انسحاب نواب الكتلة الصدرية من الاعتصام في مجلس النواب يوم الأربعاء (20 04 2016)، كان تطورا غيّر مشهد الحياة السياسية في العراق.
وقد بدأ رئيس الجمهورية فؤاد معصوم اليوم جولة محادثات مع القوى السياسية ساعيا لاستئناف مبادرته بدعوة البرلمان إلى الانعقاد.
مصدر برلماني مطلع قال إن انسحاب نواب "التيار الصدري" أتاح استئناف الحوارات وتفعيل المبادرة القاضية بعقد جلسة موحدة يتم خلالها طرح كل الاقتراحات، بما فيها إقالة رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري. وأضاف المصدر أن معصوم سيبدأ السبت (23 04 2016) جولة جديدة من المحادثات مع قادة الكتل، ولن يستثني النواب المعتصمين، لإنهاء الأزمة المتواصلة منذ عشرة أيام.
وفيما مدد فريق المعتصمين فترة الترشيح لهيئة رئاسة البرلمان إلى يوم الأحد، رفض "فريق الشرعية" استبدال الجبوري، متمسكا بمبادرة رئيس الجمهورية.
وكان رئيس مجلس النواب المؤقت النائب عدنان الجنابي قد رفع، الخميس(21 نيسان 2016)، جلسة البرلمان ليبقيها مفتوحة حتى الأحد، ( 24 نيسان 2016)، للتصويت على هيئة رئاسة جديدة للبرلمان.
من جانبه، يقول النائب عبد الرحيم الشمري، وهو أحد النواب المعتصمين، إن مباحثات جديدة ستنطلق اليوم السبت من أجل حلحلة كل الإشكالات والخلافات وبلورة فكرة موحدة لعقد جلسة مشتركة. ولفت الشمري إلى أن مباحثات تدور بين المعتصمين بشأن إمكانية تشكيل جبهة أو كتلة معارضة داخل مجلس النواب ستكون الثلث المعطل لجميع القرارات التي ستُتخذ في المستقبل، لافتا إلى أنه في الأيام المقبلة سيتخذ المعتصمون قرارهم في تسمية الكتلة الجديدة.
في هذه الأثناء، جدد رئيس كتلة "الفضيلة" عمار طعمة في بيان له أمس المطالبة بلم شمل البرلمان، ودعا إلى جلسة عاجلة جامعة لكل الكتل، تطرح فيها خيارات الفرقاء بشكل نهائي عبر التصويت، على أن يتبنى البرلمان الخيار الذي ينال الغالبية.
وقال النائب مطشر السوداني، وهو أحد النواب المعتصمين، أمس: "بعد الانسحابات من الاعتصام وعدم تمكننا من تأمين النصاب، ولكي لا نبقى في دوامة لي الأذرع وترك البلد جانباً، علينا أن ننهي التحرك ونعقد جلسة موحدة وشاملة، ونأتي بكابينة (تشكيلة) وزارية نصوت عليها".
في غضون ذلك، أشارت مصادر مطلعة إلى أن اتفاقا قد عُقد بين عدد من النواب المعتصمين على إنهاء اعتصامهم إذا ما فشلوا في عقد جلسة بنصاب كامل غداً الأحد لانتخاب رئيس بديل للجبوري، بعد فشلهم أول من أمس.
وفيما يعتزم رئيس الوزراء حيدر العبادي قريباً طرح قائمة وزارية ثالثة، قوامها أسماء وردت في القوائم السابقة، أعلن رئيس مجلس النواب "المقال" سليم الجبوري، اليوم السبت، أن البرلمان سيستأنف جلساته خلال الأسبوع الحالي لاستقبال التشكيلة الوزارية الجديدة، وأكد أن ما يحصل في العراق هو أزمة حكم ودولة و"ليست بشخص أو منصب". وفيما شدد على أن الأزمات ستنتهي قريباً و"ستكون عامل قوة لنا"، عزا أسباب أزمة البرلمان إلى الاجتهاد السياسي؛ محذرا من مشروعات خارجية تسعى لتقويض العملية السياسية.
وفيما يتجه الأمر سياسيا نحو تطورات مرتقبة، كان السيد مقتدى الصدر قد دعا، بعد سحبه كتلته من اعتصام البرلمان، الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي إلى التدخل لتصحيح العملية السياسية في العراق. وعلى أثر ذلك، اتصل رئيس الوزراء هاتفيا بزعماء دول إقليمية، من بينهم: عاهلا السعودية والأردن ورؤساء تركيا وإيران ومصر وأميرا الكويت وقطر، وحثهم على تعزيز العلاقات الثنائية والحرب ضد تنظيم "داعش".
من جهته، صرح السفير السعودي لدى العراق ثامر السبهان بأن بلاده تسعى لبناء علاقات جيدة مع العراق والتوصل إلى تفاهم يخدم مصالح البلدين بالإضافة إلى مواجهة التطرف القائم. وأكد أن السعودية تحارب التطرف بأنواعه وأشكاله كافة، وقال: "نحن نعلم أن العراق يعاني من جرائم "داعش" والمنظمات الإرهابية.
وقد رأى مراقبون أن تعاقب دعوة الصدر واتصالات العبادي وتصريح السبهان قد يمهد الطريق لطلب العراق تدخل التحاف الإسلامي، أو لانضمام العراق إلى هذا التحالف لاحقا.
جاء ذلك في وقت دعا فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال مشاركته في القمة الخليجية الأخيرة في الرياض، زعماء الخليج إلى مساعدة العراق.
صحيح أن العراق يعيش في مرحلة انقسام وتشظٍ وفوضى قد تقوده لاحقا إلى حل مجلس النواب وتجميد الدستور وإعلان حالة الطوارئ، غير أن الاعتصام، وبغض النظر عن أجندته، يمثل انعطافة كبيرة في قطار العملية السياسية نحو إنهاء عهد المحاصصة الطائفية والاتجاه الى عهد الوطن والمواطنة ولو بعد حين.
وبغض النظر عن تنافر أو تقاطع الأجندات الدولية والإقليمية حول العراق، فإن ما شهده البرلمان من حراك سياسي في الأيام العشرة الأخيرة يمثل مفترق طريق في العملية السياسية التي انطلقت بعد عام 2003. وسواء أأفلحت مبادرة السيد معصوم أم أخفقت؛ وسواء أأفلح العبادي في تمرير قائمته الثالثة أم أخفق، أو أفلح المعتصمون في تحقيق إرادتهم أم أخفقوا، فإن العراق مقبل على عهد جديد.
وهكذا يظل ملف الإصلاحات السياسية الداخلية والخارجية للعراق متعثرا ، في وقت ما زال فيه "داعش" يحتل نينوى ومدنا أخرى في أكثر من محافظة. بيد أن من المؤكد أن إنهاء الحرب على "داعش" أمر غير ممكن من دون إنهاء سياسة التهميش والإقصاء الطائفي الذي انتهجتهما الحكومات بعد الغزو الأمريكي للبلاد.
عمر عبد الستار
https://telegram.me/buratha