في 12 مايو/آيار، يحدد الرئيس «ترامب» مرة أخرى مصير الاتفاق النووي مع إيران وهذا الأسبوع، جاء القادة الأوروبيون، الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أولا، تلته المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل»، إلى واشنطن لإقناع «ترامب» بالبقاء في الاتفاق المعروف باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة».
واقترح «ماكرون» خطة لاستجابة أكثر شمولا للأنشطة المعادية في إيران، والتي سوف تعتمد على خطة العمل المشتركة الشاملة، وتعالج المخاوف الأمريكية المحيطة بخطط طهران النووية طويلة المدى، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والسياسة الإقليمية، ولكن يبدو أنه قد فشل في التأثير على الرئيس، وفقا لتقييمه الخاص.
وإذا ما سار «ترامب» في طريقه، لا نتوقع حالة طوارئ فورية، لكن بدلا من ذلك، أزمة بطيئة الحركة ستنهار على مدى أعوام، ومن المرجح أن تؤدي بالولايات المتحدة وشركائها في نهاية المطاف إلى الاختيار بين قبول إيران المسلحة نوويا أو السعي وراء تحقيق أهداف من خلال عمل عسكري.
وقد امتنع الرئيس حتى الآن عن التخلي عن الاتفاق النووي بسبب معارضة أعضاء حكومته، وبشكل رئيسي وزير الدفاع «جيمس ماتيس»، ووزير الخارجية السابق «ريكس تيلرسون»، ومستشار الأمن القومي السابق «إتش آر ماكماستر».
وهذا على الرغم من حقيقة أن «ترامب» قد اعتبر، خلال الحملة الانتخابية، أن خطة العمل المشتركة هي واحدة من الاتفاقيات «الأكثر غباء» التي أبرمتها أمريكا، وتعهد «بتمزيقها».
ولقد جادل هؤلاء المستشارون بأنه إذا تم النظر إلى الولايات المتحدة على أنها تتنصل من الاتفاق، فإنها ستجد نفسها معزولة على المستوى الدولي، ما يجعل من الصعب إعادة فرض عقوبات مدمرة بما يكفي للتأثير في حسابات إيران بشأن السعي للحصول على الأسلحة النووية.
وبدلا من ذلك، قام الرئيس بكل ما في وسعه لرفع حالة عدم اليقين المحيطة بالاتفاق، حيث يهدد كل بضعة أشهر بإعادة فرض العقوبات أو التخلي عن الاتفاق.
وعلى الرغم من أن العديد من الصراعات الاقتصادية التي شهدتها إيران في فترة ما بعد الاتفاق ناتجة عن مشاكل نظامية أكثر عمقا في اقتصاد البلاد، وتضخم التوقعات بشأن ما يمكن أن يجلبه تخفيف العقوبات، فليس هناك شك في أن تهديدات «ترامب» قد أدت إلى تفاقم الوضع.
وبسبب الخوف من عودة العقوبات، امتنعت الشركات عن دخول السوق الإيرانية، ما حرم البلاد من بعض الفوائد الاقتصادية التي كانت تتوقعها مقابل الوقف والحد من العناصر الأساسية لبرنامجها النووي.
كما استخدم «ترامب» التهديد بالانسحاب كميزة أمام شركاء أمريكا الأوروبيين والكونغرس، للتفاوض على «إصلاحات» لمعالجة مخاوفه الرئيسية من الاتفاق.
وفي الواقع، يبدو أن الرئيس يأمل في إحباط الإيرانيين إلى حد التخلي عن الاتفاق، حتى يتمكن من تحويل اللوم في فشل الاتفاق عليهم.
لكن المفاوضات مع الأوروبيين والكونغرس لم تحقق أي نجاحات كبيرة، ومع خروج «تيلرسون» و«ماكماستر» من مجلس الوزراء، واستبدالهما على التوالي بالصقرين «مايك بومبيو» و«جون بولتون»، وبوجود رئيس غير صبور يتطلع إلى الخروج من الاتفاق، تبدو أيام خطة العمل الشاملة المشتركة معدودة، فما الذي سيحدث بعد ذلك؟
يعد أحد السيناريوهات الرديئة هو أن تستمر إيران في الاتفاق مع أوروبا وروسيا والصين، وتختار عدم استئناف الأنشطة النووية الحساسة.
وستكون إيران بذلك قادرة على تحميل الولايات المتحدة مسؤولية انهيار خطة العمل المشتركة وعزل أمريكا عن حلفائها الأوروبيين.
وفي الواقع، ذكر الإيرانيون أنهم سينظرون في الالتزام بالاتفاق إذا انسحبت الولايات المتحدة، مادام شركاؤها الأوروبيين يواصلون الالتزام بالاتفاق.
وللأسف، لا يمكن تحمل هذا الواقع الجديد بعد بضعة أشهر، ومن شأن المسؤولين البراغماتيين مثل الرئيس «حسن روحاني» ووزير خارجيته «جواد ظريف» أن يؤيدوا هذا المسار للحصول على المنافع الدبلوماسية بعزل الولايات المتحدة وإشراك أوروبا.
لكن الضغوط في طهران تأتي بالفعل من معارضي الاتفاق المتشددين، وحتى لو التزمت الحكومات الأوروبية بممارسة الأعمال التجارية مع طهران، فإن الشركات الأوروبية لن تخاطر بفرض عقوبات عليها ووضعها على القائمة السوداء من قبل واشنطن.
وهذا هو السبب في أن الحكومة الإيرانية صعدت في الأسابيع الأخيرة من خطابها، مشيرة إلى أنها أيضا ستنسحب من الاتفاق أو تستأنف العناصر الرئيسية لبرنامجها النووي إذا ما بدأت الولايات المتحدة ذلك.
لكن لا يعني هذا أن إيران ستقوم فورا وبسرعة بالبدء بالاندفاع نحو سلاح نووي، ولا يحتاج المرء إلا إلى النظر إلى الاستراتيجية التي اتبعتها إيران منذ الثمانينات من القرن الماضي لفهم كيفية استجابتها.
وقبل الموافقة على خطة العمل المشتركة الشاملة، أمضت طهران أعواما تحقق تقدما ثابتا ولكن بطيئا نحو القدرة على إنتاج أسلحة نووية، ولقد تجنبت الأنشطة التي كان من الممكن أن تحفز المجتمع الدولي أو ربما تحفز على رد فعل عسكري أمريكي.
وبدلا من ذلك، أتاح هذا التقدم التدريجي إتقان عملية تخصيب اليورانيوم وجمع مخزون كافٍ من اليورانيوم المخصب يوفر خيار الانتقال بسرعة إلى قنبلة نووية إذا ما قُرر القيام بذلك.
وبالمثل، من غير المرجح أن يرد الإيرانيون اليوم بطرد جميع المفتشين الدوليين على الأرض، أو بتخصيب اليورانيوم لاستخدامه في صنع الأسلحة، وربما لن تنسحب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهو ما كان يهدد به بعض المسؤولين في الآونة الأخيرة.
وبدلا من ذلك، من المرجح أن يستأنفوا بصورة متزايدة الأنشطة النووية الحساسة، التي تقتصر حاليا على خطة العمل المشتركة الشاملة، مثل تشغيل أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدما، وتجاوز الحدود المفروضة على مخزون اليورانيوم المخصب.
وقد لا يخضعون لنفس عمليات التفتيش التدخلية التي كانوا يلتزمون بها بموجب الخطة، ومن شأن ذلك أن يشكل ضربة قوية لاطلاع المجتمع الدولي على الأنشطة النووية الإيرانية، لأن زيادة الوصول الحالي هو أهم إنجاز للاتفاق.
ويجب أن نتوقع صورة معقدة بالمثل فيما يتعلق بإعادة فرض العقوبات، ولا شك في أن العديد من الشركات ستهرب من إيران، لكن رد الفعل السياسي في أوروبا سيدفع الحكومات الأوروبية للإبقاء على التزامها الشديد بالجزاءات الأمريكية، ومن المحتمل أن يقاوم العديد من الدول الرئيسية، خاصة روسيا والصين، العقوبات.
والأهم من ذلك، من غير المرجح أن تحد الصين، المستهلك الرئيسي للنفط الإيراني، من مشترياتها، وسوف تفترض بكين أيضا أن واشنطن لن تفرض عقوبات عليها قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية.
وفي عامي 2012 و2013، تمكنت الولايات المتحدة من منع نصف مبيعات السوق الدولية للنفط في إيران، والبالغة 2.5 مليون برميل يوميا، وكان هذا التدبير حاسما بشكل مطلق لجلب الإيرانيين إلى الطاولة.
وبدون اشتراك الصين، من غير المحتمل أن تقترب الولايات المتحدة من فرض هذا النوع من الألم الاقتصادي هذه المرة، ولن تكون واشنطن قادرة على إرغام طهران أو إجبارها بشكل فعال على العودة إلى طاولة المفاوضات، وبالتأكيد لن تكون قادرة على التفاوض حول اتفاقية أكثر تقييدا من خطة العمل المشتركة الشاملة.
وفي الواقع، من غير المحتمل أن تنجح الولايات المتحدة في إعادة إشراك إيران دبلوماسيا في المستقبل المنظور، حيث سيعتبر الإيرانيون أي خرق للخطة مؤشرا واضحا على أن الدبلوماسية مع أمريكا لا تؤتي ثمارها.
ومن المرجح أن يكتسب المتشددون أرضية في السياسة الإيرانية، وسيجد البراغماتيون والإصلاحيون صعوبة في بيع أي مفاوضات حول القضايا الرئيسية المثيرة للجدل محليا، بما في ذلك برنامج الصواريخ الباليستية في البلاد، ودعم حلفائها بما في ذلك الرئيس السوري «بشار الأسد»، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن.
وأخيرا، من المرجح أن يزيد المتشددون من أعمالهم الاستفزازية، بما في ذلك اختبارات الصواريخ الباليستية، وحبس الرعايا مزدوجي الجنسية (لا سيما الإيرانيين الأمريكيين)، لإبراز السلطة داخل النظام السياسي الإيراني.
إذن، أين سيتركنا ذلك؟ لن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة إلى أزمة فورية.
لكن مع مرور الوقت، ستقترب إيران من الحصول على السلاح النووي، حيث ستبدأ ببطء إعادة تشغيل عناصر برنامجها الذي تم إيقافه أو تقييده في الوقت الحالي.
وستفقد أمريكا نفوذها على طهران وشركائها الدوليين، ما يؤدي إلى نظام عقوبات ضعيف لن يسبب الألم الكافي لتغيير مسار إيران.
وعلى وجه الخصوص، سوف تؤدي أمريكا - بعيدا عن الصفقة - إلى مناخ سياسي محلي في إيران يعارض بشكل ساحق استئناف أي مفاوضات مع الولايات المتحدة.
ومن جانبهم، سيزداد قلق شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية، بشكل متزايد، ما يدفعهم للمطالبة باتخاذ إجراء عسكري حاسم.
وفي النهاية، ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للاختيار بين التسامح مع إيران المسلحة نوويا أو القيام بعمل عسكري لإحباط تطورها النووي.
وستكون ذروة الحماقة أن تسير في هذا الطريق بدلا من الاستمرار في تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة.
https://telegram.me/buratha