قمع الشعوب صفة التصقت بالحكم السعودي منذ التاريخ. قبل قمع الشعب البحريني وثورته السلمية، عبر ميليشيا "درع الجزيرة"، وقبل طائرات القتل في سماء اليمن السعيد. قلّة يعرفون عن بطش بني سعود في الشعب العراقي عندما كان ضيفاً في مخيّم " رفحاء"، هارباً من استبداد نظامه، ومنتفضاً لكرامته.
ففي أواخر شهر رمضان المبارك من العام 1992، ارتوت أرض مخيم "رفحاء" للاجئين العراقيين على الأراضي السعودية، من دماء قتلى وجرحى، سقطوا في مصادمات عنيفة مع الحرس السعودي.. الى هنا يبدو الخبر عادياً. إلا أن "الخبر العادي" هذا، جرت أحداثه بمعزل عن عالم الاتصالات الأخطبوطية، وبالعكس، أذيع في ما بعد على موجات الأثير، وتناقلته وسائل إعلام مكتوبة، بعد أن قُلب الهرم رأساً على عقب، فقيل إن عشرات الأسر العراقية "اختارت" (ما الذي أقنعها بهذا الإختيار؟) العودة الى الوطن.المعلومات الخاصة أفادت بتفاصيل مرعبة عما جرى في ذلك اليوم المشؤوم فقد "اعتاد" عميل عراقي معروف، على التنقل بين الحدود العراقية ومخيم "رفحاء"، بعلم وخبر من الحرس السعودي. وبسبب استفزازاته المتكررة للاجئين نشب خلاف بينه وبين مواطنيه الهاربين من بطش "سيده"، فتدخلت القوات السعودية بكل ما تملك من قوى نارية وبشرية، مما أدى الى سقوط 6 قتلى ومئات الجرحى، فيما اعتقل الآلاف، وتم تسليم "ما تيسّر" للسلطات العراقية أي ما يقارب 240 عائلة فقط! وضرب الحصار المحكم على المخيم الذي انقطع تماماً عن العالم الخارجي.
لا يمكن قراءة هذا الحادث منفرداً، فهو بمعنى ما طبيعي، اذا اعتمدنا السياق العادي الذي يمتد من ضرب الانتفاضة الشعبية العراقية ضد نظام صدام حسين (الانتفاضة الشعبانية)، الى ضرب أهل الانتفاضة، ومع ما تخلل ذلك من نشوء مخيمات اللاجئين الذين تمت معاملتهم منذ البداية كأسرى حرب!
فقد اندلعت الانتفاضة أثناء حرب الخليج الثانية وشارك فيها الشعب العراقي بكل قواه وفئاته وشرائحه الإجتماعية، حتى الكثير من الوحدات العسكرية والمنظمات الحزبية والشخصيات الرسمية تململت.
وقد سيطر رجال الانتفاضة على جميع محافظات الجنوب والوسط ورافقت ذلك انتفاضة في الشمال، حتى أن احياءً في العاصمة بغداد قد انتفضت هي الأخرى، ولكن الاقتراب من مشارف العاصمة، ساهم في تبديل المعادلات والخطط في عواصم القرار!
ففي شهر آذار/مارس من العام 1991، اتفق المتحاربان، العراق من جهة والتحالف الدولي من جهة أخرى، على وقف إطلاق النار، وتعاونت أجهزة الطرفين على التصدي للجموع الثائرة، فرادارات الحلفاء وطائراتهم أخذت تعطي لقوات الحرس الجمهوري احداثيات وصور المرتكزات الأساسية لقوات الثورة، ثم قامت قوات النظام باكتساح المحافظات الواحدة تلو الأخرى، وشهدت مدن العراق وقراه المجازر.
أما من بقي حياً، فقد توجه نحو قوات التحالف طالباً الحماية، وبالفعل فقد قوبلت المجموعات التي التقت عند مناطق الحدود مع السعودية بنداءات عبر مكبرات الصوت تدعوهم الى التوجه نحو المملكة، بدعوى إعدادهم مرة أخرى لكي يواصلوا جهادهم. ولكن ما حصل هو ايداعهم ضمن معسكرات مغلقة، واعتبروا في البداية كأسرى حرب! ولكن العدد الهائل من المدنيين أظهر بطلان الدعوى السعودية، فتدخلت منظمات دولية انسانية للاعتراف بذلك الواقع أي اعتبار العراقيين في السعودية كلاجئين.
لقد قامت السلطات السعودية بتوجيه من قوات التحالف ومنظمة الأمم المتحدة بفتح معسكرين أحدهما في "رفحاء" ويضم المدنيين والأسر، والآخر في "الأرطاوية" ويضم العازبين والعسكريين وقد عاملوهم كأسرى حرب رغم أنهم من المساهمين في الانتفاضة وأكثرهم من المدنيين.
وأواخر عام 1992 ألحقوا الأسرى العسكريين في "الأرطاوية" باللاجئين في مخيم "رفحاء".
منتصف شهر رمضان المبارك من عام 1991، أطلقت النار في منطقة السادّة العراقية من قبل الحرس السعودي على الأسرى تضامنا واحتجاجا، فقدمت طائرة بيضاء تحمل قائد اللواء السعودي، وحين وصول الطائرة، أطلق الجنود السعوديون النار على المتظاهرين فسقط منهم 26 شخصا بين قتيل وجريح.
تكررت التجاوزات والاعتداءات وأصبحت أكثر دقة. فقد زرع السعوديون عناصر بين الأسرى ليقوموا بالتجسس، ونقل المعلومات عن كل الذين يتذمرون من المعاملة القاسية!"
هذا بعضٌ من "المكرمات" السعودية للشعوب العربية وهنا العراقيون نموذجاً، كمساهمة في دعم "الإجماع العربي"!
المصدر: مجلّة "البلاد" - العدد 131 - 1993
https://telegram.me/buratha