هذا النصر الصادق لم تنحصر تداعياته وآثاره على أرض المعركة ونتائجها المباشرة، بل ما زالت نتائجه إلى اليوم في سياق المعركة المفتوحة مع العدو وما يمكن مقاربته في هذا الإطار بشكل أساسي هو:
1 ـ أن الهدف المركزي للحلف الصهيو أميركي ـ عربي المعلن منذ اللحظة الأولى ضمن خطه العدواني في تموز هو القضاء على القوة والحضور العسكري للمقاومة الإسلامية بما تشكله من استفزاز وتحد للإدارة الصهيو ـ أميركية، التي سعت إلى إعطاب القوة الوحيدة والأساسية المتبقية في المواجهة الفعلية خاصة في تلك اللحظة حين اعتبرت الإدارة الأميركية أنها امتلكت الفضاء الغربي والإسلامي "بعد غزوها العراق.
لقد كانت نتائج عدوان تموز صادمة بكل المعايير فالأهداف المعلنة سقطت، وإطالة أمد العدوان واستعمال مختلف الأسلحة فشلا في تغيير الوقائع، والقوة العسكرية للمقاومة التي استهدفت، أثبتت حضورها وشكلت المعركة لحظة تحول استراتيجي مستدامة فقد استطاعت المقاومة خلال عقد من الزمن أن تحول ترسانتها العسكرية ومخزونها الناري إلى قوة هائلة وأن تحول تجربتها الميدانية إلى مدرسة خاصة في القتال تدرس في الكليات العسكرية، وإن تتطور في أساليبها المبتكرة، وسط ذهول العدو وعجزه المفرط أمام ما يجري رغم أنفه.
2 ـ إن النتائج المستمرة لصمود المقاومة وانتصارها ساهم في تأكيد حالة التوازن العسكري مع العدو أو ما يسمى بتوازن الرعب الذي لم يكن لحظة عابرة أو مسألة ظرفية، بل تم تثبيت المعادلة وبشكل تراكمي بحيث يدرك العدو أن أي اختراق للتوازن سيكلفه غالياً جداً وستكون النتائج كارثية بشكل حرفي للكلمة، وهو ما زال مأزوماً من نتائج المعركة الأولى التي أسقطت هيبته وتبجحه بالقوة، لا بل حولته عملياً ورغم أسلحته والدعم الأميركي إلى لاعب يحتاج إلى المعونة والحماية، بعد ان كان يصور نفسه القوة المطلقة في المنطقة. إن هذا الاهتزاز ومعرفة العدو بما ينتظره وخوفه من الفشل الذي يعني السقوط الاستراتيجي، كل ذلك جعل من قوة المقاومة عاملاً حاسماً في إيجاد توازن الرعب الرادع لأي عدوان على لبنان.
3 ـ فتحت المقاومة في قوتها وثباتها فرصة تاريخية ونادرة لوطنها،، فهي بفعل ما أنجزته نقلت لبنان من موقع الوطن الضعيف الذي يتلقى الاعتداءات إلى بلد يمتلك قوة المواجهة والتوازن العملي مع العدو، وقد شكلت صياغة رؤية المقاومة والجيش والشعب إنجازاً متقدماً في إعادة تعريف مقومات لبنان حيث أن الركن المفقود قد حضر بوجود المقاومة وأدى إلى بزوغ مقاربة جديدة، تكون فيها قوة لبنان ومقاومته ركناً أساسياً من الأركان التي يقوم عليها لبنان الحديث بعيداً عن المزايدات والمصالح الضيقة والخوف والانغلاقات التي تؤدي إلى أي مكان.
4 ـ إن احتفاظ لبنان بواقعه الحالي الهادئ رغم المخاطر التي تحيط بنا، ورغم محاولات إقحامنا في المشهد التكفيري عنوة وبسكوت بعض قصار النظر، إنما يعود بشكل أساسي إلى واقع متغير، فعامل القوة الذي دخل على لبنان ومعادلته الذهبية، وإدراك الجميع داخلياً وفي الخارج أن من منع هؤلاء من التمدد والعبث الداخلي هو امتلاك قوة الصد داخلياً واضطرار المقاومة إلى المواجهة الفاعلة من كسر المشروع التكفيري في القصير وإسقاط المخاطر المباشرة على لبنان، وإلى الذهاب لكل مكان تحتاجه المواجهة مع هذا الطغيان التكفيري من أجل لبنان ومن أجل الحفاظ على هذا المشرق المتنوع الأديان والأعراق ومن أجل أن لا تتشظى المنطقة فتصبح لقمة سائغة أمام العدو الصهيوني ومشاريعه في التفتيت والتفرقة.
إن المقاومة التي سطرت ملحمة الوعد الصادق وأعدت العدة لمنع أي عدوان على لبنان من قبل العدو الصهيوني، هي على جهوزيتها للدفاع عن لبنان في أي لحظة يتطلب الواجب الوطني ذلك وقوتها في تموز هي نقطة في بحرها الحالي والمزيد ينتظر وكل نصر صادق والمقاومة والوطن بخير.
https://telegram.me/buratha