التقارير

عشاق «الفيس بوك» العراقيون.. انفعالات أكثر واقعية في عالم افتراضي

2338 2017-02-16

عدنان أبوزيد
كان محمد العبيدي( 19 عاما) قلقا حين وطأت أقدامه الأرض الهولندية، في أواخر 2016 مع أسرته المؤلفة من أربعة أشخاص، وحين تمكّن خلال يومين من إتمام التواصل الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع أصدقائه في العراق، اطمأن الى حاله، وغمرته السعادة، وانقشعت غيوم الهموم في فضاءاته.
وبلغت سعادة العبيدي اقصاها، حين رأى إن الصور ومقاطع الفيديو التي يتبادلها مع أصدقائه تتقافز بسرعة صاروخية بفضل خدمات النت الجيدة، ليزداد الوقت الذي يقضيه على النت، حتى ماعاد يعبأ لإجراءات إكمال طلب اللجوء المرتقبة، مهما طالت، طالما وجد ضالّته في التواصل
الرقمي.
يقول العبيدي:
« لم اعد اشعر بالاغتراب فعلا، وأنا طوال الوقت على تواصل بالصوت والصورة والنص مع أصدقائي في العراق، وارصد فعالياتهم لحظة بلحظة، ويطلعونني على التطورات هناك، فيما أُرسِل لهم تفاصيل عن حياتي الجديدة في
 هولندا».

أنا «عاشق»
ويوضح العبيدي: اذا سألتني أقول لك أنا»عاشق» لمواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما «فيس بوك» انه نافذتي على العالم ومن خلاله أصبحت معروفا بين الأصدقاء والمتابعين، وعبر نوافذه الرقمية، أتواصل معهم في داخل الوطن وفي خارجه».
وأردف قائلا، وهو يحمل جهاز «آي باد»:
« لقد أصبح العالم عائلة واحدة كما ترى، بفضل تقنيات التواصل الحديثة، وصرت فردا كونيا لي علاقات في كل مكان في العالم، على رغم اني لم استقر الى الان، اذ مازلت إلى هذه اللحظة، احمل صفة باحث عن
 اللجوء».وهكذا ينسى العبيدي قلقه المشروع، بسبب مرحلة طلب اللجوء الانتقالية، منشغلا بعالم افتراضي، يشغل يومه بمشاريع العلاقات البينية، واحاديث لاتنضب عبر الفضاء الرقمي. وواقع الحال،ان العراقيين لاسيما فئة الشباب، أدمنت الهواتف المحمولة، وأجهزة الحواسيب وكل ما من شأنه يديم التواصل، في ظاهرة لاتختلف عن مثيلتها في اغلب دول العالم، التي بدأت ترصد حالة جديدة من العاطفة الجمعية، تشبه في أعراضها حالات الإدمان على شيء ما».

علامات الحنين
ففي جامعة ماريلاند اكتشف باحثون في أواخر 2016، وفق رويترز، إظهارالكثيرمن الطلاب،علامات الحنين الى وسائل الاعلام، وأجهزة التواصل، فيما اذا انقطعوا عنها.
وقالت سوزان مولر مديرة مشروع الدراسة وأستاذة الصحافة في الجامعة:
«إن العديد من الطلاب كتبوا عن كيفية كرههم لفقد أجهزة التواصل الإعلامي، التي ساوى البعض بينها وبين العيش بدون أهل وأصدقاء».
وقال أحد الطلاب «أنا مدمن بشكل واضح، ومن دون مواقع التواصل، أصاب بالغثيان،مضيفا ما بين امتلاك جهاز بلاك بيري، وكمبيوتر محمول، وتلفزيون، وجهاز أي باد.. أصبح الناس غير قادرين على التخلي عن وسائل التواصل الرقمي».
وفي العراق، يجري الأمر على ذات الشاكلة، فيقول الطالب الجامعي وسيم باسم، الذي حاورته «الصباح» عبر الـ»فيس بوك»:
« ان العيش من دون رسائل نصية وتدوينات رقمية يومية،عبرالفيسبوك الاجتماعي، بمثابة فقدان لحاجة ثمينة، ويتسبب في فقدان الشهية لمتابعة يومه».واعتبر باسم إنّ اغلب أصدقائه، ينقطعون عن العالم الواقعي، وينسحبون الى مثيله الافتراضي في الكثير من أوقات
 اليوم.
ولا غرابة من وصف العلاقة الوثيقة بين الناشطين ووسائل التواصل الاجتماعي، بانها نوع من»العشق» الذي يصعب تمييزها عن
 حالة «الإدمان».
شهادة حية من أديب
الشاعر والكاتب جبار الكواز يقول لـ»الصباح»:
« ان عالم الفيس بوك، غرائبي، يأخذ بتلابيب المساهم والمتابع لأنه يكشف الأكوان العلنية والسرية للحياة بكل تفاصيلها وزواياها، حيث المتابع يقف إزاءها وهو مندهش من تنوع أساليبها وانفتاحها وانفراطها وانغلاقها، فصار المشهد يمور بكل تناقض اوتواصل، وهاتان الميزتان هما سر تمسك الجميع به، الى حد الإدمان».
ويستطرد الكواز:
 « شخصيا، عشت هذه الحالة لمدة زمنية قصيرة ألا إنني تماسكت، معتبرا هذا العالم الافتراضي، يحمل في طياته السلبيات والايجابيات معا، لكن استعمالنا له في العراق تغلّبت عليه، النتائج الوخيمة بين الكثير من الناشطين والمتابعين، بسبب قلة الوعي».
 ويعّدد الكواز، النواحي السلبية لاستخدام الصفحات التفاعلية في العراق، فيقول:
 «لم يكن الغرض من ابتكار العالم الافتراضي بكل صوره،استعراض الأمجاد شخصية، ولفعاليات الخاصة جدا مثل موائد الطعام، أو الاستفزازات المتبادلة في المشاعر، وهذا السلوك هو الذي صنع هذا الإدمان،فلا يتمكن العراقي من التعبيرعن آرائه بكل حرية وبلا حدود، لكن السحر انقلب على الساحر، فصار الفيس بوك لوحة ضوئية لعالمنا السفلي في اكثر مفاصله، وانزوت النشاطات الأخرى على استحياء أمام بهرجة الصور والإحداث والأفلام التي ما عدنا قادرين على كبح جماحها».

حالة «العشق»
وفيما يؤكد مدوّنون حاورتهم «الصباح» انهم هجروا التلفزيون والكثير من الفعاليات الاجتماعية اليومية، الى تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وان حالة»العشق» قادتهم الى ضرورة اقتناء الآلة المطلوبة للتواصل، لاسيما التلفون او الحاسوب، بأي ثمن.وإذا كان بلد مثل العراق لا يعبأ للتطورات الجديدة في الحالة النفسية الجمعية والعاطفية للمجتمع، لاسيما الشباب، فان دولا مثل الولايات المتحدة افتتحت مركزاالعام 2016 يدعى (ريستارت) لمعالجة الاستخدام المفرط للإنترنت وإلعاب الفيديو واستخدام الرسائل النصية، بالقرب من منطقة ريموند بولاية واشنطن، وهي المنطقة التي يقع فيها مقر شركة مايكروسوفت، عملاق
 البرامجيات.ولم يكن هذا العشق لوسائل التواصل الاجتماعي، حالة تعبير عاطفي عابرة، ليس لها تأثير في الواقع، بل على العكس تماما، فقد تمخضت عن نتائج وجّهت مجرى الأحداث، نحو مقاصد الناشطين الرقميين التي عبروا عنها، في دعوات احتجاج وتظاهرات او انتقادات الى الجهات المعنية بالعدول عن قرارات، وسياسات.ولم يكن هذا الأمرعفويا، فلولاهذه العلاقة الوثيقة بين المجتمع والتواصل الرقمي، لما تمخّض عن نتائج عملية تؤثر في الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بل أن التواصل الافتراضي، بات هو المحرك للواقع، وملبيا لحاجاته، كما الحال في عودة الشاعر والمدوّن والناشط الباكستاني سلمان حيدر، الذي اعتُقل لنحو 22 يوما لنشره انتقادات للجيش على مواقع التواصل،بعد ان فعل هاشتاج «حرروا سلمان حيدر» الافتراضي، فعله في الواقع، بفضل ملايين التدوينات لعشّاق التواصل. وفي لحظة فرح، قال مدوّن باكستاني «بعد أن تحقق الإفراج عن حيدر، اعتبر نفسي عاشقا للتواصل الاجتماعي، ومدينا له بالحب
 الأبدي».

التعّود وليس الحب
ويقترب الكاتب المسرحي، والإعلامي رحيم العراقي، من رسم دقيق للعلاقات الإنسانية «الافتراضية» فيقول :
«ربما يكون هو التعوّد وليس الحب، فهما ينشآن لأسباب متشابهة،أو للسببين معاً، والحب الذي يسفرعن التعود يبدو أقوى جذورا وأعمق محتوى، فيما التعود لا ينشأ عبثا أو دونما مغزى، لأننا نلتقي في الحياة بأشخاص كثيرين لكننا نتعود على واحد، فكيف بصفحة تجمع الأحبة والأصدقاء والزملاء، وكل المشارب والآراء، لذلك ينشأ التعود بعد اللقاء بمن يشبهونك في الرؤية والهوايات والفكر والمعتقد، فيكفونك عناء الشرح والدفاع عن أفكارك، رغم وجود من يختلفون معك، فيكونون نافذة لإفراغ الغضب والكبت».ويوضّح العراقي بان «ثمة عبارة موحية في رواية ممثل الكوميديا جراهام جرين مفادها التالي: (في حياة معظم البشر لحظة يمكن أن نسميها نقطة اللاعودة.. ولكن أكثر الناس لا يستطيعون أن يلحظوها في حينها)».
فيما يسأل المصور الفوتوغرافي العراقي المقيم في السويد، سفيان الخزرجي،أصدقاءه في التواصل الاجتماعي:
 «لماذا مازلتم الى هذه الساعة المتأخرة في الليل؟، أهو الأرق،أم الملل،أم الإدمان؟،وهي أسئلة تفصح عن أوجه كثيرة في تفسير علاقة الانسان بمواقع التواصل الاجتماعي».
وفي نسق يتّفق مع آراء رحيم العراقي، يكشف الناشط في الصفحات التفاعلية،وليد الطائي لـ»الصباح»:
جوانب من المحتوى الرقمي العراقي على الانترنيت، وكيف نجح عشاق التدوين في «فيسبوك» والتغريد في «تويتر» من إغنائه عبراستغراقهم الطويل في الأفكار التفاعلية، فيقول:
 «فيما يتعلق بالشأن العراقي، ابدى المدون قدرة في طرح قضايا إنسانية وسياسية واجتماعية، واصبح التواصل الاجتماعي نافذة عملية لتبادل الأفكار، ومتابعة اخبار الحرب على داعش، وكل ذلك لم يكن ليحصل لولا علاقة ترسخت مع العالم الافتراضي، الذي اصبح فرصة للتعبير عن الواقع، من جانب، وممرا لتفريغ شحناته السلبية الناجمة عن تفجيرات، وظواهر اجتماعية
، وصراعات»..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك