احمد شعيتو
ليل 16 تموز التركي الذي حمل احداثا متسارعة ومفاجئة لكل مراسلي ومحللي ومصوري العالم، اثار لدى الجميع حالة لا تركيز ذهني منذ بداية تطوراته الدراماتيكية الى نهايتها الاكثر دراماتيكية. ذهب كثير من المراقبين في اولى ساعات هذه الاحداث الى تاكيد ان هذه هي “نهاية اردوغان الحتمية” ، وفعلا كانت سيطرة الانقلابيين في ساعات قليلة على مرافق سلطة الدولة الاساسية واطلالة اردوغان عبر تطبيق بث هاتفي وليس عبر شاشة لتزيد من قناعتهم هذه! ولكن حصلت تطورات معاكسة اعادت اردوغان الى كرسي بدا شبه ساقط عنه ولم يُعرف حتى الان ما هي “الحلقة المفقودة” في ما جرى.
اليوم تتوالى التحليلات حول طبيعة هذا الانقلاب وهي تحليلات كثيرة ومتناقضة منها ما يقول ان ما حصل كان بمثابة “مسرحية اردوغانية” ومنها ما يقول ان هناك فعلا “انقلابا ضخما” كان حاصلا جراء انقسام داخلي حاد ، ومنهم من يتحدث عن دعم خارجي لما حصل من احداث .
مشهد “التطهير” الضخم
ما بعد احداث “محاولة الانقلاب” يبدو المشهد التركي قائما على سياسة “تطهير” واسعة واعتقالات واقالات كبيرة في هجوم ضخم على معارضي اردوغان، وتتنامى القناعة لدى من يقول ان ما حصل مسرحية مدبرة منه للقضاء على معارضيه قضاء مبرما واجراء تعديلات في الدستور والقوانين تتيح له ذلك بحجة الخطر على الامن القومي وغير ذلك.
ولكن اذا كان الانقلاب هو فعلا امر جدي فهذا يدل على شرخ كبير داخل تركيا ونقمة على سياسات اردوغان، واذا كان هذا سيناريو مفتعلاً من اردوغان فإن حملة الاعتقالات والاقالات التي طالت الالاف تدل على امرين:
-حجم كبير لمعارضيه في الداخل
-تخوف فعلي لديه من خطر المعارضين على سلطته
سارع الاوروبيون خلال الساعات الماضية بعد ان وقفوا على حجم الاندفاعة الاردوغانية للتحذيرمن عواقب الاجراءات التي يقوم بها نظام اردوغان بعد محاولة الانقلاب من حملات واعتقالات وطرد جماعي. ودعوا الى ان تسود سلطة القانون في ظل تنامي الحديث عن استغلال اردوغان لأحداث ليل 16 تموز في شن حملة غير مسبوقة على معارضيه وممارسة المزيد من القمع وتطبيق الديكتاتورية التي تطبع نظام حكمه وشخصيته .
وقال الرئيس الفرنسي إنه يتوقع أن تعود تركيا إلى فترة القمع في أعقاب الانقلاب ، اما المفوض الأوروبي يوهانس هان فاعلن اليوم انتهاك السلطات التركية للمعايير الدولية من خلال إجراءات القمع بعد محاولة الانقلاب ، فيما وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني فدعت باسم وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تركيا إلى “الامتثال لمبادئ سيادة القانون” بعد الاجراءات الامنية والقمعية والتوقيفات بالالاف.
صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية قالت اليوم ان الديمقراطية شارع ذو اتجاهين، ويجب على اردوغان بالمقابل أن يخضع للقوانين أيضا، معتبرة ان الخطر الأكبر الان، يتمثل في المخاوف من أنه سيرد على المحاولة الانقلابية بفرض حكم تسلطي واشارت الى إن الأزمة التركية ليست قضية داخلية، وإن الموجات الارتدادية للاقتتال الداخلي فيها ستجتاح أوروبا والشرق الأوسط. ولن يتكمن اردوغان من السيطرة عليها حالما تتدفق من تركيا.
بذور خطر قائم
من الملاحظ ان تركيا-اردوغان ما قبل الانقلاب نفذت سياسات ادت الى نتائج معاكسة وظهر ذلك في عدة امور:
-دعم داعش بدأ يرتد الى الداخل عبر تفجيرات
-التصادم مع روسيا ادى الى عواقب وخيمة مما اضطر انقرة للتراجع
-السياسات الداخلية تؤدي الى نقمة متصاعدة
هذا يسوق الى نتيجة هي انه وبغض النظر عن الطريقة التي استطاع فيها اردوغان وقف الانقلاب وحتى لو كان انقلابا صوريا فإن المشهد الداخلي التركي يوحي بأن بذور توتر وخلافات مستقبلية لا تزال خطرة على سلطة اردوغان وحكمه وهو في ازمة حقيقية خاصة اذا استمر في الحملة الامنية المتصاعدة ، وخاصة ايضا اذا لم يغير سياساته الخارجية.
هذا الخطر تحدث عنه فعلا وزير الدفاع التركي عندما قال “سنواصل لقاء شعبنا في شوارعنا ومياديننا حتى حلول اليوم الذي سنكون فيه على يقين تام من تلاشي الخطر”.
يكاد يجمع المراقبون على ان تركيا في ازمة حكم وحتى لو نجح وأد الانقلاب وقد اظهر ما حصل انقساما في العسكر والمجتمع، كما ان زيادة القمع ستزيد الاحتقان والشرخ . ما حصل ويحصل في تركيا سيترك اثارا لا شك وسياسة القمع التي ينتهجها “السلطان التركي” بعد محاولة الانقلاب ستؤدي الى توترات داخلية اضافية، اما خارجيا فهل ستكون الاحداث باباً او حجة تبرر اعلان تغيير حقيقي في السياسات الخارجية تجاه ملفات المنطقة ووقف المساهمة في تأجيج النيران ما وراء الحدود؟ الامر يتضح في مستقبل الايام.
المصدر: موقع المنار