«المحرّر الجهبذ» مصطلحٌ ساخر انتشر حديثاً في الوسط الصحافي المصري، للدلالة على الأخطاء اللغوية الشائعة في الصحف والمواقع المصريّة، فالمبتدأ تائهٌ عن الخبر، والفعل أضلّ فاعله ومفعوله، والهمزة هائمةٌ لا تعلمُ مستقرها فوقَ الألف أو تحتها. على سبيل المثال، نقرأ في بعض المواقع: «الفنان الراحل وافته (الأمنية) صباح الجمعة»، «في إطار (الحلمات) الأمنية التي تقيمها وزارة الداخلية»، «الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعباً طيب (الأعناق)».
ربما هو عصر التكنولوجيا والعولمة الذي جعلنا أكثرَ انفتاحاً على لغات العالم، غير آبهين بلغتنا الأم. فأينما وجهت نظرك سترتطم بعثراتٍ لغوية سواء في الصحف أو على شاشة التلفزيون أو يافطات المحال في الشوارع.
يهتمّ الروائي والصحافي حسام مصطفى ابراهيم بالحفاظ على هويّة اللغة، وأطلق لذلك مبادرة بعنوان: «اكتب صح». بدأت التجربة قبل عامين من خلال صفحة على «فايسبوك»، تحوّلت الآن إلى موقع إلكترونيّ خاص، يحمل الاسم ذاته، ويشكّل مقصداً للكثير من الصحافيين ومحبي اللغة.
أولعَ ابراهيم باللغة العربية وتشرّب حبَّها من والده كما يقول، لافتاً إلى أن عمله في الصحافة جعله أكثرَ إدراكاً لمشاكلها. «تعاني اللغة العربية من تجاهل دراسة قواعدها، وتراجع استخدامها في مناحي الحياة اليومية، حيث يندر أن نجد برنامجاً أو مسلسلاً يتحدث الفصحى، إلا نشرات الأخبار، والأعمال المدبلجة، ما وسّع من الهوة بين المتحدثين بالعربية ولغتهم». يحاول ابراهيم ردم تلك الهوة، من خلال صفحة «اكتب صح» على «فايسبوك» المعنيّة بتصحيح الأخطاء الإملائية.
لاقت «اكتب صح» تجاوباً وتفاعلا من رواد «فايسبوك»، وأصبحت قِبلةَ الراغبين بتعلم العربيّة والصحافة. يقول مؤسس المبادرة إنّ مشكلة العربية ليست صعوبتها وإنما طريقة تقديمها واختيار المواضيع التي تدرّس، ما دفعه للبحث عن مساحة أكبر وأدوات أكثر للتواصل مع الراغبين. لذلك حوّل صفحة «فايسبوك» إلى موقع الكتروني، يقدم فيه مواضيع مختلفة واختباراتٍ تفاعليةً تقيس مدى استيعاب المتلقين، وتدلّهم على أخطائهم، إضافة إلى دروس بالفيديو تعلّم كتابةَ الخبر الصحافي وتدقيقه إملائياً ونحوياً، ووسائل أخرى.
«المصحّح اللغوي» خطوة أخرى ابتكرها صاحب «بتوقيت القاهرة» بهدف تعزيز اللغة العربية، ويقدم مجموعة من الخدمات الالكترونيّة السريعة للنص العربي، إذ يزيل المسافة بين الكلمة وعلامة الترقيم، ويلصق واو العطف بالكلمة التي تليها، ويحوّل الفاصلة وعلامات التنصيص الأجنبية إلى مثيلتها العربية، وينقل التنوين على الحرف قبل الألف وليس الألف نفسها، إضافة لتصويبه نحو ألف كلمة خاطئة إملائياً حتى الآن، وهي قاعدة بيانات تزيد باطراد. كما يعتني المصحح اللغوي ببعض الجمل الأسلوبية فيحوّل «قال أن» إلى «قال إن»، و «الغير ضروري» إلى «غير الضروري». يعتبر حسام ابراهيم المصحح اللغوي منعطفاً جيداً في مساره. «المصحح مشروع طموح للغاية، ولا يزال أمامه وقت كي يكتمل، خصوصاً أني أعمل بمفردي منذ بدأت، ولا يوجد أي تمويل، أو رعاية مؤسساتيّة، مع ذلك أنا متفائل للغاية بهذه الخطوات».
نجحَ حسام ابراهيم من خلال مبادرة «اكتب صح» في السير خطوات إلى الأمام على طريق تمكين لغتنا العربية «التي تفوق سائر اللغات رونقاً»، حسب قول المستشرق الإيطالي كارلو نلِّينو.
(السفير)
https://telegram.me/buratha