علي فضل الله الزبيدي
التأريخ بعمقه الزمني، محطات من التجارب والعبر، يستنير بها من غاص في أعماقه، فالحاضر كساق الشجر، لا يكون ثابت مستقيما"، أمام ملمات الزمن، إلا إذا إستند إلى قاعدة قوية، فالماضي كجذور الشجر التي يرتكز عليها ساقه، فهي تخترق طبقات الأرض، ومع إلتقاء الجذر والساق، أي الماضي والحاضر وإنسجامهما، يكون المستقبل ثمار يانعة، تؤتي أكلها من جد لها وأجتهد، فالعمل ليس شعارات نسوقها، ولا جعجعة إعلام، فارغ المحتوى والمضمون، إنما هو إستحضار تجارب الأخرين، ثم دراسة ما نملك، وهذا هو التخطيط، ومع توفر الإرادة والإصرار، ينجح العمل ويثمر.
إن فيلسوف السياسة الرومانية، الطبيب والمؤرخ نيكولا ما كيافيلي، إستاذ التنظير السياسي، كان قد تبنى في القرن الخامس عشر، عدة إطروحات سياسية، عدت فيما بعد، مسار لعلم السياسة الحديث، إستطاعت إطروحات ذلك المفكر الكبير، أن ترسم العلاقة بين السلطان وشعبه، بمعنى أوضح وحديث، بين الحكومة والشعب، بل أصبح ما جاء به ماكيافيلي، إسلوبا" سياسيا"، يتناسب وعصر النهضة الجديد،الذي إنتقلت إليه أوربا وقتها، رغم إن جل ما جاء به ذلك المفكر، طرق سياسية تمكن الحكومة، من فرض سياستها على الشعب، ولكن بطرق حضارية، وليست إستبدادية.
ومن جملة ما ينسب، إلى ماكيافيلي في التنظير السياسيي، إن الغاية تبرر الوسيلة، وهذه الإطروحة تعطي الإذن للحكومة، بأن تبتكر الوسيلة، من أجل فرض سلطتها، والحفاظ على سلطان الدولة، وكثير من الذين عاصروا ذلك المفكر، يقولون إن ما أراده ماكيافيلي، ليس هذا البعد الأنني، بل أراد أن يذهب إلى أنقى من ذلك، على الحكومات أن تتفن بإبتكار الوسائل، التي من خلالها تجعل الشعب، يعيش برفاهية وأمان.
إذن ما علاقة أوردغان وماكيافيلي؟، العلاقة بين الإثنين ليست زمنية، ولكنها سببية، فيبدو إن الرئيس التركي، ضاقت به الضائقة، وأصبح يعاني من أزمات سياسية كبيرة وكثيرة، سواء الداخلية منها، وكذلك الإنتكسات في السياسة الخارجية، وتلك الأحداث بمجموعها، جعلت شعبية الرئيس التركي الحالي، تتراجع كثيرا" وبداية لأفول نجمه السياسي، كل ذلك أضطره للعمل، والتفكير للخروج من هذا المأزق الشائك، الذي قد يودي بتاريخه السياسي المشبوه، الذي يضم بين جنباته شبهات كثيرة.
يبدو أن أوردغان، نهض من كرسيه، وأخذ نفس عميق، ثم عاد إلى الخلف، فأرشده حظه أو أحد مستشاريه الحذقين، بضرورة الإسترشاد بإطروحات، وتحديدا" مقولة ماكيافيلي الشهيرة، ( إذا أردت أن تتخلص من الخونة، وتريد أن تبرز قوتك للأخرين كي تحظى بالهيبة، فأصنع إنقلابا" عسكريا"، ثم تمكن منه وأفشله)، كأن هذه الأطروحة فصلت لأوردغان، فالخيانة تحمل معنا" فضفاض، نستطيع أن نطلقها على كل من يخالفنا، في الرأي والمبدأ، وذلك ما أراده الرئيس التركي، حين أوهم الناس، بوقوع إنقلاب على حكمه، والحقيقة لم تكن كذلك.
ما غرض أوردغان، من هذا الإنقلاب المصطنع؟، لقد أعطى لنفسه المسوغ القانوني، لإعتقال كل المناوئين له، أفراد وجماعات، سيما أتباع فتح الله غولن، حيث لديه شعبية كبيرة، لدى غالبية الأتراك، فقطع الطريق على أكبر منافسيه، ثم أظهر مدى قوة مؤسساته الأمنية، التي أستطاعت أن تفشل هذا الإنقلاب، ومن كل ذلك إرتفاع أسهمه السياسية، لدى بورصة الشعب التركي، بعد أن شهدت بالفترة الأخيرة، تراجع كبير لشعبيته، إذن هي قراءة بسيطة للتأريخ، غيرت مسار أحداث كبيرة، ليتحول شعب بغالبيته لولاء أوردغان، بعد أن كاد أن ينقلب عليه.
https://telegram.me/buratha