تمتد العلاقة بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية، منذ عقود طويلة، حيث شكلت تاريخ من الاتفاقات السرية بين الدولتين فيما يتعلق بالملف الأمني، وفي صحيفة الإندبندنت البريطانية، جاء مقال اليوم الأربعاء 23 ديسمبر 2015 تحت عنوان "المعاهدة الأمنية السرية بين بريطانيا والسعودية"، يقول فيه الكاتب، أوليفر رايت، إن الحكومة البريطانية كانت قد وقعت معاهدة أمنية مع السعودية والآن تحاول منع نشر التفاصيل، هذه المعاهدة وقعها وزيرا داخلية البلدين العام الماضي، ويضيف أن الأسباب التي أفصحت عنها وزارة الداخلية حول عدم نشرها تفاصيل هذه المعاهدة هي تضمنها لمعلومات مرتبطة بالتعاون الأمني بين بريطانيا والسعودية، وأن نشرها سيقوض هذا التعاون ويهدد الأمن القومي البريطاني.
ولفتت الإندبندنت، إلى أن أمر هذه الاتفاقية خرج إلى العلن بعدما سعى "حزب الأحرار الديمقراطيين" الذي كان جزءا من الحكومة البريطانية وقت توقيع المعاهدة إلى تقديم طلب وفقاً لقانون حرية المعلومات.
وأوضحت الصحيفة أن الاتفاقية أوسع مما اعتقد البعض في السابق لافتة إلى أن الوزارة رفضت الاستجابة لطلب الكشف عن الاتفاقية.
ومن الأسباب التي ساقتها الداخلية البريطانية لعدم نشر تفاصيل المعاهدة أنها تتضمن معلومات مرتبطة بالتعاون الأمني بين بريطانيا والسعودية ونشرها "سيقوض هذا التعاون ويهدد الامن القومي البريطاني".
يذكر أن وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي قامت بتوقيع المعاهدة مع ولي العهد ووزير الداخلية السعودي محمد بن نايف خلال زيارتها للمملكة العام الماضي لكن وزارة الداخلية لم تعلن ذلك في حينه.
ويقول التقرير إن الداخلية البريطانية نشرت تقريرا بعد زيارة ماي للملكة بعام أشارت فيه بشكل غير مباشر إلى اتفاق لتحديث وزارة الداخلية السعودية.
لكن الكاتب يقول إن عددا من منظمات حقوق الإنسان في بريطانيا انتقدت هذه المعاهدة السرية وطالبت الحكومة البريطانية بعدم دعم المملكة لسجلها السابق في "انتهاك حقوق الإنسان".
ويشير رايت إلى عدة مخالفات لحقوق الانسان في المملكة منها الحكم بالإعدام على محمد باقر النمر، والذي أدين بمحاولة تقويض الأمن العام والوحدة الوطنية لمشاركته في مظاهرات احتجاجية في المملكة عندما كان قاصرا يبلغ من العمر 17 عاما.
وكانت السلطات السعودية حكمت بالإعدام و"الصلب" علي الشاب، علي محمد النمر 21 عاما، وذلك بعد إدانته بتهمة المساس بأمن الدولة والانضمام إلى جماعة إرهابية غداة مشاركته، وهو قاصر، في مظاهرات بشرق المملكة في 2012، لكن عائلته تقول بأن هذا الحكم صدر فقط لصلة القرابة التي تربطه بالمعارض السعودي الشيعي الشهير نمر باقر النمر الذي يقبع في السجن منذ سنوات "ابن أخيه".
وعلى الرغم من نداءات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمات دولية أخرى مدافعة عن حقوق الإنسان لإطلاق سراحه كونه اعتقل وهو قاصر، إلا أن الرياض التي تترأس لجنة خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تبقى متمسكة بحكم الإعدام.
وسبق وأن حكمت السلطات السعودية على الناشط الديني الشيخ نمر باقر النمر بالإعدام هو أيضا بسبب مواقفه الحادة ضد السلطة الحاكمة في السعودية التي اتهمته بـ"الإرهاب" بعد أن ألقى خطابا بمناسبة تنظيم تظاهرات ضخمة مناهضة للحكومة في مدينة القطيف في أعقاب ثورات الربيع العربي.
وكان هناك اتفاق سري وقع بين بريطانيا والسعودية في نهاية
سبتمبر الماضي لمنح كل منهما الآخر صوته لضمان مقعدين لكلا البلدين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وفقا لما كشفته برقية دبلوماسية مسربة.
وكانت أشارت ملفات وزارة الخارجية السعودية التي تم تسريبها إلى ويكيليكس في يونيو الماضي، إلى محادثات جرت مع دبلوماسيين بريطانيين قبيل التصويت في نوفمبر 2013 في نيويورك، والذي اعتبر السعودية أحد أكثر الدول التابعة للأمم المتحدة تأثيرا.
وأشارت التبادلات السرية إلى أن بريطانيا بدأت المفاوضات السرية عن طريق طلب دعم المملكة العربية السعودية لها، وهكذا تم انتخاب كلا البلدين في نهاية المطاف ليحصلوا على مقاعد في مجلس حقوق الإنسان، الذي لديه 47 دولة عضو.
ونشرت الجارديان البريطانية جزء من نص البرقية المسربة حيث جاء فيها" السعودية قد تجد فرصة لتبادل الدعم مع المملكة المتحدة، حيث المملكة العربية السعودية ستدعم ترشيح المملكة المتحدة إلى عضوية المجلس للفترة 2014-2015 في مقابل الحصول على دعم الولايات المتحدة المملكة لترشيح المملكة العربية السعودية ".
ووفق تقارير عالمية، فإن الدول العربية تعد من أكثر دول العالم إنفاقا علي مشتريات السلاح، حيث تتجه كل دولة لعقد المزيد من الصفقات السرية والمعلنة من أجل التسلح بأحدث الأسلحة والمعدات وتنفق علي هذه الصفقات مليارات الدولارات، حتى أنه خلال 15 عاما أنفقت دول الخليج فقط ما يزيد قيمته عن 300 مليار دولار لشراء الأسلحة.
المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أكد منذ بضع سنوات، أن الشرق الأوسط الذي يوصف بأنه أكبر منطقة مضطربة في العالم ينفق علي شراء الأسلحة مبالغ كبيرة، ويتجه ليظل أكبر مشترٍ خلال السنوات القادمة، وتعد الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للسلاح في العالم، تليها بريطانيا وروسيا.
وتعتبر السعودية هي أكبر دولة متعاونة مع بريطانيا في استيراد الأسلحة، حيث اشترت بنحو 4 مليون جنيه إسترليني معدات دفاع بريطانية خلال الخمس سنوات الماضية، ويتم تصنيفها بأنها خطيرة جدا.
ووفقا لتقرير الانفاق على الدفاع السعودي غالبا ما يتجاوز الأرقام المدرجة في الميزانية، وبحلول عام 2020، من المتوقع أن تصبح السعودية من خامس أكبر منفق على الجيش، وستعزز ميزانية دفاعها بنسبة 27%.
وهذه ليست المرة الأولى التي توقع فيها بريطانياً اتفاقيات سرية مع دول خليجية، إذ سبق أن كشفت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في ديسمبر 2014، أن لندن وقعت معاهدة أمنية مع الدوحة لتبادل المعلومات الاستخباراتية السرية وتعميق العلاقات بين الأجهزة الأمنية في البلدين في مواجهة التهديد الدولي المتنامي من "الإرهاب" والحرب الإلكترونية.
ويعتبر محور هذه الاتفاقية هو تعزيز التعاون بين الدولتين في مجال الدفاع الإلكتروني، ومكافحة الإرهاب، وتحسين مستوى الإجراءات الأمنية في الحكومة، وبيع المنتجات الأمنية البريطانية لقطر.
ويبدو أن تقارب العلاقات بين الدولتين سببه الرئيسي هو مكافحة الإرهاب، في ظل توغل وتمدد التنظيمات الجهادية في المنطقة، وبالأخص التعاون بشأن محاربة تنظيم "
داعش" الإرهابي، حيث يعتبر الأخير له دور قوي في جميع التحالفات التي ظهرت في الآونة الأخيرة بين دول الغرب و الخليج.