تُعــد صناعة الإسمنت من أوائل الصناعات العراقية الحديثة وأكثرها تطوراً وتقدماً بحكم توافر المواد الأولية والخبرات الفنية والتقنية والأسواق المحلية النشيطة، إلا أنها عانت خلال السنوات الماضية من تدهور كبير بسبب إغراق الأسواق بهذه المادة من مناشئ أجنبية غير رصينة. هذه الصناعة باتت بحاجة ماسة الى المزيد من الدعم والاهتمام من خلال توفير الأرضية المناسبة لتطويرها كي تساعد في بناء اقتصاد البلــد وصياغة القوانين والسياسات الداعمة للصناعة والمنتج الوطني الى جانب تسهيل الموافقات الحكومية اللازمة لتطوير هذا القطاع الحيوي والمهم فضلا عن القضاء على المعوقات التي تواجهه باستخدام الطرق العصرية والتكنولوجيا الحديثة ومواكبة التطور العالمي الحاصل في هذا المضمار الحيوي المهم.
توفير الظروف التشغيلية
قال وزير الصناعة محمد صاحب الدراجي في بيان صحفي حول المؤتمر الثالث لمصنعي الإسمنت في العراق: إن الواقع المرير الذي تعيشه الصناعة العراقية أدّى الى تحويل العراق الى بلــد مستهلك مما أسهم في استنزاف العملة الصعبة وتسربها الى الخارج! مطالباً بـضرورة تفعيل دور القطاع الخاص للنهوض بالقطاع الصناعي في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي يمرُّ بها البلـــد. وأوضح الدراجي أن حاجة العراق الحالية من مادة الإسمنت تقدّر الآن بـ (21) مليون طن سنويا، مشيرا الى ان معامل الإسمنت المحلية بقطاعيها العام والخاص قادرة على ان تسـد جزءاً كبيراً منها اذا ما تم ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تعترض هذه الصناعة، معتبراً: تجربة الشراكة مع القطاع الخاص ناجحة لإعادة الحياة للصناعة العراقية.ولفت وزير الصناعة والمعادن الى ان العراق يمتلك ما يقارب (22) معملاً لإنتاج الإسمنت بقطاعيها العام والخاص ويبلغ مجموع طاقاتها التصميمية بحدود (30) مليون طن سنويا، مشيراً إلى أن هذه المعامل قادرة على الوصول الى طاقاتها التصميمية في حال توافرت الظروف التشغيلية للمعامل كالطاقة الكهربائية والوقود وتطبيق قوانين حماية المنتج الوطني والمستهلك والتعرفة الكمركية .
لمـاذا الاستيراد ؟!
لدينا 22 معملا للإسمنت منها 5 معامل للقطاع الخاص و6 مستثمرة من قبله بعقود المشاركة في الانتاج و11 ما تزال تُدار 100% من قبل الشركات الحكومية لوزارة الصناعة والمعادن، وتبلغ طاقاتها التصميمية بحدود 30 مليون طن سنويا، وتقدّر حاجة العراق سنويا بحدود 21 مليون طن ومن الممكن لمعامل الإسمنت بقطاعيها العام والخاص أن تسـد جزءا كبيرا من هذه الحاجة اذا توفر الدعم الحكومي والمتمثل بالشركة العامة للإسمنت العراقية ومعاملها في كركوك والفلوجة والقائم المستثمر من قبل شركة الميسرة ومعمل كبيسة المستثمر من قبل شركة الرائدة والشركة العامة للإسمنت الشمالية ومعاملها بادوش القديم والجديد والتوسيع ومعمل حمام العليل القديم والجديد ومعمل سنجار المستثمر من قبل شركة فاملي التركية وكذلك الشركة العامة للإسمنت الجنوبية ومعاملها في الحلة وكربلاء المستثمر من قبل شركة لافارج والرواد ومعمل الكوفة والنجف الاشرف والسماوة والمثنى والبصرة اضافة الى شركات القطاع الخاص ومعاملها طاسلوجة وبازيان والمـاس والـدوح.عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار يحيى العيثاوي ذكر أن العراق يمتلك نحو 22 معملا للإسمنت وتعمل فيها 7 شركات أجنبية بالتعاون مع الحكومة العراقية، مبينا أن إنتاج هذه المعامل يكفي لحاجة السوق العراقية.
ودعا العيثاوي مجلس النواب الى متابعة القوانين والإجراءات في تنفيذ قطع استيراد الإسمنت من الخارج، لأن العراق لديه كفاية ذاتية من هذه المادة، مشيراً الى أن الحكومة ما زالت تستورد نحو 8 ملايين طن من الإسمنت من دول الخارج.
تخفيض أسعار العراقي
وبرغم أن الإسمنت العراقي ما زال هو المفضّل لدى المستهلك العراقي لكن الواقع يؤكد انه قد خسر موقعه المتقدم في السوق المحلية بسبب إغراق السوق بالاسمنت المستورد الأقل جودة من العراقي والأقل سعرا وتكلفة. بعض اصحاب مكاتب بيع واستيراد الإسمنت اكدوا أن الاسمنت العراقي ما زال هو المفضل لدى المستهلك العراقي على الرغم من ارتفاع أسعاره، اذ أن سعر الطن الواحد من الإسمنت العراقي يصل إلى نحو (125) الف دينار في حين تتراوح أسعار الاسمنت الإيراني والتركي والسعودي والاماراتي بين (90) و(100) ألف دينار للطن..
بشأن ذلك أعلنت الشركة العامة للإسمنت العراقية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن تخفيض سعر بيع الإسمنت المنتج لديها الى 88 الف دينار فقط للطن الواحد المكيّس. وذكر بيان للوزارة انه ولغرض تخفيف العبء عن كاهل المواطن العراقي اعلنت الشركة العامة للإسمنت العراقية إحدى شركات الوزارة عن تخفيض سعر الإسمنت الى (88) الف دينار للطن الواحد المكيّس واصل الى المركز التسويقي في بغداد منطقة الحبيبية مخازن 9 نيسان التابعة للشركة.
ونقل البيان عن مدير عام الشركة ناصر إدريس المدني القول: ان الإسمنت المطروح من إنتاج معمل إسمنت كركوك التابع للشركة من الإسمنت العادي البورتلاندي ذي الجودة العالية والمطابق للمواصفات العراقية حسب فحوصات الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وشهادات الفحص الدولية اضافة الى الشهادات الميدانية الممتدة الى اكثر من سبعين عاما في مشاريع شاخصة بجميع محافظات العراق. مشيرا: الى ان السوق العراقية تشهد إغراقاً بمادّة الإسمنت نتيجة الاستيراد العشوائي حيث ان بعض انواع الإسمنت المستورد غير مطابق للمواصفات والفحوصات حسب شهادات الفحص الصادرة من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وبحسب متخصصين في مجال البناء.
مناقصات ومزايدات وعمولات
الموظف في معمل إسمنت المثنى جعفر الحجامي تحدث لـ(المدى) قائلا: باختصار شديد معمل إسمنت المثنى معمل حديث نسبياً ينتج (1500000) طن سنوياً كطاقة تصميمية وهو معمل ألماني المنشأ يستغل المواد الأولية المتوفرة في صحراء السماوة التي هي حجر الكلس والتراب العادي واطىء الكبريتات والجبس المتوافر على ضفاف بحيرة ساوة القريبة من المعمل، مضيفاً: انه استغل الخبرات العراقية العالية في صناعة الإسمنت.
وأشار الحجامي إلى أن تدهور إنتاج المعمل إبان فترة الحصار نسبياً، إلا أنه بقي ينتج أجود أنواع الإسمنت المقاوم للأملاح والإسمنت الخاص بالسدود والجسور ومدارج الطائرات وإسمنت آبار النفط وقد غطى كامل احتياج المشاريع العراقية طيلة نهاية الثمانينيات والتسعينيات وسنتي ما قبل أحداث 2003 ، مستدركاً: بعد التغيير ظن الكثير من العراقيين انه وبانفتاح العراق على العالم ورفع العقوبات سيتم تطوير العمل واستيراد بعض الأجزاء العاطلة من منشأها الأصلي، لكن المفاجأة أن الوزارة الخدمية الإنتاجية التي هي وزارة الصناعة والمعادن دخلت ضمن إطار المصيبة الكبرى (المحاصصة). مسترسلا: فتولى شأن الصناعة وزراء غير مؤهلين ومدراء عامين ميزتهم الوحيدة انتماءهم الحزبي والطائفي ، وقد انشغل الجميع بزرع الخراب ليحصدوا الأموال لهم ولأحزابهم عبر مختلف الطرق مثل المشتريات غير الضرورية والكماليات والسيارات وإحالة المناقصات والمزايدات لقاء عمولات خرافية! فتدهور الحال حتى أصبحت كلفة إنتاج الطن الواحد أعلى من سعر بيعــه وأغلى بكثير من سعر طن الإسمنت المستورد من الخارج!!
سرقـة بغطـاء استثمار
وأكـد الموظف في معمل إسمنت المثنى أن النية كانت مبيتة من قبل الساسة الكسبة واللصوص لتدمير الصناعة والقطاع العام لصالح رأسمالية طفيلية غير عريقة من حواشي الأقارب ومحدثي النعمة (الحواسم) والطفيليات المحيطة بدوائر القرار وهذا بالضبط ما حصل لمعمل إسمنت المثنى، متابعا: حيث أُحيل للاستثمار وتمت الإحالة إلى جهة لا تفقـه بصناعة الإسمنت أي شيء ومنذ سنتين لم ينتج المعمل طن إسمنت واحداً عبر وسائل الإنتاج التي أُريد لها حسب المعلن العودة للطاقة التصميمية واكتفى المستثمر باستيراد المادة نصف المصنعة (الكلنكر) من الخارج ويقوم المعمل فقط بعملية الطحن والتعبئة والتغليف كأي دكان.
واستطرد الحجامي: إضافة إلى الخدمات التي قدمتها الحكومة العراقية للمستثمر بنقل ثلثي الكادر إلى دوائر أخرى كالشباب والرياضة والصحة والآثار وإحالة قسم على التقاعد، مبينا: ان معمل إسمنت المثنى الآن بيد مستثمر لم يتقيد ببنود العقد المبرم مع الطرف الأول الذي هو وزارة الصناعة العراقية (الشركة العامة للإسمنت الجنوبية) ولم يصطحب شركة صيانة عالية المستوى لإعادة تأهيل المعمل وسط سكوت مريب من كل الأطراف برغم الكثير من التظاهرات والاحتجاجات التي قام بها المنتسبون!
دعـم المنتوج وحماية المستهلك
صناعة الإسمنت من أوائل الصناعات الستراتيجية بحكم توافر المواد الأولية والخبرات الفنية والأسواق المحلية والمرتبطة بالبناء والاعمار وتثبيت ودعم البُنى التحتية.
المهندس عقيل حسين يوضح في حديثه لـ(المدى) أن الإسمنت العراقي يتمتع بسمعة تاريخية حسنة منذ قيام اول معمل بالشرق الأوسط عام 1949 حيث كان يصدر سنويا 400 الف طن. وبشأن المشاريع الحالية وإمكانية الاستفادة من الإسمنت العراقي ذكر حسين : لدينا المئات ان لم أقل آلاف المشاريع من مجمعات سكنية الى مدارس الى اعادة اعمار وبناء المعامل وغير ذلك الكثير، مضيفا: ان الحاجة للمواد الانشائية تزداد يوما بعد آخر، معتقداً: انه يمكن الاكتفاء بالمنتوج الوطني من الاسمنت في ســد حاجة السوق العراقي لو سُمح بتشغيل المعامل بكامل قواها الانتاجية.
وأشار المهندس حسين: نحتاج لبناء ملايين الوحدات السكنية للقضاء على أزمة السكن، مضيفا: انه في حال بناء قرابة (100) الف وحدة سكنية نحتاج الى (4) ملايين طن ناهيك عن العدد الكبير من الايدي العاملة. داعيا الى ضرورة حماية المستهلك والمنتج الوطني مع تحسين وتطوير عملية التوزيع والتسويق للإسمنت وإيصالها للمنافذ لمنع الاحتكار وفتح مراكز تسويق في المحافظات.
كُلـف إنتاج عالية!
مدير تنفيذي لإحدى الشركات الخاصة بصناعة الاسنمت في العراق دعا الى أهمية توفير الحماية والدعم للمنتج العراقي امام المستورد.. مشيرا الى ان الفائدة الاقتصادية المتحققة ستكون عالية لا تقل عن 90 % لهذه الصناعة وبالتالي تحقيق وتوفير العملات الصعبة للبلد في مقابل الإسمنت المستورد الذي يأتي غير مطابق للمواصفات العراقية، مضيفا: في دول الجوار يتوافر الوقود لصناعة الإسمنت بكلفة تشكل 5% من الكلفة العامة فيما يشكل الوقود في صناعة الإسمنت العراقية نسبة 25% من الكلفة، منوهاً: ان وزارات الحكومة العراقية تلجأ الى سلوك كتاجر مع المؤسسات الحكومية وليس كجزء من اقتصاد وطني متكافل!
رئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي، ذكر في حديث لـ(المدى برس) أن الهيئة منحت العديد من رخص بناء مراكز تجارية وتستعد لإجازات أخرى قد يصل عددها إلى 60 في جانبي الكرخ والرصافة، مضيفا: أن الهيئة منحت في عام 2014 المنصرم، 295 أجازة استثمارية بمبلغ إجمالي يقرب من 14 مليار دولار، تنوعت بين السكني والصناعي والتجاري والسياحي. وبشأن بقية المراكز التجارية، ذكر رئيس هيئة استثمار بغداد، أنها ستستغرق بعض الوقت كالمركز التجاري المجاور لمجمع الزهور السكني، الذي يقام على مساحة 150 ألف م2، في جانب الرصافة على الخط السريع، وهو الأكبر من نوعه في العراق، وتابع أن الهيئة تستعد للمصادقة قريباً على 25 مركزاً تجارياً جديداً.
فارزة
بعد ضغوط كبيرة تم تشريع قانون حماية المستهلك رقم (1) لسنة 2010 وقانون حماية المنتجات العراقية رقم (11) لسنة 2010، قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم (14) لسنة 2010 وقانون التعرفة الكمركية رقم (22) لسنة 2010، لكن للأسف جميع هذه القوانين غير داخلة في حيز التنفيذ والتطبيق الامر الذي لم يُسهم برفد ودعم الصناعة الوطنية التي من الممكن لو أعادت اعمارها أو إعادة النشاط لها وحمايتها لاستوعبت أيدي عاملة كثيرة تساعد بخفض نسب البطالة، كما تُسهم بتوفير العملة الصعبة التي باتت شحيحة بعد هبوط اسعار النفط لمستويات لم تكن متوقعة وربما تهبط أكثر. قد يُظن أن الفساد سرقة الأموال فقط او تهريبها، هنا يتنوع الفساد ويتكاثر فحين تزود وزارة تابعة للدولة وزارة أخرى تقوم بإنتاج مواد إنشائية مهمة بأسعار مرتفعة تسهم بزيادة كلفة المنتوج الوطني وبالتالي تجعله غير قادر على منافسة المستورد فإن هذا يعني فساداً خطيراً ! وحين توضع العراقيل بوجه إعادة أي معمل فهذا فساد آخر، وحين يتم إيقاف القوانين التي تحمي المنتوج الوطني فهذا فساد أكبر. وضع صناعة الإسمنت في الوقت الحالي قلـقٌ ومتأرجحٌ لأسباب عــدة من بينها ارتفاع أسعار الوقود وعدم تجهيز الطاقة الكهربائية الوطنية وقلة التخصيصات المالية الممنوحة لأغراض التأهيل والتحديث والتطوير، وضعف موازنة وزارة الصناعة والمعادن التي تهدد بين آونة وأخرى ببيع وخصخصة الشركات العائدة او طرحها للاستثمار الذي أخذ ينهش بجسد البلــد من دون رقيب او رادع! هناك ميل لكل العناصر السياسية الفاعلة في المشهد السياسي العراقي يتلخص في شهيّتهم النهمة للاستيلاء على القطاع العام عبر وسائل لصوصية تتسم بالاستهتار وعدم وضع الرفض الشعبي بالحسبان مطمئنين الى الحماية المستمدّة من الرغبة الأميركية المعلنة في عدم إشراك الدولة بأي نشاط اقتصادي انتاجي واقتصار دورها على الرقابة وفرض الضرائب وأخذها وهو ما يعني أنهم يضعون المصلحة الوطنية في مرتبة متأخرة من اهتماماتهم!
تتمتع صناعة الاسمنت بخصوصية عملية باعتبارها صناعة عملاقة تمرُّ بمراحل عمل معقدة لا يمكن مقارنتها بصناعات أخرى وتحتاج الى اتباع الحلول السريعة والطرق والوسائل الحديثة والمتقدمة عند حدوث اي توقف او خلل فني، لكن الذي حصل عكس ذلك تماماً، فقد أُهملت هذه الصناعة كبقية مؤسسات البلد الإنتاجية ويجرى هذا الإهمال بشكل مقصود وليس بسبب الأعمال العسكرية والإرهابية... الخ ،إذ أن الدعوات لإقامة اقتصاد السوق يمكن سماعها ليل نهار في وسائل الإعلام الرسمية مما أدى الى تراجع الطاقات الانتاجية وقلة المبيعات وزيادة كُلف الانتاج نتيجة ضعف الدعم الحكومي في توفير الوقود وتجهيز الطاقة الكهربائية الكافية للتشغيل ومنح التخصيصات المالية لتأهيل الخطوط الانتاجية المتهالكة والمتقادمة إضافة الى غزو المستورد للاسواق المحلية من مناشئ عـدة وبأسعار مدعومة نتيجة عدم وجود ضوابط للاستيراد وضعف الجانب الرقابي والسيطرة النوعية في المنافذ الحدودية وعدم العمل بالقوانين الاربعة المشار إليها آنفــاً.
ازدهار الصناعة الوطنية وخاصة صناعة الاسمنت الذي نحتاج منه كميات كبيرة قد يزداد الطلب عليها اذا ما قررت الحكومة القضاء على ازمة السكن واعادة تأهيل البُنى التحتية يتطلب سلسلة اجراءات حكومية ورقابية وخدمية سيكون لها تأثير ايجابي في اعادة الروح الى المنتوج الوطني، اضافة الى فرض استخدام الاسمنت العراقي في عقود الدولة والمقاولين والشركات العاملة في ملف اعمار وبناء البلــد.
إن بناء الاقتصاد وفق آليّات السوق التي نسمع الدعوات إليها ليل نهار تفترض في الحالات الأعتيادية وجود طبقة من رجال الأعمال وباقي عناصر القطاع الخاص تمتلك رأس المال الكافي وتمتلك الى جانبه تاريخا رصينا في عملية الإنتاج، وتُدعم هذين العنصرين مجموعة من الخبرات العلمية التي تنتجها الجامعات والمعاهد التي توفر مختلف الاختصاصات العليا والمتوسطة وكل هذا يجب ان يكون مدعّما بقضاء نزيه يمتلك نفوذا قانونيا كبيرا لمنع الاستغلال والاحتكار والخروج على قواعد النزاهة على أن ينظم كل هذا مبدأ الحرص على المصلحة الوطنية والابتعاد عن أجندات الدول الأخرى مهما كان المكسب المتحقق من التعامل معها ...إلا أن واقع الحال في العراق يؤكد غياب كل هذه العناصر والتوجهات فالتشكيلة التي تحتل الواجهة في النشاط الاقتصادي لا تمتلك أية خبرة وأغلبها تكونت لديها الأموال عبر عمليات لصوصية شكلت السمة الأبرز للنشاط في العراق والى جانب هذا يمكن للمرء ان يلاحظ بسهولة ضعف القانون وغياب مركزية الدولة التي بإمكانها المساعدة على فرض القوانين وكذلك البرامج الوطنية .. وأيضا بالإمكان ملاحظة امتدادات نفوذ دول الجوار والدول الأخرى ذات النفوذ العالمي وعلى الأخص الولايات المتحدة وحليفاتها . وفي النهاية فإن صناعة الإسمنت ليست استثناءً من النشاطات الاقتصادية الإنتاجية الأخرى فهي تتأثر بواقع الاقتصاد العراقي الذي تعمّه الفوضى وغياب التخطيط الناتج عن غياب الحد الأدنى المعقول من المركزية .حيث يسود الفهم الخاطىء لمفهوم اللامركزية واعتباره مجـرّد فوضى!!