شارل أبي نادر - عميد لبناني متقاعد
بداية ، ظهرت نقطة التواجد التركي في بعشيقة شرق الموصل كأنها نقطة عسكرية مستقلة ، هدفها تدريب مجموعات عراقية من ضمن عشرات المجموعات التي تقاتل داعش ، ولم يكن البشمركة حينها - المتعاطفين مع الاتراك على الاقل - معارضين لتمركز هذه الوحدة التركية الخاصة ، والتي اعتبروها من ضمن التحالفات الواسعة لمحاربة التنظيم الارهابي ، وان وجودها لن يكون الا مُنتجا و مُكَمِلا لتحقيق هدف محاربة الارهاب في العراق ، خاصة و انهم صوبوا حينها بان وضعها ليس مختلفا كثيرا عن وضع مكونات اخرى اتت من خارج العراق شرقا او غربا ، لدعم العراقيين في هذه المعركة .
لاحقا ، وبعد تبلور القرار السياسي العراقي نحو تحرير الموصل و محيطها ، بالرغم من التأخير والاعاقة الخارجية لهذا القرار ، حيث لعب الاميركيون من جهة والاتراك من جهة اخرى ، وبعد ان بدأت الوحدات العسكرية العراقية تتقدم نحو تضييق الخناق والطوق على داعش في الموصل من الشرق والجنوب ، وايضا من الغرب باتجاه الحدود مع سوريا ، بدأت تظهر اهمية نقطة بعشيقة العسكرية التركية في تأثيرها الحيوي عسكريا و ميدانيا وجغرافيا على معركة تحرير الموصل ، وبدأ يظهر الدور التركي وعبر هذه النقطة ، في اعاقة تقدم الوحدات العراقية ووحدات البشمركة الداعمة لها على ابواب الموصل شرقا ، وذلك من خلال السيطرة على النقطة الاكثر استراتيجية في هذه المعركة وحرمان الوحدات العراقية من امتلاكها واستعمالها وبالتالي حرمانها من نقطة ايجابية مهمة ، كانت ستشكل لهذه الوحدات نقطة ارتكاز ومراقبة وسيطرة مهمة في هذه المعركة .
كان التبرير التركي لاحتلال هذه النقطة الحيوية ، والذي عارضته سياسيا واعلامبا و ديبلوماسبا الدولة العراقية واغلب مكونانتها ، مع تهديدات واسعة بمواجهته عسكريا بقيت دون تنفيذ ، ان هذا التواجد وتحت عنوان محاربة الارهاب هو ايضا لحماية اقليات عراقية من اصول تركية من ارتكابات مرتقبة سوف تنفذها بعض المكونات المشتركة في المعركة ، وهي قصدت طبعا الحشد الشعبي العراقي .
هذا ايضا ما إنسحب لاحقا في غرب العراق على معركة استعادة تلعفر ومحيطها ، والتي هدفت منها وحدات الحشد الشعبي الى قطع التواصل الاستراتيجي لداعش بين الموصل ومحيطها وبين اماكن سيطرته الواسعة شرق سوريا في الرقة ودير الزور ، ومع تمكن هذه الوحدات من تضييق الخناق على تلعفر بعد طرد داعش من مطارها ، وبعد اقتراب تحقيق هدفها في قطع ترابط داعش في الموصل عن الحدود السورية العراقية ، برزت الاصابع التركية في اعاقة هذا التقدم ، وذلك من خلال التهديد بالتدخل لحماية اقليات قريبة منها ، و من خلال الضغط عبر دفع وحدات عسكرية تركية وتحشيدها نحو داخل الحدود مع العراق شمال سنجار وتلعفر ، وايضا من خلال حصول داعش من مصدر سريع وقريب وغريب ، على طائرات دون طيار، واستعمالها بشكل مفاجىء و مكثف بطرق متعددة ، منها الرصد الجوي ومراقبة تحرك الوحدات العراقية ، او اطلاق صواريخ موجهة مضادة للاليات ، او رماية قذائف مدفعية دقيقة الاصابة على وحدات الحشد الشعبي المتقدمة ، وبذلك تلعب حاليا هذه الطائرات الدور الاساس والوحيد تقريبا من الناحية العسكرية في تأخير اكتمال تنفيذ هدف الحشد الشعبي في تلك المعركة الاستراتيجية شمال غرب العراق .
هذا في العراق ، اما في سوريا ، فتركيا ايضا لم تكن بعيدة عن حماية داعش في اغلب معاركه حتى الان بمواجهة الاكراد و الفصائل المسلحة الاخرى ، وفي رعايتها لسيطرته السابقة على الشريط الحدودي ما بين جرابلس واعزاز لفترة طويلة بتسهيل وتواطؤ منها ، بحيث وهبته منفذا حدوديا واسعا ، شكل له الشريان الاساس في إدخال المقاتلين والاسلحة والتجهيزات الغربية المتطورة ، وايضا اشتركت وساهمت معه من خلال هذا الشريان الحيوي عبر اراضيها وموانئها في بيع النفط السوري والعراقي المسروق ، وتأمينه لموارد مالية مهمة كانت اساسية في معركته .
من ناحية اخرى ، تظهر تركيا حاليا امام المجتمع الدولي والاقليمي وكأنها رأس الحربة في محاربة داعش في الشمال والشمال الشرقي السوري ، ولكن من خلال تحليل علمي ميداني دقيق لاغلب معارك السيطرة على التنظيم وطرده من تلك المناطق ، يظهر التواطؤ بين الاثنين وذلك عبر معارك وهمية اقرب لتمثيلية ولعملية تسلم تسليم بين مجموعاتها المسلحة تحت اسم درع الفرات وبين وحدات داعش ، خاصة في جرابلس وفي دابق ، حيث إنخرط اغلب عناصر الاخيرة بوحدات درع الفرات هذه ، بعد خلعهم ثياب التنظيم وحلق لحاهم والتطوع للتقدم مع هذه الوحدات نحو تنفيذ مسرحية اخرى في موقع آخر من مواقع داعش ، وكل ذلك من ضمن هدف خفي محدد وحيد ، الا وهو سباق الجيش العربي السوري او الوحدات الكردية للسيطرة على اماكن انسحاب التنظيم الارهابي في هذه المسرحية ، الاميركية العنوان والتركية الاخراج و الداعشية التنفيذ .
انه نفسه النفاق الاميركي والكذب والغطرسة التركية ، من خلال خلق ورعاية الارهاب وتسهيل تمدده وانتشاره من جهة ، واستغلاله لتنفيذ مخططات ومشاريع مجرمة من جهة اخرى ، في تفتيت الدول وتقسيمها وتبديد وسرقة ثرواتها ، دون الاخذ بعين الاعتبار لاي مبدأ من مبادىء القانون الدولي او حقوق الانسان او سيادة الدول ، وكل ذلك تحت عنوان واسع وخبيث اسمه " التحالف الدولي لمحاربة الارهاب
https://telegram.me/buratha