نشوان محمد حسين
هل ثمة واعٍ يمكن أن يصدق أن اميركا تريد ما تدعيه من إقامة ديمقراطية سواء في سوريا أو من حرص على حماية المدنيين! وإذا فرضنا جدلا أعورا يمكن أن يسلم بهذا.. فأي ديمقراطية تلك التي تريدها ؟ هل تشبه تلك التي حظي بها العراق في السنوات الماضية !؟.
ما تريده اميركا في سوريا يخبرنا به التاريخ السياسي للولايات المتحدة وتحديدا ذلك الذي يخص التدخل لنشر «الديمقراطية» في دولٍ أخرى.
فعلى سبيل المثال خططت المخابرات الأميركية لانقلاب الجيش في البرازيل العام 1964على حكومة «خواو كَولارت» المدنية المنتخبة والتي استلمت السلطة عام 1961.. كان انقلابا نازيا دمويا فتح الباب لمرحلة كارثية في تاريخ البرازيل.. حيث لم تستطع أميركا أن تتحملالإصلاحات الاقتصادية لهذا الرئيس والتي زادت من معدلات دخل المواطن البرازيلي وحسنت أحواله المعيشية وهذا بالطبع تسبب بخسائر لشركاتها التي سبق وان أكلت ثروات البرازيل بانقلاب سابق !.وكانت نتيجة حكم حلفاء اميركا « الديمقراطيين» ملايين القتلى والجوعى والمشردين وكان موقع البرازيل العالمي في التنمية البشرية(صحة وتعليم وسكن .. ) في العام 1990 أن تحتل المرتبة الثمانين !
كذلك الحال في فنزويلا حيث دعمت اميركا انقلابا ضد حكومتها الشرعية سنة 1949 بقيادة الجنرال «بيريز خمينيز» الذي كانت فترة حكمة فترة رعب وخراب اقتصادي ولكن ليس كذلك بالنسبة للشركات النفطية الأميركية قبل أن يستقبله الرئيس الأميركي أيزنهاور ويمنحه جائزة « فرقة الشرف» ليأتي على غرارها بعد ثلاث عقود منح الرئيس ريغان لقاء «شرف» لزعماء القاعدة الأفغان..!
لم يكن الحال مختلفا بل كان أسوأ في بلدان مثل «بوليفيا والمكسيك».. أما في «غواتيمالا» فالصراعات امتدت لسنوات طويلة جسدت خلالها اميركا أبشعأنواعالإبادة والاستغلال وكانت سرعان ما تلجأ إلى الانقلاب للإطاحة بالديمقراطية ففي الوقت الذي كانت تستعد البلاد للانتخابات سنة 1963 أدركت اميركا أن الفوز سيكون من نصيب مؤسس الديمقراطية والحكم المدني «خوان خوسيه اريفالو» فقطعت الطريق عليه ومنعت مشاركته ليفوز مرشح آخر سبق وان اختارته! أما ما حدث في تشيلي من تخطيط ودعم لانقلاب 1973 وما ترتب عليه من إبادة للحكومة الشرعية المنتخبة ولكل المعارضين المدنيين يبقى علامة مخزية في تاريخ الولايات المتحدة.
وإذا انتقلنا إلىإفريقيا فقد دعمت اميركا انقلاب موبوتو في زائير سنة 1965الذي مارس اشد انواع البطش والقسوة.. ويبقى موقفها من دعم أبشع نظام عنصري لا إنساني في إفريقيا من أخزى الأفعال السياسية. في آسيا وفي بلد مثل العراق حشدت اميركا العالم مرتين لإزالة نظامه السياسي بعد أن أشركته في حروب طويلة.. هذا النظام هي من جاءت به في انقلاب دموي سنة 1963 على حساب حكومة وإن لم تكن منتخبة ولكنها كانت تحظى بشعبية وقبول جماهيري جيد... أما في أندونيسيا فكانت اكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث صمت عنها العالم الغربي لعقود وما زال يصمت.فبعد الاستقلال سنة 1945 وتولي السلطة الحزب القومي الاشتراكي بقيادة سوكارنو استطاعت أندونيسياأن تحقق طفرات اقتصادية على مستوى الدخل وتحسن أحوال المعيشة الأخرى ومع تواصل الإصلاحات الاشتراكية على حساب الشركات الأجنبية خططت الولايات المتحدة لانقلاب 1965 بقيادة الديكتاتور «سوهارتو» الذي دعمته اميركا بكل قوة خصوصا في تقوية الجيش ولتدخل البلاد سلسلة من المذابح بحق المعارضين خصوصا من الفلاحين ليصل إلى ما يقارب المليون ضحية!! وقد كانت المخابرات الأميركية تقوم بتسليم أسماء المعارضين الشيوعيين وحتى عناوينهم إلى الأمن الاندونيسي لتتم تصفيتهم.
ولعل اغرب الانقلابات التي تلقت الدعم من أميركا هو الانقلاب الذي حدث في البلد الآسيوي المدلل كوريا الجنوبية وتحديدا عندما قام الجنرال «تشون دو هوان» بانقلاب عسكري نهاية العام 1979 وليعلن الأحكام العرفية وتعطيل كافة أشكال الحياة الديمقراطية السياسية قبل أن يسحق المتظاهرين بدموية عالية في أماكن عدة خصوصا في مدينة «كوانجيو» سنة 1980 واكتملت صدمة الكوريين عندما طلبوا تدخل القوات الأميركية الموجودة في بلدهم لصالح الحركة الديمقراطية فإذا بها تتدخل لصالح الجنرال الذي حظي أيضا بمئات الملايين من الدولارات! أميركا هي مهندسة الانقلابات المحطمة للديمقراطية.. الانقلابات التي لم تزد الشعوب على مدى قريب أو بعيد سوى الموت والبؤس.. اميركا ترسخ الديمقراطية في بلدٍ ما ووفق طريقتها فقط حين يضمن مزيدا من الإرباح لشركاتها... والدكتاتوريات اقرب إليها من أي ديمقراطيات أخرى إذا حققت ذات الربح.. خذ مثلا النظام السياسي في السعودية فهو في شكله ابعد ما يكون عما تدعو إليه أميركا لا بل أن اغلب الشعب الأميركي يرى فيه عدوا فكريا ولكن انظر كيف تبنته وحافظت عليه لعشرات السنين.
ثمة من سيعترض على كثير مما ذكرته ويقول لي بشكل أو بآخر إن اليابان وألمانيا قد تحولتا إلى أفضل الدول تطورا بفعل السياسة الأميركية .. وسأقول له إن هذين البلدين كانا صناعيان قبل دخول اميركا إليهما بل أن الألمان كانوا متفوقين على الأميركيين في مجالات عدة قبل 1945 فضلا عن أن حقبة الصراع مع السوفييت فرضت على الأميركيين الاعتناء كثيرا بهما مثلما فرضت عليها لعبة التوازنات العناية بكوريا الجنوبية.
https://telegram.me/buratha