
وقد قدمت أجهزة الاستخبارات والمحللون عدة تقديرات للإنتاج والإيرادات، مما زاد من صعوبة تقييم مدى أهمية النفط كمصدر لإيرادات داعش؛ لأنه لم يسر على وتيرة واحدة، بل تأرجح من حين لآخر، وتم التوصل في يوليو 2014م إلى أن جماعة داعش أغنى جماعة إرهابية على مستوى العالم من حيث الموارد النفطية؛ حيث إنها تحصل على ما يُقدر بحوالي مليون دولار يوميًّا من العائدات النفطية، ووصل الأمر إلى تجاوز عائداتها النفطية في الوقت الحالي ما يتراوح بين 2 إلى 3 ملايين دولار يوميًّا.
كذلك قام عضو بارز في البرلمان العراقي في أغسطس 2014 بالتصريح بأن داعش تسيطر على 60% من النفط السوري، وفي أبريل 2015 كشفت أجهزة الاستخبارات الألمانية عن سيطرة داعش على حقل "القيارة" الشمالي، مما يعني سيطرتها على 2000 برميل يوميًّا، بالإضافة إلى ما كشفته هيئة الطاقة الأمريكية في يونيو 2015م عن سيطرة داعش على حقل "عمر"، وهو أكبر حقل منتج للنفط في سوريا. وفي يوليو 2015م، ذكر منتدى الأمن الإسباني عن حصول داعش في أقل من شهر على 40 مليون دولار من مبيعات النفط.
يضاف إلى هذا ما ذكرته وسائل الإعلام الأمريكية عن سيطرة داعش على 10% من حقول النفط العراقي، وما كشفته التقارير الإعلامية التركية في أغسطس 2015م عن سيطرة داعش على 6 آبار نفطية تنتج حوالي 1،27 مليون برميل كل شهر، مما يُسبب خسائر للحكومة التركية تُقدر بحوالي 106 ملايين دولار.
وتُشير الباحثةُ إلى أنه يمكن القول إن كافة المناطق التي يتواجد بها داعش يُسيطر على النفط بها، وهو ما توضحه الخريطة التالية:
شبكات تهريب النفط:
أشارت الباحثةُ في تحليل مشكلة النفط المسروق إلى أن هناك العديد من الشركات المشروعة المعروفة وغير المعروفة التي تنخرط في السوق السوداء وفي تجارة النفط المسروق، مما يعني أن هذه العملية ليست حكرًا فقط على المنظمات الإجرامية أو الجماعات الإرهابية. وتضيف الباحثة أن هناك معلومات عن هذه الشركات وأسمائها؛ إلا أن هذه الشركات عادةً ما تكون مملوكةً لشخصيات كبرى، أو لها نفوذ ضخم، شأنها شأن كافة الشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى أنه بالتأكيد لا توجد وثائق رسمية تشير لهذه التعاملات، ومن ثمّ يصعب أن يقاضيهم المجتمع الدولي.
وتُعتبر
تركيا إحدى الدول التي تحتوي على العديد من الوسطاء الذين يتم من خلالهم تهريب النفط أو بيعه في الأراضي التركية ذاتها، ووفقًا للمسئولين الحكوميين في الوزارة التركية لمكافحة التهريب والجريمة المنظمة، فإن الوقود المهرب من
العراق يباع في بعض الأحيان في محطات الوقود لسائقي الشاحنات والمزارعين، ويتم تهريبه بطرق بدائية:
1- تحمل البغال براميل النفط على طول الحدود الجبلية بين
العراق وتركيا، وهذه الطريقة تُستخدم على طول الحدود الإيرانية أيضًا، لكن قل معدل استخدام هذه الطريقة بسبب استخدام الألغام لمكافحة الإرهاب.
2- الشاحنات الناقلة التي تستخدم أحد الأساليب التالية؛ إما شحن حمولتها في العراق وتفريغها قبل الوصول لنقطة التسليم النهائية، أو بتعديل مخزن الديزل لاستيعاب كميات أكبر.
يأتي هذا في ظل ارتفاع أسعار الوقود داخل تركيا مقارنةً بالدول المجاورة لها، مما دفع شبكات التهريب إلى استغلال ذلك لزيادة عمليات تهريب النفط من سوريا والعراق إلى تركيا، ففي أغسطس 2015م قدر لتر البنزين في تركيا بحوالي 1.69 دولار مقارنة بحوالي 0.86 دولار في العراق و0.45 في سوريا و0.77 في الولايات المتحدة، نظرًا لفرض تركيا ضرائب مرتفعة على أسعار البنزين والغاز والديزل.
ويوضح الرسم البياني التالي أسعار الديزل في تركيا مقارنةً بالدول الأخرى
وقدرت الحكومة التركية حجم الخسائر الناجمة عن عمليات تهريب النفط داخل أراضيها بحوالي 1.72 مليار دولار، ويجب ملاحظة أن السوق السوداء للنفط تتسم بالموسمية، حيث ترتبط حوافز التهريب بالأسعار العالمية فعندما تنخفض الأسعار تنخفض كمية النفط المهرب والمنتجات المكررة دوليًّا، وتستغل شبكات التهريب صعوبة تفتيش البضائع الفردية في مناطق الازدحام الكبيرة.
في هذا السياق، أصدرت مجموعةُ العمل المالي تقريرًا في فبراير 2015م أشار إلى أن داعش تبيع النفط والمنتجات المكررة للوسطاء من شبكات التهريب الموجودة منذ
تنظيم القاعدة في
العراق، والتي تعمل عبر المناطق الحدودية والتي تعبر بالنفط المختلس لتركيا .
وتشير التقديرات إلى أن حوالي مليون طن من الوقود يتم تهريبها سنويًّا من هذه المناطق، كما أن زيادة حجم الإيرادات والإنتاج التي تحققها السوق السوداء يشير لعدم وجود تنسيق بين أجهزة الاستخبارات، وأخيرًا تعتمد الكيانات الخاصة على الأمن الخاص في تأمين صناعة النفط والذي لا يمكن اعتباره بديلا عن الحماية الحكومية طويلة الأجل.
استنزاف النفط المكسيكي
إضافة لداعش، فتشير الدراسة إلى حالة أخرى مثيرة للجدل حول التربح من النفط المسروق، وهي المكسيك التي تعاني من نقص الوقود، برغم أنها من الدول الكبرى في إنتاج النفط. وتفاقم الأمر في هذا البلد مع تزايد معدلات الخسائر التي تكبدتها شركة "بيمكس البترولية" وهي أكبر شركة نفطية بالمكسيك، مما دفع إلى محاولة الكشف عن الأسباب الناجمة وراء ذلك، وهو ما اتضح مع تزايد عمليات السرقة في 14 عامًا السابقة، وكشفت عن هذا التقارير بقيام الموظفين بالمشاركة المباشرة في عمليات السرقة، وتورطهم في قضايا فساد، وتواطئهم مع شبكات تهريب على نطاق واسع، حيث تم التلاعب في مضخات الوقود لصالح دول بعينها.
وبحسب الدراسة، فقد تمكن العاملون داخل الشركة المكسيكية من تسريب كم هائل من الموارد النفطية مقابل الحصول على مبالغ ضخمة، حيث قاموا "بتركيب آلات في الأنابيب التي تضخ النفط لصالح أطراف أخرى، وحصلوا في مقابل ذلك على 6000 آلاف دولار للصنبور الواحد. وفي فبراير 2015م أعلنت شركة "بيمكس" أنها لم تعد تنقل المنتجات المكررة من خلال خطوط الأنابيب لردع السرقة.
هذا بالإضافة إلى عمليات السرقة الموسعة بحقل برجس، وهو الحقل الواقع في شمال المكسيك، والذي يُنتج حوالي 1.2 مليار قدم مكعب من الغاز، وكشفت التحقيقات عن تورط الولايات المتحدة في استغلال حقل برجس بطرق غير مشروعة وصلت إلى سرقة 40% من حجم الإنتاج من خلال التعاون مع شبكات التهريب خلال عامي 2010 و2011 بعد أن توقفت شركة بيمكس عن التعاقد مع الولايات المتحدة من أجل نقل الغاز من المكسيك للولايات المتحدة.
كما قامت منظمات تهريب كبرى تُدعى "الجولف ولوس زيتاس" في المكسيك بالمشاركة في سرقة حقل "برجس" من خلال القيام بعدد من العمليات الإجرامية من أجل استنزافه، مثل:
1- سرقة أحد أنظمة النقل والتوصيل المتصلة بمائة وخمسين محطة جمع التي تنقل المكثفات عبر خطوط الأنابيب.
2- التسلل لخطوط الأنابيب وبناء خطوط خاصة بهم.
3- اختطاف شاحنات "بيمكس" تحت تهديد السلاح، وكذلك تلك التي تعاقدت معها بيمكس لنقل المكثفات داخل الأراضي المكسيكية.
4- رشوة الموظفين المسئولين عن تنفيذ اللوائح ليسمحوا بمرورهم لخطف الشاحنات الناقلة.
وإجمالا، يمكن القول إن عمليات السرقة لم تعد تقتصر على الجماعات الإرهابية وحدها، بل وصل الأمر إلى تورط دول كبرى كثيرًا ما نادت بتطبيق القواعد والقوانين الدولية على التنظيمات الإرهابية دون مراجعة نفسها فيما تقوم به من اختراقات لتلك القواعد والقوانين.