لم يكن الوصف الذي أطلقه أحد السياسيين العراقيين حول اعتقاد رئيس الوزراء حيدر العبادي أن تسلمه المنصب «ضربة حظ»، دقيقاً، لأن العبادي يعرف، كما كل السياسيين أن خيوط اللعبة تتجمع بين أصابع إقليمية ودولية، ومحلية الى حد ضعيف. وبينما يدور الحديث عن أزمة سياسية، حكومية وبرلمانية..
فإن الوضع الأمني أخذ بالبروز مجدداً من خلال التفجيرات المتعددة في بغداد والمحافظات، اضافة الى تباطؤ العمليات العسكرية ضد «داعش»، الذي يبدو أنه عاد ليمسك زمام المبادرة، في العديد من المواقع، لاسيما بعد تراجع القوات الحكومية من محيط الفلوجة، ومن مناطق في داخل الرمادي..
وكذلك في محور الموصل، ما يؤكد أن الحكومة أخلّت بتعهداتها وبرامجها الإصلاحية، التي بقيت مجرد حبر على ورق، وبالخصوص في مجال المصالحة الوطنية والمجتمعية، التي بدونها لا يمكن تحقيق تقدم عسكري أو سياسي، بل العكس، وهذا ما يظهر جليا في التخلخل السياسي، الذي ينذر بدوره بانهيار اقتصادي وعسكري، الى جانب تلكؤ المجتمع الدولي في دعم حكومة مهزوزة، وهذا ما يؤشر الى توقع تدخل خارجي حاسم، أو انهيار داخلي حاسم.
ويدعو عدد من النواب الآن، الى توحيد الجهود من اجل عقد جلسة موحده لمجلس النواب تضم كل الكتل «لإعادة الهيبة الى كل مفاصل الدولة وتخليص البلاد «بالنِصاب من النَصّاب».
ويقول النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني شوان الداودي، إن الحل الوحيد الذي نراه هو أن توحد الجهود من اجل عقد اجتماع موحد لمجلس النواب بحضور كل الكتل المنضوية الى الجانبين المختلفين وتمنح الحرية للنواب في طرح كل القضايا على المجلس بأسس دستورية وقانونية ويصوت عليها بشكل علني وشفاف.
ويضيف يجب أن لا تكون هنالك خطوط حمراء وضعت مسبقاً من قبل أي طرف لأي موقع أو أي شخص في الدولة وتخضع لتصويت نواب الشعب علناً وأمام الشعب بشكل مباشر، وأن نبارك لمن يحوز على ثقة الشعب وبذلك نستطيع إعادة الهيبة الى كل مفاصل الدولة ويتم تخليص البلاد بالنِصاب من النَصّاب، وبعكسه فإننا يجب أن ننتظر الأسوأ.
بداية انقسام
ولم يشخص الداودي ما هو الأسوأ، إلا أن المراقبين شخصوا البدايات المتأخرة للتخلخل السياسي، حيث بدأ الانقسام في مجلس النواب ظاهراً مع جلسة البرلمانيين المعتصمين في الرابع عشر من أبريل الماضي، والتي كانت بحسب اعتقاد النواب المعتصمين قد استكملت نِصابها القانوني من خلال اعتمادهم على أسماء قائمتهم وأسماء الموقعين على حضور الجلسة والذين لم يحضر عدد منهم..
كما ان الحقائق وتسجيلات كاميرات الدائرة البرلمانية كشفت عكس ذلك وان نسبتهم القانونية اقل بكثير من ان تحقق جلسة اعتيادية بنِصاب اعتيادي وبموجب النظام الداخلي للبرلمان واستناداً الى الدستور.
عدوى النصابواتخذ البرلمانيون المعتصمون «في تلك الجلسة قراراً بإقالة هيئة رئاسة المجلس وهو في حد ذاته عمل غير دستوري وغير قانوني لأن شرط الإقالة يعتمد على اكتمال النِصاب للحضور الفعلي أولاً وليس بالاعتماد على قوائم أسماء فقط، بالإضافة الى حضور هيئة الرئاسة عند اتخاذ قرار الإقالة والأسباب الموجبة له.
ويلاحظ المراقبون السياسيون أن عدوى النِصاب والنصّاب انتقلت الى مجلس الوزراء أيضاً، ففي الجلسة السابقة وبمقاطعة الوزراء الكرد الثلاثة، وعدم حضور عدد آخر من الوزراء الذين سبق وأن قدموا استقالاتهم، ومقاطعة آخرين أيضاً لها، يكون داء النِصاب القانوني الذي أصاب مجلس النواب قد نقل عدواه وأصاب مجلس الوزراء..
حيث لجأ رئيس الوزراء الى حيلة شرعية لإكمال النِصاب وذلك بملء مكان بعض الوزراء بالوكالة..
حيث حضر الاجتماع تسعة وزراء، اضافة الى رئيس المجلس أي بحضور عشرة أعضاء، مستوزراً العبادي نفسه وزيراً للنفط وكالة، وسلم وزارة النقل وكالة الى وزير الرياضة والشباب عبد الحسين عبطان، ووزارة التجارة الى وزير التخطيط سلمان الجميلي، مع العلم أن كلاً من العبطان والجميلي هما من الوزراء الذين قدموا استقالاتهم، وبذلك استكمل حضور 13 عضواً، من أصل 22 وزيراً.
ظلال شك
هذا الإجراء ألقى بظلال الشك على شرعية اجتماع مجلس الوزراء واعتبر عملاً غير قانوني وفيه جانب من التلاعب والنصب وتسبب في شطر البلاد الى قسمين، فيما كان على مجلس الوزراء عدم الانزلاق الى منزلق مجلس النواب بين الشرعية واللاشرعية وبين «النِصاب والنَصّاب».
وفي النتيجة.. مجلس نواب بلا نصاب شرعي، ومجلس وزراء بلا نصاب شرعي، ولن يكتمل نصاب احدهما إلا بنصاب الآخر، حيث لا يمكن للوزراء الذين صوت لهم المجلس الحصول على المنصب إلا بعد أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، ولا يمكن للبرلمان أن ينعقد من دون توافق وزاري لإكمال النصاب، وفي هذا التيه، لابد من تحرك دولي وإقليمي سريع، لمواجهة خطر داعش المتفاقم، وإيجاد الحل «بضربة حظ» جديدة للواقع المأساوي العراقي.
https://telegram.me/buratha