سقطة جديدة للأمانة العامة للأمم المتحدة، بقرار تنظيم فعليات قمة دولية مهمة بحجم "قمة العمل الإنساني"، والتي تستهدف ضرورة التركيز على مجالات تمثل المسؤوليات الخمس لأجندة العمل الإنساني، وأهمها منع الصراعات وإنهاؤها، وتعزيز حماية المدنيين، متجاهلة ما تقوم به النخبة الحاكمة في تركيا من ممارسات تخالف اتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان والبروتوكولات الملحقة.
لم تعد الأمانة العامة للأمم المتحدة ذات تأثير إيجابي على مجريات الأحداث الدولية، وباتت أقرب إلى دائرة من دوائر المراسم في تنظيم وعقد المؤتمرات الدولية المتعلقة بعدد من القضايا التي تشغل المجتمع الدولي، وتبدو في كثير من الحالات تخضع لضغوط ومساومات من دون مراعاة وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية في مكافحة الإرهاب والتطرف، وحماية الأقليات العرقية، وصيانة الحقوق والحريات.
من العار أن تكون قمة العمل الإنساني في بلد يتاجر بأرواح اللاجئين من أطفال ونساء وشيوخ من أجل ابتزاز أوروبا والمجتمع الدولي لتحقيق مكاسب سياسية، ولن يغفر التاريخ ما يرتكب في حق الحضارة الإنسانية من جرائم تستهدف تدمير ثقافة الشعوب والتعايش السلمي الذي استقر منذ عقود ووصل في بعض المناطق إلى درجة الإبادة الجماعية والقتل والسجن بذريعة محاربة الإرهاب.
تركيا أردوغان التي تستضيف هذا الحدث المهم؛ متورطة بالوثائق في دفع الملايين من اللاجئين إلى الموت للضغط على أوروبا، كذلك متورطة بتسهيل مرور العناصر الإرهابية إلى سوريا ودعم تلك العناصر بالمال والسلاح في مناطق أخرى مثل ليبيا، وتأوي عناصر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في عدد من دول المنطقة والمتورطة في أعمال إرهابية، وهي التي تقمع الداخل بالسجن وإسقاط عضوية البرلمان من السياسيين المعارضين لسياسة السلطان العثماني الجديد، وهذا ما يفقد القمة أي معنى كان من المفترض أن يكون ساميا إذا ما عقد في بلد آخر يحترم الإنسان ويصون حقوقه خاصة حقه في الحياة وحرية التعبير والمعتقد.
أوربا التي أصبحت مطالبة بتوضيح موقفها من سياسة أردوغان، التي تستهدف ما يقرب من 1800 قضية على المعارضين منذ عام 2014 بتهمة إهانة الرئيس، وصدرت قرارات بعزل صحفيين وأكاديميين ممن ينتقدون السياسات الحكومية، إلى جانب إغلاق صحف معارضة، والسعي نحو تركيز السلطة في يديه والاتجاه في طريق أن تصبح تركيا دولة الفرد الواحد الحاكم بأمره.
البرلمان الذي يسيطر عليه حزب "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان وافق على تعديل الدستور من أجل إسقاط عضوية 138 نائبا في البرلمان أغلبهم من الأكراد، بحجة محاربة الإرهاب، فضلا عن تلك السياسيات التي تمارس للضغط على الأكراد الذين لن يتخلوا عن تحقيق مطالب الشعب التركي، ولن يستسلموا أمام السياسات القمعية التي تتبناها النخبة الحاكمة التي تدفع بمزيد من الدعم لتنظيم "داعش" الإرهابي في مواجهة الأكراد، فضلا عن العمليات الأمنية والعسكرية لأجهزة الأمن والجيش والتي تستهدف المناطق الكردية في تركيا وحتى في سوريا.
أردوغان يسعى إلى إسقاط عضوية الأكراد في البرلمان تمهيدا للتوجه إلى انتخابات مبكرة، لن يسمح فيها لحزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي بالعودة إلى العمل السياسي مرة أخرى، حتى لا يعيق تنفيذ خطط الانتقال إلى النظام الرئاسي وإحكام السيطرة على مؤسسات الدولة.
كل هذه الممارسات لم تكن كافية لإقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن "تركيا أردوغان" أرض غير صالحة حتى يمكن لغرس قيم إنسانية متعارف عليها عبر التاريخ، وأن المشهد الحالي لا يختلف عن ذلك الذي كان خلال عهد الخلافة العثمانية التي اعتمدت على السيف والدم في السيطرة على مناطق مختلفة من العالم، وانتهكت الكثير من المبادئ الإنسانية في سبيل فرض سيطرة ونهب خيرات العالمين العربي والإسلامي لقرون طويلة.
https://telegram.me/buratha