عبد الحسين شبيب
تشكل الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الاربعاء في سوريا رسالة اضافية على فشل الحرب الدولية التي بدأت قبل خمسة اعوام وشهر بالتمام بغية تدمير الدولة السورية وتفكيك مؤسساتها وادخالها في فوضى امنية مفتوحة على اشكال متعددة من الصراعات البينية التي تصرف سوريا عن دورها الاقليمي خصوصا في دعمها خيار المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي ومواجهتها المشروع الاميركي الذي انطلق بعيد احداث 11 سبتمر عام 2001 لتغيير الهوية السياسية للشرق الاوسط.
وتكمن اهمية الاستحقاق الانتخابي في كونه مؤشرا مهما على استمرارية عمل المؤسسات الدستورية في تجديد شرعيتها الشعبية بمعزل عن الاحداث التي حصلت، اضافة الى انها تاتي في ظل انطلاق مرحلة مصيرية من المفاوضات السياسية في جنيف. وبمعزل عن حجم المشاركة الشعبية وتمديد فترة الاقتراع الى الثانية عشرة منتصف ليل الاربعاء بناء على قرار اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات نظرا للاقبال الكثيف على التصويت في فترة بعد الظهر كما جاء في حيثيات الاعلان، فان الانجاز يكمن في نفس الاعداد لهذه العملية والتحضير لها رغم انهماك الدولة بمختلف مؤسساتها في مواجهة الارهاب ومتفرعاته على المستوى العسكري والامني مما يظهر قدرة ممتازة على ادارة مثل هذا الاستحقاق في عدد كبير من المحافظات والمدن الرئيسة، وايضا تجهيز مراكز اقتراع للناخبين النازحين عن مناطقهم، ثم تامين سلامة هذه المراكز بحيث لم تسجل احداث امنية يعتد بها، مع ان البلد مفتوح على اشكال غير مسبوقة من العنف التكفيري.
ولعل انخراط عدد كبير من المرشحين والمرشحات ممن غطت صورهم ووعودهم الانتخابية صور الشوارع الرئيسة في مختلف مدن وقرى المحافظات المشاركة يظهر حيوية ورغبة في تجديد الحياة السياسية بقرار سوري داخلي وبمشاركة شعبية تكرس رغبة في الاحتفاء بالانتصارات الميدانية من خلال تفويت الفرصة على المراهنين عبى فشل هذه العملية.
وفي خلال جولة على عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة دمشق لوحظ توزع مندوبي ومندوبات المرشحين والمرشحات امام مراكز الاقتراع وجميعهم من جيل الشباب وبعضهم يشارك للمرة الاولى في الانتخابات، حيث كانوا يوزعون لوائح انتخابية وصورا وملخصات عن المرشحين. ولم يظهر امام المراكز اي اجراءات امنية استثنائية غير التي تشهدها دمشق منذ بدء الحرب، مما يعكس مستوى الاستقرار الامني المرتفع نسبيا" قياسا بالفترات السابقة.
وقد شارك صحفيون من عدة دول عربية واسلامية واجنبية في جولة نظمتها وزارة الاعلام على عدد من المراكز الانتخابية، وكان لافتا مشاركة حوالي مئة مؤسسة اعلامية يمثلها نحو 350 صحفيا من جنسيات متعددة قدمت لهم تسهيلات كبيرة خصوصا الفضائيات للبث المباشر عبر مركز للخدمات الاعلامية جهزته وادارته وزارة الاعلام السورية بالتعاون مع اتحاد الاذاعات والتلفزيونات الاسلامية. وكان لافتا ايضا في هذه الدورة مشاركة العسكريين ومنتسبي القوى الامنية في الانتخابات اقتراعا وليس ترشحا، وهذا مؤشر هام كون الهم الاساسي للمؤسستين العسكرية والامنية منذ سنوات هو الحرب على الارهاب التكفيري ومؤامرات داعميه الدوليين.
وبمعزل عن حجم التغيير في تركيبة مجلس الشعب الجديد فان الرسالة الهامة التي انطوت عليها الانتخابات هي ان شرعية اي سلطة انتقالية او دائمة مصدرها الحصري هو الشعب السوري، وهو صاحب القرار الفعلي في منح هذه الشرعية او حجبها وايضا هو المخول في انتاج مؤسساته الدستورية، وليس الدول القائمة بالعدوان التي تريد ممارسة الوصاية على خيارات السوريين وهندسة نظام سياسي يلبي مصالحها وليس مصلحة هذا الشعب. ولعل ما ذكر سابقا في وسائل اعلام غربية عدة عن تفضيل روسي لعدم اجراء هذه الانتخابات مع انطلاق البحث عن حل سياسي يؤكد ان القيادة السورية التي تشعر بالعرفان والجميل لمن وقف معها وساندها، تمارس استقلالية تامة في اتخاذ قراراتها السيادية بالاستناد الى الشعب الذي صمد وقدم اغلى ما لديه لحفظ هذه الدولة التي تحتاج الى تجديد وتطوير بناء على رؤى وتصورات داخلية وليس املاءات خارجية كما يريد الاميركيون وحلفاؤهم الى درجة انهم باتوا يتحدثون عن تقديمهم مشروع دستور جديد للسوريين. وعليه فان المزاج الشعبي السوري المتفاعل بشكل ايجابي مع انتخابات مجلس الشعب قد منح المفاوض السوري جرعة دعم اضافية لكي يتمسك برؤيته لانتاج حلول ذاتية بعيدا عن اي هيمنة او ضغوطات دولية لتكون صناديق الاقتراع التي فتحت في الثالث عشر من نيسان 2016 بمشاركة رأس الدولة الدكتور بشار الاسد هي الاساس في اي عملية سياسية مستقبلية.
https://telegram.me/buratha