لوحة رقمية تضجّ بألوان وحسابات شتى متسارعة، قد تمسك لوهلة برقاب وأعين مترقبة في قاعة تداول متوسطة الحجم يفصلها حاجز شفاف عن مكاتب شركات التداول في الداخل.
هذه صورة مختصرة لسوق العراق للأوراق المالية (البورصة) الذي يكتظ برجال كبار في السن ويسجل حضوراً نادراً للمرأة. هذا السوق بدأ التداول به يدوياً بعد التغيير في 2003، مقتصراً على مشاركة أسهم 15 شركة فقط، قبل أن يعرف نظام التداول الالكتروني لأول مرة عام 2009، لتقفز مؤشرات التداول فيه بنسبة ٥٠٪، وينفتح على المستثمرين الأجانب أيضاً في العام 2017.
البورصة العراقية، مثل كل بورصة أخرى، عالم رقمي لا يأبه بغير أسراره المالية وإن تهاوت عروش، بل لا يركن الى الراحة إلا حين يسدل الستار معلناً انتهاء العرض فيه.
لم يزل المساهمون في هذا السوق، يشكّكون في امكانية أن تنافس نظيراتها في دول المنطقة، لاسيما البورصات الخليجية، على رغم من الزيادة المتحققة في تداولاتها في العام 2016 مقارنة بالأعوام السابقة، لكنهم أيضاً يدركون التحديات الكبيرة التي تواجههم في هذا السوق بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد، متطلعين الى عدم تعديل قوانين قائمة أو تشريع قوانين جديدة تدعم الاقتصاد، بحسب رؤية خبراء في شؤون التداول.
خليل موزان، وهو أحد المساهمين في سوق العراق للأوراق المالية، يؤكد لـ(المدى)، أن البورصة العراقية على الرغم من سعيها لطرح اكبر عدد من الأسهم للتداول والوصول الى مراحل متقدمة من الأرباح، إلا أن هنالك الكثير من المنشآت من القطاعين المختلط والعام، لم تطرح أسهمها في البورصة العراقية، بسبب النقص في ثقافة التعامل وعدم الثقة بالبورصة، وهو يبدو على نحو واضح، متشككاً في امكانية أن تنافس البورصة العراقية البورصات الخليجية بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد والمنطقة.
ويلفت موزان، الى أنه مع قرب افتتاح بورصة أربيل، "يجب أن تكون هنالك بورصة في الجنوب.. أن تكون في البصرة، مثلاً، لكونها مدينة كبيرة بحجمها الاقتصادي"، ويضيف "يجب أن يكون هناك توازن بالتعامل المالي في البورصات العراقية".
ويبدو أن الوضع مختلف لدى جمال عبد اللطيف، وهو مساهم آخر في البورصة، إذ أنه يرى أن الخوف لدى المساهمين في البورصة العراقية ليس كبيراً، كما هو موجود في البورصات العالمية، متابعاً القول، "نحن نراقب السوق بشكل يومي ونتطلع الى صعود وانخفاض الأسهم، ولا يوجد لدينا خوف، حيث أن اغلب الشركات الموجودة في السوق مكشوفة في تعاملاتها، بمعنى أن عملها معروف لنا، وبالتالي فإن الصعود والانخفاض ليس بالأمر المقلق".
وبينما يراقب عبد اللطيف اللوحة الرقمية داخل السوق يؤكد لـ (المدى)، إن عدم ارتباط العراق بأسواق عالمية وعدم تأثر بورصة بغداد بشكل مباشر بما يدور في العالم، يجعلان حجم المخاطر قليلاً، "لكن أيضاً فإن انخفاض أي سهم سيخلق بالتأكيد، مخاوف كبيرة عند بعض المساهمين"، ويضرب لذلك مثلاً بقوله " عندما خرج مصرف الوركاء من التداول بشكل مفاجئ بسبب فرض وصاية عليه من قبل البنك المركزي، فإنه قد تسبّب لكثير من المساهمين بكارثة حقيقية، حتى أن بعضهم تعرض لأزمات قلبية أقعدته الفراش".
من جهة أخرى، ينوّه المدير التنفيذي لسوق الأوراق المالية العراقية، طه أحمد عبد السلام، في حديث لـ(المدى) الى استمرار السوق بالتداول بقوة رغم الظروف الأمنية التي أحاطت بالعراق منذ العام 2003 حتى الآن، مشيراً الى وجود ٣٠ صندوقاً استثمارياً اجنبياً في الوقت الحالي، بينما لا توجد صناديق استثمارية عراقية.
يقول عبد السلام، إن مؤشر السوق بدأ بالارتفاع نهاية العام 2016، حيث بلغ حجم التداول تريليون دينار وهو الأكبر خلال السنوات الماضية، مضيفاً، أن مؤشرات التداول قفزت الى ٥٠٪ بعد استخدام النظام الالكتروني، ومع أن عدد الشركات المدرجة لا يتناسب مع حجم الناتج القومي الاجمالي، لكن التداول عبر النظام الالكتروني سيستمر بشكل انسيابي، مؤكداً في الوقت ذاته على اهمية أن يجري تأسيس شركات مساهمة جديدة،.
عن عمل السوق، يلاحظ عبد السلام، أن الشركات المصرفية هي الأكبر في سوق الاوراق المالية، حيث تصل حصة المصارف الى ٦٥٪ من عدد الأسهم المدرجة، وهو يرى أن المصارف تحتاج الى توسيع في اعمالها، خاصة بعد إلزام البنك المركزي لها بطرح اسهمها، منوهاً، بوجود ستة مصارف تنتظر الإدراج في السوق وأخرى امتنعت عن الإدراج في السوق خوفاً من الإفصاح.
الخبير المالي والمختص بشؤون تداول الأسهم صباح عبد الحق، يقول في حديث لـ(المدى)، أن هنالك الكثير من العقبات تواجه تقدم البورصة العراقية، من بينها بطء النمو الاقتصادي في البلد، فضلاً عن عدم تعديل العديد من القوانين التي تدعم الاقتصاد كقانون سوق رأس المال وقانون التعرفة الجمركية، اضافة الى غياب تشريعات اقتصادية ضرورية، كقانون حماية المنتج وقانون تنظيم عمل الشركات، وهي قوانين تسبب غيابها هجرة كبيرة لرؤوس الأموال، فأصبحت البيئة الاقتصادية في العراق طاردة للاستثمار، الأمر الذي سبب حرجاً في بعض الأوقات لحجم التداول في البورصة العراقية، كما يقول عبد الحق.
يتابع الخبير المالي قائلاً، أن اﻷزﻣات الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي، هي الأخرى كان لها الأثر الكبير والواضح على تدني مستوى تداول الأسهم في البورصة العراقية، كما سبّبت تخوفاً لبعض الشركات العالمية من الدخول في البورصة العراقية.
ويعود تاريخ العمل في سوق العراق للأوراق المالية، الى أوائل تسعينيات القرن الماضي، حيث كان يطلق عليها اسم بورصة بغداد، وكانت تديره وزارة المالية العراقية آنذاك، وبعد العام 2003 أغلقت البورصة، إلا انها عادت وافتتحت أبوابها من جديد بعد صدور القانون 74 لسنة 2004، تحت اسم "سوق العراق للأوراق المالية" الذي تديره هيئة الأوراق المالية.
ويعد السوق مؤسسة منظمة تنظيماً ذاتياً مستقلة إدارياً ومالياً، لا يهدف الى الربح وتعود ملكيته للأعضاء، ويدار من قبل مجلس المحافظين، وله الحق في تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة، وبضمنها العقارات، كما يلتزم بتعليمات هيئة الأوراق المالية طبقاً لقانون الأوراق المالية المؤقت.
https://telegram.me/buratha