بغداد ـ عادل الجبوري
ربما يعد يوم الثامن عشر من شهر تموز-يوليو ٢٠١٦ يوما تأريخيا مهما بالنسبة لكثير من العراقيين، ففي هذا اليوم اقترعت منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) بكامل أعضائها على ادراج أهوار العراق وثلاثة مواقع اثرية قديمة هي آور والوركاء وأريدو ضمن لائحة التراث العالمي.
وجاء هذا الإنجاز الكبير بعد جهود مضنية بذلتها أطراف رسمية وغير رسمية عراقية، قابلتها مساعٍ حثيثة من بعض الأطراف لعرقلة الطلب العراقي والحؤول دون الاقتراع لصالحه.
ومن الخطأ أن ينظر الى تلك الخطوة في إطار إعلامي عابر فحسب، يلفه النسيان بعد برهة من الزمن بفعل تنوع وتسارع وتزاحم الأحداث، بل انه في واقع الامر فعل وقرار جوهري ينطوي على اهمية، تتجلى بمدى جدية واهتمام وتفاعل منظمة اليونسكو ومعها الحكومة العراقية في تلبية كافة الالتزامات والمتطلبات والاستحقاقات التي يفرضها قرار ضم الأهوار الى لائحة التراث العالمي، علما انه على مدى تأريخ العراق كانت هناك اربعة معالم اثرية عراقية قد ادرجت ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، هي أشور وسامراء والحضر وقلعة أربيل.
وعلى ضوء قرار اليونسكو، فمن المفترض ان تحظى مناطق الأهوار بحماية تلك المنظمة بيئيا بما يضمن استمرار تدفق المياه اليها، وتنمية وتطوير الثروات الحيوانية فيها، وصيانة المحميات الطبيعية وتعزيزها، من خلال وضع ضوابط وقيود على عمليات الصيد من حيث أوقاتها والمواد التي تستخدم لذلك، وهذا يتطلب الزام الدول التي ينبع من أراضيها نهري دجلة والفرات اللذين يغذيان الأهوار بالمياه، وتحديدا تركيا، بإطلاق استحقاقات العراق المائية بصورة منتظمة وعدم اخضاع ذلك الامر للحسابات السياسية.
ومعروف ان مناطق اهوار العراق تعرضت خلال حقبة حكم نظام حزب البعث المنحل في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي لحملة إبادة أدت الى تشريد أعداد كبيرة من أبنائها وتجفيف مساحات شاسعة منها، واختفاء مختلف انواع الأسماك والطيور والحيوانات الاخرى منها. ناهيك عن تعرضها للتلوث البيئي بفعل الأسلحة المختلفة التي استخدمت من قبل نظام صدام في حربه ضد الجمهورية الاسلامية الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨).
بعبارة اخرى يمكن القول، ان قرا ر اليونسكو يقضي تلقائيا بضمان تدفق المياه الكافية لمناطق الأهوار، ومنع جعلها ميادين للحروب والنزاعات العسكرية المسلحة، ومنع القتل الجائر للحيوانات البحرية والبرية فيها، ومعالجة التلوث البيئي فيها، وتحويلها الى مرافق سياحية تتوفر فيها كل وسائل الراحة لمرتاديها من داخل العراق وخارجه.
ولاشك ان ذلك يرتب على الحكومة العراقية استحقاقات كبيرة والتزامات مهمة، حتى يكون لقرار اليونسكو اثر واقعي وعملي على الارض ولا يبقى حبرًا على ورق.
ومن بين تلك الاستحقاقات والالتزامات، تخصيص الموارد المالية الكافية لاصلاح الواقع الحياتي لسكان أبناء الأهوار، وبناء المرافق الخدمية والسياحية فيه، من قبيل مد وتعبيد الطرق المناسبة، وتشييد الفنادق والمنتجعات السياحية والأسواق والمطارات ومحطات النقل والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية، ورفع المستوى التعليمي والثقافي لسكان الأهوار. وطبيعي ان ذلك يتطلب تعزيز فرص الاستثمار، والاستعانة بالخبرات الخارجية.
ولا يختلف اثنان في ان تلك المهمة تبدو صعبة، وتقف دونها الكثير من العراقيل والمعوقات الفنية والمالية وحتى السياسية وتتطلب وقتا غير قصير لإنجازها، الا ان الانطلاق فيها وفق رؤى ومنهجيات وخطط علمية. ووفق سقوف زمنية، أمرا لا بدَّ منه، فحجم التدمير والتخريب الذي اصاب الأهوار الى امتداد عقود من الزمن كان كبيرا جدا، لذلك فان الإصلاح هو الاخر ينبغي ان يكون كبيرا وواسعا وشاملا، ولا بد ان يحظى بأولوية أساسية لدى الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة.
ولعل كل الجهود التي ستبذل، والاموال التي ستنفق لتطوير مناطق الأهوار ستساهم في خلق نهضة اقتصادية وسياحية وثقافية في مساحات تتجاوز ستة عشر الف كيلومتر مربع تضم كتلة سكانية كبيرة، ومئات الأنواع من الطيور والأسماك والحيوانات الاخرى، فضلا عن نباتات القصب والبردي وغيرها، فعملية التطوير ستوفر أعدادًا هائلة من فرص العمل، وستزيد من التواصل والاحتكاك مع مناطق الآهوار، وعلى نطاق أوسع سوف تكون مصدرا اخر من مصادر الدخل القومي للبلاد.
https://telegram.me/buratha