مجرد تحرك القوات المشتركة باتجاه إحدى المدن التي يحتلها داعش الارهابي بات كافياً لدفع مئات المدنيين فيها إلى خوض مجازفة الهروب من سيطرة التنظيم، على الرغم من مخاطر الرحلة التي قد تؤدي إلى حفلة إعدام جماعية يحدد عناصر التنظيم الارهابي مدى بشاعتها وأدوات تنفيذها، بعد أن سجلت تلك القوات انتصارات في جميع المعارك التي خاضتها ضد التنظيم منذ عام 2014، وأثبتت حرصها على حياة الأبرياء وممتلكاتهم.
مشقة الرحلة التي تصفها الأسر الناجية بـ"رحلة العودة إلى الحياة" لم تمنع مئات الأسر من قضائي الشرقاط والحويجة ونواحيهما والقرى المحيطة بهما من خوضها، بعد انطلاق عمليات تحرير مناطقهم في شهر حزيران من العام الجاري، ومن بينها أسرة أم أحمد العبيدي ذات الـ 65 عاماً التي قادت أبناءها وأحفادها إلى "سواتر النجاة" على طريق موت طوله 70 كيلومتراً، باتجاه شمال غرب كركوك، بعد 26 شهراً من معايشة جرائم داعش في الحويجة.
أسرة بلا معيل
أم أحمد العبيدي فقدت زوجها قبل ثلاث سنوات اثر انفجار عبوة ناسفة استهدفت القوات الأمنية على طريق كركوك - الرياض، (45 كم غرب مدينة كركوك)، لكن ذلك لم يحل دون استمرار الحياة في منزلها بإحدى قرى ناحية الرياض التابعة لقضاء الحويجة، (55 كم غرب مدينة كركوك).
وتبين ذات الـ 65 عاماً أن "أولادها الأربعة تولوا مسؤولية إعالة الأسرة بعد فقدان والدهم الذي كان يعمل في نقل الحبوب".
سيطرة داعش
وكنظيراتها في المناطق التي خضعت لتنظيم داعش الارهابي بعد العاشر من حزيران في عام 2014، فإن أسرة أم أحمد العبيدي ذاقت ويلات التنظيم وما صاحب سيطرته من معاناة إنسانية وظروف اقتصادية سيئة.
وتؤكد العبيدي، أن "تنظيم داعش الارهابي ارتكب جرائم بشعة يعجز عن وصفها اللسان خلال مدة سيطرته على قضاء الحويجة ونواحيه منذ أكثر من عامين، تتمثل بالتنكيل والقتل وتفجير المنازل وحرقها"، مبيناً أن "التنظيم سرق وهدم المباني الحكومية والمواقع الدينية، قبل أن يستغلها كمقار له".
جرائم التنظيم الارهابي لم تتوقف عند ذلك بل طالت ممتلكات وجهاء المناطق الرافضين لمبايعته من خلال مصادرة الأراضي الزراعية ونهب مقتنيات منازلهم، التي خصص لها أسواق لبيعها باعتبارهم "خونة ومرتدين"، لكن جريمته "الأكبر" تمثلت بحسب أم أحمد بـ "منع الأطفال والشباب من إكمال تعليمهم ومحاولته غسل أدمغتهم وتجنيدهم".
مواجهة الموت "عودة" إلى الحياة
تأزم الأوضاع في مناطق سيطرة داعش في شمال صلاح الدين وجنوب كركوك وغربيها بعد انطلاق العمليات العسكرية لتحرير تلك المناطق، دفع المدنيين إلى المجازفة بالهروب من مناطقهم باتجاه القوات المشتركة على الرغم من مخاطر مواجهة الموت على يد عناصر التنظيم.
وتشير الحاجة أم أحمد، إلى أن "أسرتها سعت مراراً للهروب من سيطرة تنظيم داعش الارهابي منذ أكثر من عام على الرغم من خطورة تلك المجازفة التي قد تؤدي إلى حفلة إعدام جماعية يحدد عناصر التنظيم مدى بشاعتها وأدوات تنفيذها"، مؤكدة أن "الأسرة حسمت أمرها أخيراً قبل ثلاثة أيام، بمواجهة الموت سوياً أملاً بالوصول إلى الحياة".
هروب الأسرة من قبضة داعش اقتضى التستر بظلام الليل والسير يومين من ناحية الرياض إلى حدود الحويجة قبل التوجه إلى حدود العباسي ثم قضاء الدبس شمال غربي كركوك، باتجاه مشارف مدينة كركوك، حيث توضح العبيدي، أن "الموت كان يتربص تلك الرحلة، التي كان يضطر فيها شقيقها وأولادها إلى الاختباء بين النساء عند مرور عجلة لتنظيم داعش الارهابي أو الاقتراب من نقطة تفتيش له".
سواتر النجاة
ارتفاع درجات الحرارة وشح الماء والطعام لم يمثلا عائقاً لرحلة ذات الـ 65 عاماً وأسرتها على مسافة 70 كيلومتراً قطعوها راجلين باتجاه شمال غرب كركوك، هروباً من قسوة ومرارة سيطرة داعش الارهابي التي خضعوا لها طوال أكثر من 26 شهراً.
وتروي أم أحمد لحظات اقترابهم من سواتر قوات البيشمركة في قرية كبيبه، التابعة لقضاء الدبس، (55 كم شمال غرب كركوك)، والتي مثلت "بر الأمان" لأسرتها، التي اقتربت من تلك السواتر محتمية برايات بيض وبراءة أطفال حملوا على الأكتاف، حيث استقبلتهم قوات البيشمركة قبل إرسالهم إلى أحد مخيمات النازحين.
مناشدات لتحرير مناطق جنوب كركوك وغربيها
مخيمات النازحين وعلى الرغم من كونها أماكن "غير مثالية" للمعيشة إلا أنها تبقى أفضل حالاً من العيش تحت رحمة داعش بآلاف المرات، كما تؤكد أم أحمد.
وتناشد العبيدي الحكومة المركزية بـ "الإسراع بتحرير مناطق محافظة كركوك التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش الارهابي، وبالخصوص قضاء الحويجة التي بات أهلها يفتقدون للماء والغذاء والدوام"، داعية إلى "إنقاذ الآلاف من أهالي مناطق جنوب كركوك وغربيها من المأساة التي يعيشونها وتأمين ممرات آمنة لخروجهم".
وكانت الجبهة التركمانية العراقية عدت، في الثامن من آب 2016، أن المواقف السياسية التي صدرت مؤخراً "لا تتناسب" مع حجم "الكارثة الإنسانية" التي يتعرض لها أهالي الحويجة، وفي حين دعت لإطلاق عملية تحريرها بمشاركة الجيش العراقي والشرطة والبيشمركة وأبناء التركمان والحشد العشائري التابع للقضاء، غربي كركوك،(250 كم شمال العاصمة بغداد)، عدت أن ذلك ينطوي على "رسالة وطنية" في ظل الأوضاع السياسية "المتردية" ويمهد الطريق لتحقيق "الانتصار الأكبر" وتحرير نينوى.
وكان المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أعلن في (الرابع من آب 2016 الحالي)، عن اختطاف تنظيم (داعش)، نحو 1900 مدني من قضاء الحويجة، بعد محاولتهم الهروب من سيطرته، وفيما بيّن شهود عيان أن الحويجة تعيش وضعاً إنسانياً مأساوياً، شدد المرصد على ضرورة قيام الحكومة العراقية والأمم المتحدة بالقيام بدورها لإنهاء هذه الأزمة وإغاثة أهالي القضاء.
https://telegram.me/buratha