يعد الأكراد السوريون بمثابة "الصداع" المتجدد في رأس
تركيا في سوريا، وذلك لأنها دائمًا ما تضعهم في قالب واحد مع خصومها من الأكراد الأتراك المنتشرين في جنوبها وجنوبها الشرقي، وهذا الأمر يدفعها دائمًا إلى عرقلة مشاركتهم في أي مفاوضات سورية- سورية برعاية دولية أو إقليمية.
هذا الأمر أكد عليه مجددًا أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي قائلًا: "أن أنقرة ترفض بشكل قاطع مشاركة الأكراد السوريين من حزب الاتحاد الديمقراطي في محادثات السلام حول سوريا التي تبدأ الجمعة في جنيف، ونرفض حضور حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) حول طاولة" المفاوضات؛ لأن حكومته تعتبر هاتين الحركتين المقربتين من حزب العمال الكردستاني "إرهابيتين ومن غير المقبول من وجهة نظرنا وجود منظمة إرهابية في صفوف المعارضة خلال المحادثات، وأن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتعاون مع النظام لا يمكنه أن يمثل النضال العادل للشعب السوري".
ليرد عليه صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، قائلا: "إن الحزب يتوقع دعوته للمشاركة في محادثات السلام المقررة هذا الأسبوع في جنيف، لكنه لا يعرف بأي شكل من الأشكال، وإن الدعوة ستتم طبعًا، وإنه لا بد من تمثيل الأكراد في محادثات السلام المقررة في جنيف، وإلا باءت بالفشل، وإذا كانت هناك أطراف مؤثرة في هذه القضية السورية لن تجلس على الطاولة فسيتكرر ما حدث في جنيف 2 وستفشل المفاوضات وسنفشل في التوصل لحل سياسي؛ لذا فإننا حريصون على أن يجلس الجميع على الطاولة". وسرعان ما تضامن معه الجانب الروسي بتأكيد وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف بأن المباحثات لن تثمر إذا لم يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. ليرد عليه رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، قائلًا: "إن روسيا وآخرين يحاولون تقويض المفاوضات المتعلقة بالتوصل إلى حل للصراع الدائر في سوريا، بإشراك جماعات مثل وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وإن الجماعات الإرهابية يجب ألا تكون ممثلة في المحادثات الرامية إلى إنهاء الصراع في سوريا، وإن
تركيا لا تفرق بين تنظيم "
داعش" وحزب العمال الكردستاني في معركتها ضد الإرهاب، وإن روسيا تعقِّد قتال تنظيم "
داعش" بقصف المعارضة السورية المعتدلة، وإن هناك حاجة لتنسيق دولي في مواجهة التنظيم الإرهابي.
الموقف التركي المعارض للحزب يتناقض مع الواقع داخل الصراع السوري؛ حيث يعد حزب الاتحاد الديمقراطي من أبرز القوى التي تقاتل تنظيم "
داعش" في سوريا، وتمكن مقاتلوه في 2015 من إخراج "
داعش" من مدينة عين العرب (كوباني) الحدودية مع
تركيا ومساحات واسعة في شمال البلاد، وباتوا يسيطرون على شريط واسع على طول الحدود مع
تركيا، وعلى الرغم من أنهم يصنفون من المعارضة، لكنهم لم يواجهوا النظام يومًا، ولا يزالون يتقاسمون معه السيطرة والنفوذ في مناطق عدة مثل القامشلي في شمال شرق البلاد، ويقدم لهم الأمريكيون العديد من الأسلحة والدعم، على الرغم من أن الأتراك يعارضون ذلك ويخشون تزايد نفوذهم وقيامهم بالتنسيق مع أكراد تركيا الذين تخوض أنقرة معهم نزاعًا داميًا، وهو الأمر الذي يستدعي معرفة الأسباب التركية لمواجهة الأكراد في سوريا.
وأرجع خورشيد دلي كاتب وباحث بالشئون التركية والكردية الرفض التركي لتواجد الأكراد في إطار المفاوضات، ودخول كتائب من الجيش الحر إلى المناطق الكردية إلى ما يلي:
1- إيجاد حرب كردية – كردية، مستفيدة من الخلافات والانقسامات الحاصلة بين الأحزاب الكردية، والبعض لا يستبعد تورط أطراف كردية في الموضوع، بل هناك من يتحدث عن خطة تركية مع بعض القيادات الكردية السورية والعراقية للتخلص من نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي، على اعتبار أنه متحالف مع النظام السوري، ويعمل لصالح أجندته حسبما تقول أنقرة.
2- إيجاد حرب قومية بين الأكراد والعرب في هذه المنطقة التي تعيش في ظل نسيج اجتماعي وتاريخي موغل في القدم، وربما بين المجموعات الإسلامية والمسيحيين الذين لهم وجود تاريخي في هذه المنطقة، لصالح أيديولوجية سياسية محددة، وهي أيديولوجية ليست خافية على أحد، في ظل العلاقة العضوية بين حزب العدالة والتنمية التركي وجماعة
الإخوان المسلمين في سوريا؛ حيث الصعود الإخواني في المنطقة بعد ما جرى في
تونسومصر
وليبيا، وما يجري في الأردن ومعظم دول منطقة العالم العربي.
3- بناء مجموعات عسكرية مسلحة تعمل لصالح
تركيا، تقوم بمهام الاستخبارات والقضاء على المجموعات المناوئة للأجندة التركية، ولا سيما قادة ورموز حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، منعًا لتحول المنطقة إلى (جبال قنديل أخرى) في شمال سوريا على غرار شمال العراق، خصوصاً بعد الحديث عن سيطرة مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية السورية في الفترة الأخيرة.
4- عدم السماح بإنشاء أي حالة كردية في هذه المنطقة، على غرار إقليم كردستان العراق، في إطار الحسابات التركية التاريخية إزاء قضية الأكراد، والإحساس بأن الربيع العربي خلق فرصة تاريخية للأكراد للتفكير بإقامة دولة كردستان المستقلة، بعد أن حرمتهم التاريخ والجغرافية والاتفاقيات الدولية من ذلك خلال القرن الماضي، فالفوبيا الكردية تلاحق السياسة التركية أينما كانت.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن الأكراد السوريين تحولوا مع الوقت إلى "الصداع" المتجدد في رأس
تركيا بعد الدعم الروسي والأمريكي الواضح لهم في ظل عرقلة تركية لمشاركتهم في أي مفاوضات سورية- سورية برعاية دولية أو إقليمية، وهو الأمر الذي يضعف كثيرًا من وضع
تركياداخل الصراع السوري.