عام 2007، استوردت وزارة الداخليّة العراقية 7000 جهاز لكشف المتفجّرات المعروفة بـ"ADE651" في صفقة عقدتها مع رجل الأعمال البريطانيّ جيمس ماكورمك. ومنذ دخول الأجهزة إلى الخدمة في نقاط التفتيش العراقيّة وحتّى الوقت الحاليّ، وأعمال التفجير مستمرّة في بغداد والكثير من المحافظات العراقيّة الأخرى، مسبّبة دماراً هائلاً وخسائر فادحة في الأرواح. وكان عام 2014 متميّزاً بدمويّته، حيث سقط أغلب الضحايا في العراق بفعل تفجير السيّارات المفخّخة، حسب تقرير نشرته قناة السومريّة في 31 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي.
وللجهاز هوائيّ متحرّك مثبّت على مقبض بلاستيكيّ. ويفترض أنّ الهوائيّ يتحرّك مشيراً إلى المواضع التي تحتوي على المتفجّرات، ولكنّه في الواقع لا يقوم بهذا الفعل، حسب ما أثبتت تجربة سبعة أعوام من هذا الاستخدام، بل إنّه يشير إلى أشياء أخرى غير متوقّعة مثل العطور وحشوات الأسنان والمنظّفات المنزليّة.
وفي حديث هاتفيّ مع "المونتيور" في 23 كانون الثاني/يناير من بغداد، روى مدير إذاعة ديموزي ابراهيم الساعدي مفارقات كثيرة صاحبت العمل بهذا الجهاز. فرجال الأمن في نقاط التفتيش، اعتادوا على توجيه أسئلة غريبة للناس حول ما إذا كانوا يحملون عطوراً، أو أنّهم زاروا طبيب الأسنان، لأنّ هوائيّ الجهاز يشير إليهم. فالجهاز يشير بعشوائية إلى أشياء متعدّدة. ولهذا السبب، شاع لدى بعض العراقيّين تسمية الجهاز بجهاز كشف حشوات الأسنان، كما يقول الساعدي. وتبثّ إذاعة ديموزي برنامجاً عنوانه "حديث المدينة"، وقد خصّصت حلقات منه لمناقشة موضوع أجهزة كشف المتفجّرات وتصريحات المسؤولين في شأنها.
وعام 2013، حكم على رجل الأعمال البريطانيّ جيمس ماكورمك في بريطانيا بالسجن لعشرة أعوام بسبب توريده هذا الجهاز المزّيف إلى بعض الدول، ومنها العراق الذي كان أكبر المستوردين. وجاء في حيثيّات الإدانة أنّ الجهاز أعطى تلك الدول إحساساً زائفاً بالأمان، الأمر الذي تسبّب في موت أعداد كبيرة من الناس.
وكانت قناة الـ"بي بي سي" قد عرضت تقريراً في 22 كانون الأوّل/ديسمبر 2010، يتحدّث عن زيف هذه الأجهزة، بناء على تجربة أجراها مختبر بريطانيّ. وفي برنامج تلفزيوني عراقي تم التطرق إلى موضوع اجهزة كشف المتفجرات في عام 2013
وكشف التقرير عن أنّ الجهاز أخضع للفحص في أميركا أيضاً، وأثبت عدم فاعليّته.
وعلى الرغم من كل ما أشيع عنها خلال سنوات، فإنّ وزارة الداخليّة العراقيّة السابقة التي استوردت الأجهزة، لا تبدو مقتنعة بهذه الدلائل، ولا بآراء العراقيّين، بل واصلت إصرارها على أنّ الجهاز يعمل بفعاليّة، وهذا ما صرّح به وزير الداخليّة العراقيّة السابق جواد البولاني في كانون الثاني/يناير 2010.
وتقع إذاعة ديموزي التي يديرها ابراهيم الساعدي في منطقة الكرادة الشرقيّة، إحدى أكثر مناطق بغداد عرضة للتفجيرات.
ويعبّر الساعدي في حديثه إلى "المونيتور" عن امتعاضه من رؤية رجال الأمن العراقيّين، وهم يصرّون على استخدام هذه الأجهزة إلى الآن، قائلاً إنّ هذا يمثّل استهانة بمشاعر الناس وبأرواحهم أيضاً. ويضيف: "مات الكثير من العراقيّين بسبب هذه الأجهزة". ويؤكّد الساعدي الشائعة التي تسري في الشارع العراقيّ بأنّ استمرار العمل بهذه الأجهزة هو محاولة للتغطية على شبهات الفساد الواضحة التي صاحبت استيرادها، فالمسؤولون السابقون الذين استوردوها يصرّون على أنّها فعّالة، لأنّ اعترافهم بعدم جدواها، يعني تعرّضهم إلى المساءلة.
ونظراً إلى استيائهم الكبير من استمرار العمل بهذه الأجهزة، وعدم فتح تحقيق جادّ لمحاسبة المسؤولين عنها، أسّس عدد من الناشطين العراقيّين حملة عنوانها "الحملة الوطنيّة لشراء أجهزة كشف متفجّرات حقيقيّة". وقد خصّصت الحملة صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، لاستعراض آخر التطوّرات والتصريحات حول هذه الأجهزة. ويقول هؤلاء الناشطون إنّ هدف الحملة هو إجبار الحكومة على استبدال أجهزة "ADE651" بأخرى حقيقيّة، ومحاكمة المتورّطين في توريدها إلى العراق.
وتسعى الحكومة العراقيّة الجديدة إلى إيجاد حلّ لهذه المشكلة، حيث تمّ الإعلان، وللمرّة الأولى في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، وعلى لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي عن أنّ هذه الأجهزة مزيّفة.
ووعد العبادي في تصريحه، باستبدالها بأجهزة ذات مناشئ معترف بها. ولكنّ ذلك لا يبدو كافياً لإرضاء العراقيّين، كما يؤكّد الساعدي في حديثه إلى "المونيتور"، فاستبدال هذه الأجهزة بأخرى فعّالة هو مطلب هامّ بالنسبة إلى العراقيّين، ولكنّه ينبغي أن يكون مشفوعاً بفتح تحقيق موسّع وجادّ لمحاسبة المسؤولين عن صفقة الفساد المميتة هذه.
شكر خلخال
https://telegram.me/buratha