حمل سكينه وباشر بهدوء بنحر الطفل عبد الله عيسى "12 عاماً"، وأمام كاميرا هاتف جوال رفع بفخر ما اقتطعه من الجسد الهامد، رأس طفل يرفع وسط تكبيرات، ثم شرع الارهابيون بالاحتفال، مشهد اعتبره الجميع الأفظع والأكثر وحشية من بين ما نشر من أفلام قصيرة حول الجرائم الكبيرة التي تحصل في سوريا. جريمة ذبح الطفل عبدالله عيسى على يد أحد أفراد "حركة نور الدين الزنكي" ليست في النهاية سوى حلقة واحدة من حلقات مترابطة لجرائم ارتكبتها المجموعات الارهابية بمختلف مسمياتها منذ عام 2011.
فظاعة المشهد لم تحجبها محاولات حركة "نور الدين الزنكي" لوصف ما حدث بأنه "خطأ فردي"، إذ سرعان ما أتاها الرد من حليفتها الولايات المتحدة التي وصفت ما جرى بـ"المروع"، غير أن دوائر التخطيط لإرهابيي الجبهة الشمالية في المخابرات التركية، انشغلت رغم ذلك بمحاولة إيجاد مبررات لتلك الجماعة. وبحسب مصادر خاصة، فإن المشرف على تلك المجموعات من قبل المخابرات التركية، والمتواجد في مدينة غازي عنتاب التركية، أبلغ قائد تلك الحركة توفيق شهاب الدين بأنه استعجل في إصدار البيان، الذي اعترفت فيه حركته بجريمة ذبح الطفل الفلسطيني، وأن العمل جار لإيجاد مخرج أمام الداعم الامريكي المحرج الآن. أما سبب اعتبار المخابرات التركية أن البيان كان في غير وقته، هو كونه سيقوض مشروع الاستمرار في التسويق لتلك الحركة بأنها مجموعة "معتدلة"، وفق المشروع الذي اُعد من قبل المخابرات السعودية والامريكية والتركية، حول وصم العديد من المجموعات الارهابية بأنها "معتدلة"، خصوصًا وأن تركيا خطت خطوات في هذا المجال وأجرت تغييرًا في قيادة تلك الحركة أعادت من خلاله الشيخ شهاب الدين، بعد عزل النقيب الفار من الجيش السوري سعيد المصري، وذلك بناءً على ضمانات قدمها شهاب الدين بالالتزام بالأهداف التركية في مناطق شرق حلب، في حين تعهد الاتراك بمواصلة تقديم الدعم اللوجستي والمالي، حتى وصل بهم الامر أن طلبوا إلى الامريكيين تزويد تلك المجموعة الارهابية بصواريخ "تاو" المضادة للدروع.
ولا شك أن تاريخ تلك المجموعة الارهابية، يساعد كثيراً في فهم الدعم الامريكي والتركي لها، فهي معروفة لدى الجميع بأنها تركية التمويل، متقلّبة في علاقاتها مع الجماعات الأخرى. ففي خضم المعارك وانكسارات المسلحين في حلب، طلب منها أن تدخل بالعديد من التحالفات، ثم ما لبثت أن انسحبت منها، الى أن استقر بها الأمر، بأن يقوم الشيخ توفيق شهاب الدين بتوطيد العلاقة مع "جبهة النصرة" الذراع الرسمي لتنظيم "القاعدة في الشام"، وهذا ما يفسر الاجتماع الذي تم في مدينة غازي عنتاب التركية بتاريخ 29 نيسان من العام الجاري بحضور قادة من ما يسمى بـ"جيش الاسلام"، و"جيش السنة"، "السلطان مراد" و"فيلق الشام" وضباط في الاستخبارات التركية، والذي طلبت فيه المخابرات التركية من جميع تلك الفصائل إتخاذ اجراءات تتوافق مع فكرة الولايات المتحدة الامريكية حول ما أسمته بـ"المجموعات المعتدلة".
* اذن من هي هذه الحركة؟
حملت حركة "نور الدين الزنكي" السلاح ضد الدولة السورية منذ بداية الازمة، وانحصر نشاطها في البدء في أرياف حلب، وتحديداً في قرية قبتان الجبل، ومع بداية الاحداث التي شكّلت مرحلة مفصلية في ريف حلب، اندمجت تلك الحركة والتي تعتبر أحد أذرع الاخوان المسلمين في سوريا، إلى ما يسمى بـ"لواء التوحيد" في تموز 2012، وعادت وانضمت إلى ما يسمى بـ"تجمّع ألوية فاستقم كما أُمرت" ثم انسحبت منه في حزيران 2013، وعملت بشكل مستقل بعد أن تلقت دعماً من سلفيّي الكويت من خلال "الهيئة الشعبيّة الكويتيّة" برئاسة حجّاج العجمي. وفي بداية عام 2014 انضمت "كتائب نور الدين زنكي" الى ما يسمى بـ"جيش المجاهدين"، وصار توفيق شهاب الدين قائداً عامّاً له، لتلقى حركته حينها تمويلاً قطريًا عبر هيئة حماية المدنيين القطرية، وصولاً الى أيار 2014 حيث أعلنت انسحابها من "جيش المجاهدين"، وانقلبت على اسمها، لتحوله من "كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية" إلى "حركة نور الدين الزنكي"، ليضحى تمويلها بعد ذلك مرتبطاً بشكل أساس بغرفة عمليّات "الموك" التي يديرها الأميركيون.
ويبدو أن حركة "نور الدين الزنكي" لم تنجح في تمثيل دور المجموعة "المعتدلة" وفق الدور المرسوم لها اميركيا، بالنظر لما يحمله مؤسسها وقائدها الحالي المدعو توفيق شهاب الدين من فكر تكفيري، ولما تحمله تلك الجماعة من أصول ايديولوجية تكفيرية شكّلت أساس فكري لأي تحرك عسكري تقوم به تلك المجموعة، في تكرار لمشهد معظم مجموعات ما يسمى بـ"الجيش الحر"، التي كانت تحمل الفكر التكفيري منذ بداية الحرب على سورية، ما يؤكد أن كل المجموعات التي تقاتل الجيش السوري تحمل نفس الفكر التكفيري، فحادثة أبو سقار الذي شق صدر الجندي السوري وأكل قلبه، كان ينتمي لما يعرف بـ"كتائب الفاروق" والتي هي ضمن ما يسمى بـ"الجيش الحر"، وحوادث كثيرة بدأت بالظهور للعلن منذ ذبح أول جندي سوري على يد حركة "أحرار الشام"، لتشكل جزءًا من إدارة التوحش التي دربت عليها تلك المجموعات من قبل المخابرات السعودية والامريكية والتركية، حتى أصبحت جزءًا لا يمكن أن ينفصل عن افكارهم وحراكهم على أرض الواقع.
العهد ـ حسين مرتضى
https://telegram.me/buratha