في أقل من شهر، اقتحم المتظاهرون المنطقة الخضراء للمرة الثانية، ودخلوا هذه المرة إلى مقر مجلس الوزراء، بعد أن كانوا قد دخلوا إلى البرلمان في المرة السابقة.
وفيما أصبب العشرات من المتظاهرين، وبدأت سيارات الإسعاف بنقل الجرحى، الذين توفي منهم اثنان لاحقا؛ أفاد مصدر في الشرطة العراقية بأن متظاهرين غاضبين اقتحموا المنطقة الخضراء بعد ظهر الجمعة. وأضاف أن القوات المسؤولة عن حماية المنطقة أطلقت الغاز المسيل للدموع من أجل تفريقهم، وأغلقت جميع مداخل بغداد ومخارجها.
وقبل أن تعلن قيادة العمليات المشتركة عن سيطرة القوات الأمنية بشكل كامل على "أحداث الشغب"، التي جرت على مقربة من المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية، كان مصدر في قيادة عمليات بغداد قد صرح بأن "قيادة عمليات بغداد دخلت الإنذار 100%، وشددت من الإجراءات الأمنية في العاصمة".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "القيادة أصدرت توجيهات لمنتسبيها بقطع إجازاتهم والالتحاق بوحداتهم".
ثم أصدرت قيادة العمليات بيانا لاحقا، قالت فيه إن "مجموعة من المندسين قاموا اليوم باختراق مؤسسات الدولة"؛ مضيفة أن هؤلاء استغلوا انشغال القوات الأمنية بالتحضير لمعركة تحرير الفلوجة.
وفي ردود الأفعال على اقتحام الخضراء، وبعد أن زار مقر قيادة العمليات المشتركة، وأمر برفع حظر التجوال في بغداد، دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي في خطاب متلفز، ليلة أمس (20 05 2016)، إلى "التكاتف والتصدي لمؤامرات المندسين البعثيين المتحالفين مع "الدواعش" المجرمين، والذين يقومون بأعمال إرهابية في المدن لإيقاع الفتنة بين المواطنين والدولة لإنقاذ "الدواعش"، الذين نطاردهم في كل مكان".
من جانبه، دعا زعيم "ائتلاف الوطنية" إياد علاوي الحكومة إلى "التحاور مع المتظاهرين، وعدم استخدام العنف ضدهم". أما زعيم "التيار الصدري" السيد مقتدى الصدر، فكان له موقف آخر معاكس تماما لحديث العبادي ومتضامن مع المتظاهرين، وأطلق مصطلح الثورة على ما جرى أمس.
في هذه الأثناء، اعتبر الأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري، الذي كان يستعد وبقية فصائل "الحشد الشعبي" لمعركة الفلوجة، أن بعضًا ما يحاول سحب عناصر المنظمة إلى معركة جانبية، ودعا إلى الحذر وعدم "الانجرار إلى أي صدام آخر"، وأكد أن المعركة الحقيقية هي المعركة مع الإرهاب.
وكثيرون يرون أن حديث العامري قد يكون في محله. وهذا يعني أن هناك معركتين: إحداهما في الفلوجة، والأخرى في بغداد. وفي الوقت الذي استجمع "الحشد الشعبي" قواه للرد على تفجيرات بغداد، التي تلت اقتحام "الخضراء" الأول، واتجه إلى معركة الفلوجة؛ جاء اقتحام "الخضراء" الثاني، وعاد الموقف إلى مربعه الأول.
وقد تكون معركة بغداد هي الأهم، وإن قال العامري إنها جانبية. فخسارتها قد تعني بالضرورة خسارة معركة الفلوجة. ومعركة بغداد هنا سياسية بامتياز، وقد قدح شرارتها الصدريون و"التيار المدني" منذ تموز/يوليو 2015، ولا تزال تداعياتها متواصلة. ومفادها أن العدو الأكبر في العراق هو غياب الدولة والفساد والمحاصصة الطائفية وليس "داعش" فحسب.
أما منطق الصدريين، فهو يرى أن معركة الفلوجة هي المعركة الجانبية، وليست معركة بغداد. ومن هنا اختلف الطرفان - الصدريون والبدريون، رغم أن الطرفين يضمهما "التحالف الوطني"، الذي أصبح كما يبدو، عاجزاً عن احتواء تداعيات الخلاف الذي يتطور بين أطرافه من سيئ إلى أسوأ.
وقد تكون المعركة الاقتصادية هي التي تقف خلف المعركة السياسية في بغداد. وقد تدفع شروط التسوية الاقتصادية القاسية مع صندوق النقد الدولي، والتي وافقت عليها الحكومة قبل أيام، إلى حل الأزمة السياسية بشروط قاسية أيضا، تفاديا للانزلاق نحو المجهول.
وعليه، فإن العبادي، وإن بدا أمس متماسكا، فهو في الواقع أصبح على المحك. وهو يخوض حربا على أكثر من جبهة، بخاصة بعد أن اقتحم المتظاهرون مكتبه ومجلس وزرائه. وقد زاد الاقتحام الثاني بلة طين الأزمة السياسية، التي تنتظر قرار المحكمة الاتحادية في الـ25 من مارس/أيار الجاري.
وختاما، فإن الكتل السياسية والإسمنتية أصبحت رائجة في بغداد، ولم تعد صلدة بما فيه الكفاية، لتمنع اقتحاما ثالثا ولا رابعا.
ويبدو أن الأمور تتجه بعد الاقتحام الثاني، لاستكمال أمرين أساسين هما: التصويت على بقية الظرف المغلق، وهو مراد المقتحمين، لإخراج الدولة العميقة من مؤسسات العملية السياسية؛ ثم مواجهة السلاح الخارج على سلطة الحكومة، قبل التفرغ لمعركة نينوى أو الفلوجة. وبين هذا وذاك أمور متروكة لتطورات الأحداث.. ولكل حادث فيها حديث.
عمر بد الستار
https://telegram.me/buratha