قد يصاب المتابع للشأن العراقي بنوبة من الضحك والاستغراب الشديدين عند سماعه بإنجاز قضية فساد محورية كادت أن تطيح برأس هرم السلطة التشريعية في ساعة واحدة، لكن هذا ما حدث فعليا، حيث كانت هذه الساعة كفيلة بـ”تبرئة” رئيس مجلس النواب سليم الجبوري من قضية فساد كبيرة اتهمه فيها وزير الدفاع خالد العبيدي في جلسة استجوابه التي عقدت مطلع آب الحالي.
وفي غضون 60 دقيقة تقريبا من تصويت مجلس النواب على رفع الحصانة عن الجبوري بطلب منه، أعلنت السلطة القضائية الإفراج عنه وإغلاق الدعوى المقامة ضده من قبل وزير الدفاع، في حين أرجعت سبب ذلك إلى "عدم كفاية الأدلة المستحصلة”.
وكان العبيدي اتهم خلال جلسة برلمانية خصصت لاستجوابه في (1 آب 2016)، سليم الجبوري ونوابا من بينهم محمد الكربولي وطالب المعماري بممارسة عمليات ابتزاز لتمرير عقود تسليح تشوبها شبهات فساد تقدر بملايين الدولارات.
ووجه رئيس الوزراء حيدر العبادي على الفور هيئة النزاهة بالتحقيق في تلك الاتهامات والتعاون مع لجان التحقق البرلمانية بشأن الموضوع، فيما أصدر القضاء أمرا بمنع سفر رئيس البرلمان والنائبين محمد الكربولي وطالب المعماري والنائب السابق حيدر الملا، فضلا عن إياد الجبوري وهيثم قاسم شغاتي ومثنى عبد الصمد السامرائي، كـ”إجراء احترازي وفق القانون”.
واستمر الشد والجذب وتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية طيلة الفترة الماضية على خلفية ما ورد من اتهامات خلال جلسة الاستجواب التي أثارت جدلا واسعا لم يقتصر على الأوساط المحلية فحسب وإنما أخذ بعدا إقليميا ودوليا.
الجبوري "يدخل موسوعة غينيس”!
وغصت مواقع التواصل الاجتماعي بعدة تعليقات عكست حجم السخط الجماهيري على "سرعة” القضاء في حسم ملف الدعوى، في حين أطلق ناشطون مجموعة هاشتاغات انتشرت كالنار في الهشيم بموقعي تويتر وفيسبوك كان أبرزها "#القضاء_العراقي_مسيس” و”#المحمود_ايده_خفيفة” في إشارة إلى رئيس السلطة القضائية مدحت المحمود.
وكتب الصحفي حسن الشمري على صفحته في موقع فيسبوك أن "ساعة واحدة جعلت من رئيس البرلمان الجبوري يدخل مجموعة غينيس، حيث أنها كانت كفيلة برفع الحصانة عنه ومثوله أمام القضاء ومن ثم الإفراج عنه وغلق الدعوى لعدم كفاية الأدلة”.
وتساءل الشمري "هل أن تلك الساعة تختلف عن الساعات التي نعيشها يوميا؟ .. ماذا بشأن الملفات التي قدمها وزير الدفاع للقضاء هل يعقل أنها كانت كذبة؟”.
ويردف قائلا "في الحقيقة لم يكن الإفراج عن سليم الجبوري مستغربا فإن أغلب الذين يحيطون بدهاليز السياسة توقعوه لكن ليس بهذه السرعة”، مستدركا بالقول "الإفراج حتى وان كان قانونيا فإن ردة الفعل التي لاقاها سياسيا وشعبيا طبيعية لأن الآلاف من الأبرياء يقبعون في السجون لسنوات دون النظر في دعاواهم”.
فيما كتب المدون "أحمد السعدي” أن ابرز حدث مر به خلال الساعة التي تمت خلالها محاكمة رئيس البرلمان كانت تناوله طعام الغداء ومن ثم احتساء قدح من الشاي، ليفتح التلفاز فيشاهد إعلان القضاء براءة الجبوري، بحسب ما كتبه على صفحته في فيسبوك، ثم دعا أصدقاءه لكتابة ما مر بهم من أحداث خلال تلك الفترة.
قضاء وقدر!
ويقول الناشط والصحفي محمد النعيمي متهكما إن "ما جرى يوم أمس لا يعدو عن كونه مسرحية أخرى تضاف إلى مجموعة المسرحيات التي شهدتها الساحة العراقية طيلة السنوات الماضية لكن باختلاف الممثلين”، مستدركا "لنقل إن غلق الدعوى المقامة ضد الجبوري في 60 دقيقة مجرد قضاء وقدر”.
ويرى النعيمي أن "إجراء إصلاحات في السلطة القضائية كان وما زال مطلبا ضروريا وملحا نادت به الجماهير طيلة الفترة الماضية من أجل فك القيود التي فرضتها الكتل السياسية على القضاء حتى جعلته دون جدوى”.
من: مصطفى سعد
https://telegram.me/buratha