تحاول جبهة "النصرة" الارهابية_ فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا تلميع صورتها السوداء فيما يبدو أنها تهدف لتفادي أي تداعيات سلبية عليها في حال تم أي اتفاق سياسي مستقبلاً، معلنة على لسان مسؤول الجبهة الارهابي أبو محمد الجولاني إلغاء العمل باسم "جبهة النصرة" وتشكيل "جبهة فتح الشام"، مدعية أنها فكت ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وأن لا علاقة لـ"جبهة فتح الشام" الجديدة بأي جهة خارجية، مما يدل على عمق الازمة التي تتخبط فيها "جبهة النصرة" حيث تحاول الخروج من عنق الزجاجة بمحاولات يائسة لأن رصيدها المخزي والمهين والاجرامي كفيل بوصمها بالارهاب المستديم.
وقد ظهر الجولاني علناً لأول مرة في خطاب تلفزيوني مسجل بثته قناة "الجزيرة"، وقال:"نعلن وقف العمل باسم جبهة "النصرة" وتشكيل جماعة جديدة باسم جبهة "فتح الشام"، متوجهاً بالشكر الى "قادة تنظيم "القاعدة" على تفهمهم لضرورات فك الارتباط"، على حد زعمه. لكن وجوه الارهاب واحدة مهما تعدلت الاسماء، فالايدلوجية المبنية على سفك الدماء والبطش وشيوع خطاب التكفير لا يحدها فك ارتباط أو تغيير اسم المنظمة الارهابية، انما هناك غايات يبدو معرفتها ليس شائكاً في ظل التطورات الميدانية والسياسية السريعة التي تشهدها الساحة السورية.
ويأتي حديث الجولاني فيما تشهد الجماعات المسلحة ومن بينها "جبهة النصرة" تخبطاً في سوريا على كافة الصعد، في وقت يسجل الجيش السوري وحلفاؤه انتصارات ساحقة على المسلحين وليس آخرها احكام السيطرة على بني زيد ومعامل الليرمون في ريف حلب والسيطرة على كافة المزارع الجنوبية الشرقية لبلدة حوش الفارة في غوطة دمشق الشرقية.
وكان مهّد عدد من منظري "القاعدة" لخطوة خروج "جبهة النصرة" من مظلة تنظيم "القاعدة" الشكلية، علّ أبرزهم الأردني "أبو محمد المقدسي" الذي غرّد قبل أيام على موقع "تويتر" بالقول "كذلك مسمّى (جبهة النصرة) أو غيره إن صار عائقاً أو سبباً لاستهداف أهله فتغييره أو التنازل عنه ليس تنازلاً عن قرآن وفك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه".
والجدير ذكره أن "المقدسي" كان من أشد المعارضين لفك الارتباط، في حين اعتبر منظّر آخر لـ "القاعدة" ويدعى "طارق عبدالحليم" أن "النصرة بفكها الارتباط يعني نقض بيعة شرعية"، وهذا أمر يقربها من الردة.
وبرغم ذلك، حاول "عبد الحليم" تلميع هذا الأمر بقوله إن "هناك فرقاً ما بين نقض البغدادي بيعته للظواهري، وما بين "اجتهاد" يتفق عليه الجانبان"، قاصداً بذلك "جبهة النصرة" وقيادة تنظيم القاعدة"، داعياً إلى "عدم انشقاق عن الجبهة، مهما كان الموقف من القضية".
"هاني السباعي"، رأى، هو الآخر، أن فك الارتباط هو نقض لـ "البيعة"، و "أن مفسدتَها أكبر من مصلحتها"، وقال "إذا كان الارتباط مع "القاعدة" عائقاً أمام توحد الفصائل، لتتوحد من دون النصرة".
بالمقابل، المتزعم في النصرة "يوسف العرجاني" الملقب بـ "أبو حسن الكويتي" أشار إلى أن فك الارتباط "يمنع ذريعة قصف التحالف، ويمهد للتوحد والاعتصام، ويغربل الغلاة والمتحزبة"، فيما هاجم العراقي "ميسر الجبوري" المكنى بـ "أبو ماريا القحطاني"، المؤيد الأبرز لقرار الانفصال، منظري "القاعدة" في الخارج، وقال "أحبتي تغريداتكم تقتلنا، فتاويكم تفرقنا، بالله عليكم فكروا ملياً".
وانضم مؤخراً إلى معسكر مؤيدي الانفصال، القيادي المصري "شريف هزاع"، الذي اعتبر أن "فك الارتباط مع "القاعدة" لا بأس به، إذا كان "بالإتفاق مع الإمارة"، وإذا كان غير ذلك، فهو نقض لـ "بيعة"، لا يجوز".
وشهد موقع "تويتر" جدالاً واسعاً داخل صفوف "جبهة النصرة"، بين مؤيدين للإنفصال ورافضين له، إذ اعتبر عدد من أنصار القرار أن من "الغباء الاعتقاد بأن ما يحصل في سوريا هو بسبب "النصرة".
وكان زعيم النصرة "أبو محمد الجولاني"، قد أعلن، في مقابلته الأخيرة أواخر العام الماضي، رفضه فكّ الارتباط مع تنظيم "القاعدة"، وقال إن "النصرة لن تتنازل عن ثوابتها ومبادئها"، مضيفاً إن "الغرب يصنف الفصائل بناء على الفكر الذي تحمله"، مشيراً إلى أن "موضوع الارتباط بـ "القاعدة" لا علاقة له بقصف التحالف"، وهذا ما يتناقض مع التبريرات التي يسوقها الآن أنصار فك الارتباط داخل الجبهة.
زعيم القاعدة "أيمن الظواهري" حذّر "جبهة النصرة" في آخر كلمة له المُعَنْونة بـ "انفروا للشام" من فك ارتباطها بـ "القاعدة"، وسأل "هل سيرضى أكبر المجرمين عن "جبهة النصرة" لو فارقت "القاعدة"، أم سيلزمونها بالجلوسِ على المائدة مع القتلة المجرمين، ثم بالإذعان لاتفاقات الذل والمهانة، والرضوخ لحكومات الفساد والتبعية، ودخول لعبة الديمقراطية العفنة، ثم بعد ذلك يلقون بهم في السجن كما فعلوا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، وبالإخوان المسلمين في مصر".
إعلان "النصرة" انفصالها عن "القاعدة"، جاء بعدما خلت "الجبهة" من وجوه الرعيل الأول، الذي قاتل في أفغانستان مع القتيل "أسامة بن لادن"، وآخرهم، المتحدث الرسمي باسمها "أبو فراس السوري" الذي كان قتل في غارة أميركية، بقرية "كفر جالس" في ريف إدلب الشمالي في نيسان من العام الحالي، تحدثت حينها تنسيقيات عن علاقة تربط "أحرار الشام" بها، بخاصة أن الغارة أدت إلى مقتل المصري "رفاعي طه"، الذي قدِم إلى سوريا من تركيا حيث كان يبذل جهوداً لتوحيد "النصرة" و"أحرار الشام"، وسلك حينها المعابر التي تسيطر عليها الحركة.
وإذا صحّت الأنباء التي تفيد بمقتل المتزعم العسكري العام للجبهة "أبو همام السوري" في هذه الغارة، برغم إعلان مقتله في آذار العام الماضي، فإن هذه الغارة تكون قد قضت على أبرز وجوه "النصرة"، المشهورة برفضها فك الارتباط، و"أبو همام"، يعد من الرعيل الأول للقاعدة، وعمل مدرباً في افغانستان.
تنسيقيات المسلحين تحدثت سابقاً عن علاقة شخصية لـ "أبو محمد الجولاني" في تصفية عدد من المتزعمين الكبار، لا سيما منهم السعودي "عبد المحسن الشارخ" الملقب بـ "سنافي النصر"، إضافة إلى جماعة خراسان، التي ضمّت نخبة من متزعمي تنظيم "القاعدة"، والسوري "أبو محمد المسالمة"، وغيرهم، بعد التقارير التي كانت تُرفع إلى قيادة تنظيم "القاعدة"، تشكو سوء إدارة الجولاني لـ "الجبهة"، و"هدر الأموال".
وخلت "النصرة" من الوجوه البارزة، التي استقدمها "أيمن الظواهري" إلى سوريا بطلب من الجولاني، ليقاتل بها أمام تمدد تنظيم "داعش"، بعدما خسرت المعركة العسكرية معه.
خطوة فك الارتباط تثير العديد من التساؤلات، حول مصير الاجانب في بلاد الشام، الذين لم يلجأوا إلى "داعش" ابان فترة الخلاف، باعتبار أن مشروع "النصرة" هو إقامة ما يسمى "الخلافة الاسلامية" في سوريا، وفك الارتباط هو تخلٍ عن هذا الهدف، وقبول بمخرجات الاتفاقات الدولية بشأن الأزمة السورية.
مصير الأجانب، هو أولى العقبات التي قد تعترض خطوة فك الارتباط، لا سيما أن الحديث كان دائماً يتركز في الأوساط "الجهادية" عن اتفاق شبيه "باتفاق دايتون" الذي أخرج بموجبه المقاتلون الأجانب من البوسنة عام 1995، بعد حرب البوسنة والهرسك.
وهنا يكون "داعش" أول المستفيدين مما قد يحصل، على اعتبار أنه الوعاء الأمثل لتقبل هؤلاء "المهاجرين"، بخاصة الذين لم يقطعوا حبل الود معه، كـ "جند الأقصى"، على سبيل المثال لا الحصر.
وتتوخى "النصرة" من وراء هذه الخطوة تجنب دخول مواجهةٍ مع حركة "أحرار الشام" مع ما تمثله من دعم تركي، من دون أن نتجاهل أن لها حلفاء عديدين من باقي الفصائل. ووجهت الحركة رسالة، قبل أيام، إلى "جبهة النصرة" عندما هاجمت "جند الأقصى" في جبل الزاوية، وأنزلتها رغماً عنها تحت حكم "تجمع أهل العلم في الشام"، ويضم الأخير في صفوفه "مشايخ" ينادون بفك الارتباط، وأبرزهم "ميسر القحطاني"، "مظهر الويس"، "شريف هزاع".
القحطاني، واسمه "ميسر الجبوري"، عراقي الأصل، من أبرز الأصوات الداعية إلى فك الارتباط داخل جبهة "النصرة"، إضافة إلى "مظهر الويس" و"علي العرجاني"، الذين قاتلوا "داعش" في دير الزور ولكنهم اصدموا بالهزيمة. ومُذّاك، نقموا على قيادة جبهة "النصرة" بعد اتهامها بالتقصير في إرسال الامدادات لهم، كما نقموا على "السلفية الجهادية" التي تخلت عنهم في تلك المعارك، بذريعة أن "داعش" لا يجوز قتالها، كون مسلحيها "أخوة المنهج".
يشار الى أن عدداً من الجهات السعودية والأميركية شارك في تلطيف جبهة "النصرة" والتمهيد لمثل هكذا استدارة، عبر سلسلة من المحاور، وهي:
* تضخيم خطر "داعش"، إذ عمل الإعلام الغربي والعربي على مدى سنوات في التضخيم من خطر التنظيم، والترويج لجرائمه، والتغاضي عن مشروع تنظيم "القاعدة"، وذراعه الرسمي "جبهة النصرة".
* عمل العديد من الإعلاميين العرب، بخاصة النساء منهم، على تلطيف صورة جبهة "النصرة"، وتقديمها على أنها مجرد فصيل مسلح في سوريا يقاتل الدولة هناك، لا بل وتصويره على أنه المنقذ لسوريا، في بعض التغريدات التي كتبها إعلاميون على موقع "تويتر".
* عملت الولايات المتحدة مراراً على عرقلة المساعي الروسية بضرب جبهة "النصرة"، فقد كانت الإدارة الأميركية تعمل على تهيئة الظروف لمثل هكذا انفصال، وبالتالي فإن ما جرى الإتفاق عليه بين "جون كيري" و"سيرغي لافروف" في موسكو بشأن ضرب جبهة "النصرة"، بات الآن حبراً على ورق، فالجبهة التي جرى الإتفاق على ضربها، غيرت لونها، وباتت "معتدلة" وفقاً للتصنيفات الغربية.
https://telegram.me/buratha