سركيس ابو زيد
" داعش"، الأخطبوط الذي يتمدد في كل الاتجاهات، غير عابئ بأية أخلاق سماوية كانت أم إنسانية، يضرب في أي مكان وزمان والضحايا من كل الأديان، سرطان العصر "داعش" غيّر مساره هذه المرة باتجاه آسيا ليجد قواعد له هناك، ما دفع دولًا في جنوب آسيا خصوصا بنغلادش وماليزيا وأندونيسيا والهند إلى تنسيق جهودها للحد من انتشار وتغلغل ذاك التنظيم الإرهابي فيها، بعدما ارتكبت مجموعة من 7 إرهابيين - أعلن تنظيم "داعش" أنهم من عناصره - مجزرة داخل مطعم "هولي ارتيزان بيكيري" الواقع في الحي الديبلوماسي بدكا عاصمة بنغلادش، وقتلوا 20 أجنبياً من رواده معظمهم من الإيطاليين واليابانيين.
ويأتي هجوم دكا بعد تراجع مسلحي "داعش" في مناطق في سوريا والعراق وانسحابه من مدينة الفلوجة، ما يعتبره محللون محاولة من التنظيم وأنصاره للفت الانتباه عما يحدث في هذين البلدين وتخفيف الضغط على قيادته وكوادره فيهما، أو محاولة استجرار لرد فعل انتقامية من عناصر تابعة للتنظيم المنتشرين في انحاء العالم.
هذه الضربات المتنقلة لـ"داعش"، وصلت السعودية أيضاً، فبعد أيام على تفجيرات تركيا، وقعت تفجيرات إرهابية في السعودية التي شهدت في غضون أقل من 24 ساعة ثلاث عمليات انتحارية، واحدة حصلت بالقرب من المسجد النبوي في المدينة المنورة، وثانية استهدفت أحد مساجد القطيف، والهجوم الثالث نُفذ بالقرب من القنصلية الأميركية في جدة. ولم تقع خسائر بشرية إلا في ھجوم المدينة المنورة حيث قُتل أربعة من رجال الأمن.
يرى مراقبون أن المنفذين أرادوا توجيه رسائل من خلال التوقيت، فاستهداف القنصلية الأميركية جاء عشية عيد استقلال الولايات المتحدة، أما التفجيران الآخران، فوقعا عشية عيد الفطر. وعلى إثر هذه العلميات الإرهابية صدرت إدانات عربية ودولية لهذه التفجيرات، كان أبرزها بيان حزب الله الذي اعتبر فيه أن "استفحال الإجرام التكفيري ينبغي أن يدفع الدول والحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية إلى مراجعة فكرية شاملة لمواقفها من الإرهاب وتسليحه وتمويله ودعمه سياسياً وإعلامياً وتغطية جرائمه وإيجاد المبررات له، خصوصاً بعدما تبين أن بعض الجهات الداعمة والمؤيدة له أصبحت بدورھا من أبرز ضحاياه".
خبراء أمنيون في السعودية ربطوا بين عملية تفجير الانتحاري في جدة، وبين ما يحدث ميدانيا للجماعات الإرھابية بكافة مسمياتھا، والتي تتخذ من العراق وسوريا وليبيا مقرا لتنفيذ ھجماتھا الإرھابية.
ويرى ھؤلاء أن ھذه الجماعات وتحديدا ما يسمى بـ"تنظيم داعش"، شرعت بعد انحسار نفوذھا وتراجعھا عن المواقع التي كانت تسيطر عليها في دول الصراع، بدأت في وقت مبكر في التفكير بتغيير استراتيجيتھا في المواجھات المباشرة، من خلال تنفيذ جملة من العمليات الإرهابية في عدد من الدول الرئيسية في المنطقة العربية والغربية، وذلك بهدف زعزعة الأمن.
ويرى خبراء من دول عربية غير خليجية أن "داعش" في هجومه المثلث على الأردن وتركيا والسعودية، يسعى الى توجيه تحذير الى الدول الثلاث، وأن مرحلة الهدنة غير المعلنة قد تسقط كليا مع الثلاثي إذا لم تستجب ھذه الدول لتحذيراته وتُوقف انخراطھا المتزايد في الحرب ضده. بعدما كان ھذا المثلث قد شكل عمقا ماليا لعملياته في العراق وسوريا ولبنان، عبر الجمعيات السلفية والدعوية أو تسويق النفط والحبوب والاقطان، خصوصا تركيا. كما شكلت هذه البلدان خزانا تعبويا وعسكريا لرفده بالمقاتلين.
فـ "داعش" يواجه " منذ عام سلسلة تراجعات كبيرة في العراق بالفلوجة وتكريت والرمادي وبيجي والأنبار ونينوى، وتنتظره عملية مؤجلة في الموصل، كما يواجه تھديدات بالتراجع في سوريا بعد تدمر والشدادي، لا سيما أمام التحالف الكردي الأميركي حول منبج. لذلك يسعى إلى نخفيف وطأة الضغط عليه عبر استهداف أماكن حساسة واستراتيجية في الدول المشاركة بالحرب ضده ومنها هجماته على المطارات، وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال عن سبب استهداف داعش للمطارات؟
فمن مطار شرم الشيخ في مصر، الى مطار بروكسل في بلجيكا، الى مطار أتاتورك في اسطنبول التركية، يتبيّن أن "المطارات" باتت الھدف المفضل لدى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي غيّر توجھاته وتقنيات استراتيجيته الإرھابية، لإثبات قدرته على اختراق المطارات أمنياً، وھي عادةً من الأماكن التي تُعد الأكثر أمناً وآماناً في العالم.
فھجوم مطار تركيا حمل بصمات "داعش" بسبب الموقع الذي اختاره المسلحون لتنفيذ التفجيرات الانتحارية والأسلوب الذي اتبعوه، ويُشار إلى أن مطار أتاتورك، الواقع في ضواحي إسطنبول، يمثل نقطة التلاقي الرئيسية لنحو 30 مليون شخص يزورون تركيا كل عام، كما إنه أيضا المركز الرئيسي لشركة الخطوط الجوية التركية، وھي العلامة التجارية الدولية الأكبر للنقل الجوي في البلاد، ناھيك عن أنه بوابة الأعمال التجارية في إسطنبول.
يقول خبراء في شؤون مكافحة الإرھاب " يتم استھداف المطارات الدولية لأنھا أكثر الأماكن مثالية، وتضم الكثير من الجنسيات، وبالتالي يستطيع أن يقتل عددًا أكبر من الضحايا"، موضحين أن "استھداف المطارات من قبل تنظيم "داعش" تغيير نوعي في تكتيكات الجماعات المتطرفة لإحداث "فرقعة إعلامية وإثبات فشل سلطات الدول في مواجھة التنظيمات الإرھابية". يضاف إليها أن العمليات الإرھابية التي تقع في أي مطار بالعالم دائما ما تتسبب بتأثيرات ممتدة إلى كل المجالات الاقتصادية وغيرھا، وذلك نظرا لطبيعة المكان الذي يستخدمه أصحاب مختلف الوظائف والمھن، فخسائر البورصة تكون فورية، والخسائر في قطاع السياحة تظھر آثارھا سريعا، والأمر نفسه يصدق على المجالات الأخرى التي لھا علاقة بالمطارات.
https://telegram.me/buratha