في الأشهر الأخيرة، كان السياسيين الإسرائيليين واعضاء الحكومة برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فضلا عن كبار معلقي وسائل الإعلام الوطنية ومسؤولي الأمن، يتحدثون عن احتمال التقارب مع الدول العربية السنية.
وقال نتانياهو في كلمته أمام الكنيست بمناسبة مرور أربعين عاما على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات إلى اسرائيل، أن "التعاون مع قيادة الدول العربية السنية بلغ مستويات غير مسبوقة"، وأضاف أن "المشكلة ليست مع القادة وإنما مع الجمهور فالرأي العام في العالم العربي لا يزال مناهضا لإسرائيل".
ويشيد المعلقون في وسائل الإعلام بمزايا العلاقات مع المملكة العربية السعودية ويدعون الحكومة الإسرائيلية إلى قبول المبادرة العربية المدعومة من السعودية لتحقيق ذلك، ومع ذلك، فإن السياسيين والمسؤولين والمعلقين على حد سواء حذفوا من تحليلاتهم أكبر دولة عربية شرق إسرائيل، وهي العراق.
لماذا تتجاهل إسرائيل العراق؟
حتى عام 2003، تعتبر إسرائيل العراق تهديدا أمنيا كبيراً، ومع سقوط صدام حسين، تم تجاهل العراق باعتباره تهديدا رئيسيا وبطبيعة الحال، فقدت مصلحة إسرائيل فيه، على المستويين الأمني والسياسي، على نحو ما، ولا يزال التفكير الإسرائيلي المفروض على الأمن قائما مع التركيز على العراق بوصفه مهد الإرهاب الإقليمي.
أضف إلى ذلك أن إسرائيل تعتبر العراق جزءا لا يتجزأ من حيز النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط العربي الذي يزعم أنه يمتد من طهران إلى بيروت وغالبا ما يشار إليه باسم "الهلال الشيعي" أو "الجسر البري" الإيراني.
إن صانعي القرار الإسرائيليين، فضلا عن عدم اهتمام المعلقين بالتطورات السياسية في العراق، يقودهم إلى المبالغة في النفوذ الإيراني في العراق ويفقدون اتجاهات بديلة.
وهناك رأي آخر سائد لدى العديد من الإسرائيليين، انطلاقا من مفهوم آخر، هو أن العراق ليس "دولة قابلة للنمو"، وغالبا ما يوصف العراق بأنه "دولة فاشلة" أو "دولة مصطنعة" أو "دولة انهارت" أو مزيج من كل تلك الثلاثة، وإن الارتفاع السريع في الظهور الذي شهده تنظيم داعش في عام 2014، والذي توج باحتلال ثلث أراضي العراق الذي طمأن الكثير من الإسرائيليين بصحة تلك الصورة، حتى الانتعاش العسكري السريع والمثير للإعجاب للدولة العراقية والعسكرية منذ عام 2015 فشل في إقناع الإسرائيليين بأن العراق هو بالفعل دولة قابلة للنمو.
ان معظم الإسرائيليين يفضلون الاعتقاد بأن التحالف الأمريكي هو من هزم تنظيم داعش وليس القوات المسلحة العراقية، أو على الأقل قدم الدعم العسكري والمساعدة التي جعلت كل شيء ممكنا.
إسرائيل لينة وناعمة مع الأكراد
في نهاية المطاف، أعرب السياسيون الإسرائيليون من جميع الطوائف السياسية عن تأييدهم المتحمس للتطلعات الكردية للاستقلال، وحول الاستفتاء الكردي الذى وقع في 25 أيلول الماضي، حث بعض كبار السياسيين الاسرائيليين، الاكراد على اعلان الاستقلال فوراً، وهذا بطبيعة الحال أثار القلق في العراق وتساءل عن حكمة هذه السياسة في أماكن أخرى. وكان الغرض من هذه السياسة في المقام الأول لكمة للخصوم الإقليميين مثل إيران وتركيا، ولكن مرة أخرى، لم تؤخذ في الاعتبار آثار هذه السياسة على العراق، البلد الأكثر تضررا من الاستفتاء.
ومع ذلك، فإن شرح هذه السياسة الاسرائيلية المؤيدة للكرد فقط من الناحية الاقليمية هو خطأ. وإن المشاعر والمواقف المؤيدة للأكراد منتشرة على نطاق واسع في أجزاء كثيرة من المجتمع الإسرائيلي. ويثير الكثيرون الى الفترة القصيرة من الدعم العسكري الإسرائيلي للميليشيات الكردية في الستينيات وأوائل السبعينيات، ولا يزالون ينظرون إلى الأكراد على أنهم "أعداءُ أعدائنا"، وبالتالي "أصدقاؤنا". وتوجد لوبيات مؤيدة للكرد في الأحزاب السياسية (ولا سيما حزب الليكود) وفي الجامعات وعلى مستوى القاعدة الشعبية.
وكان العديد من المعلقين يتحدثون عن "الحاجة إلى إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط" بعد إعلان الخلافة في عام 2014 وأن الوقت مناسب لإنصاف المطالب الكردية وإقامة دولة كردية في العراق.
العراق ليس دمية ايرانية
الحقيقة أن الدولة العراقية الحالية، تحت حكم رئيس الوزراء حيدر العبادي، تعارض بشدة تورط إيران في شؤونها، وتصر على حقها في السيادة والاستقلال في صنع القرار، وقد أنجزت القوات المسلحة العراقية مؤخرا تحرير جميع أراضي البلاد من وجود تنظيم داعش، وإزالة التنظيم تماما وفي أعقاب الاستفتاء الكردي، أثبتت حكومة العبادي أنها الوحيدة التي تمتلك السيادة على أرض الواقع وأجبرت الأكراد على قبول الاستسلام المهين وإلغاء نتائج الاستفتاء بحكم الأمر الواقع.
وبعبارة أخرى، أثبت العراق مراراً وتكراراً، في السنوات الأخيرة، حيويته كدولة وسيادته واستقلاله في اتخاذ قراراته، ومن ثم دحض الادعاءات بأنه دولة "فاشلة" أو "انهارت" أو تحوله إلى "دمية ايرانية".
إن العراق اليوم أبعد ما يكون عن "دمية" أو "دولة تابعة" إلى إيران، ويحتفظ رئيس الوزراء العبادي بعلاقة وثيقة وجيدة مع الرئيس الأمريكي ترامب، اما على الساحة العربية كان العبادي مرحب به من قبل المملكة العربية السعودية، وقد زارها بالفعل مرتين في الأشهر الأخيرة، وفي الآونة الأخيرة، كان العبادي يزرع شراكة سياسية جديدة مع رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر، الذي يعتبر على نطاق واسع "صانع الملوك" في العراق. وكما هو الحال مع العبادي، فإن الصدر نفسه يروج لجدول أعمال يركز على تعزيز مركزية الدولة العراقية، متمسكا "بالمحور السني" (وقد زار السعودية والإمارات العربية المتحدة) ويعرب عن معارضته الشديدة التدخل الايراني في الشؤون الداخلية العراقية.
https://telegram.me/buratha