عادت أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن معظم مدن العراق الوسطى والجنوبية إلى الظهور مجدداً، بعدما استقرت خلال الأشهر الخمسة الماضية.
فجأة مع نهاية الأسبوع الأول من شهر رمضان، تجاوزت ساعات الانقطاع 15 ساعة يومياً، ما أثار غضباً شعبياً وتساؤلاً سياسياً عن سبب تردي الخدمة، لا سيما أن من أكثر الوزارات تمويلاً في العراق هي تلك المتخصصة بالكهرباء.
بغداد ومدن أخرى، مثل ذي قار وميسان وبابل والبصرة، تأثرت بقوة لأنها الأكثر حرارة من حيث طقسها مقارنة ببقية مدن شمال البلاد.
أصلاً، منذ أكثر من 14 عاماً، يعاني العراقيون أزمة كهرباء هي واحدة من أبرز الأزمات التي شهدتها البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003، ولم تتمكّن من تجاوزها، على رغم إنفاق نحو 41 مليار دولار في هذا القطاع، وفقاً لتقارير رسمية.
جوهر مشكلة القطاع أنه من بين القطاعات الأكثر فساداً، وفق ما تبيّن ملفات كشف عنها سياسيون عراقيون.
وزارة الكهرباء تتحدث عن وجود خلل في خط الغاز المستورد من إيران، لكن تم إصلاحه. وقال الناطق باسمها محمد فتحي لـ"العربي الجديد"، إن "الانقطاع الذي شهدته مدن العراق، لم يكن انقطاعاً تاماً، إنما حدث لساعات قليلة بسبب مشكلة في خط النقل، وتمت إعادته إلى وضعه الطبيعي".
وتابع: "كانت هناك أعمال صيانة على خط الغاز الإيراني، بعدما تعرض إلى أعطال ومشكلات.. وهو يغذي بغداد بالكامل ومحطات القدس والصدر والمنصورية وغيرها".
مصادر حكومية أشارت إلى أن إيران أوقفت الخط الوارد إلى العراق بسبب ديون الوزارة للجانب الإيراني، وأوضحت أن مشكلات الكهرباء سببها عدم سداد أجور الخط الإيراني، ما سبب انقطاع الخط وسط الظروف المناخية الصعبة وارتفاع درجات الحرارة، وأوقف غالبية مجمعات مياه الشرب والورش والمصانع، وألحق أضراراً جسيمة بمصالح المواطنين الحياتية.
عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي ماجدة التميمي، توضح أن معدل التوليد الحالي يصل إلى 10 آلاف و900 ميغاواط، وأن البلد يحتاج لتوليد 10 آلاف ميغاواط إضافية لتغطية حاجته من الطاقة. وأشارت إلى وجود مشاريع متلكئة وأخرى منجزة لكن متوقفة عن التشغيل، لأسباب سوء الإدارة والفساد في العقود الاستثمارية وهدر الطاقة والتنسيق الضعيف بين وزراتي الكهرباء والنفط.
ممثل محافظة ميسان (جنوب)، في البرلمان العراقي، محمد الصيهود، اعتبر أن الحكومة الجديدة لا بد من أن تكون مختصة بالخدمات لا بالسياسة. وقال إن "مشكلة الخدمات، وتأتي في مقدمتها الكهرباء، تمثل معاناة حقيقية"، مشيراً إلى أن "الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، وفرت أموالا تكاد توصف بالخيالية لوزارة الكهرباء، لكن الوزارة لم تقدم أي شيء".
وفي حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أضاف أن "استجواب وزير الكهرباء قاسم الفهداوي في البرلمان، لم يُفضِ إلى نتيجة، فلم نعرف الخلل في الوزارة وأسباب تردي واقع الطاقة في البلاد، بسبب الفساد السياسي والحماية التي تلقاها الوزير من سياسيين داخل البرلمان. هذه حال البلد، كلما أردنا محاسبة أحد الفاسدين، تظهر جماعة تدافع عن الفاسد ولا تراعي حقوق المواطنين".
وبيّن أن "السياسة المعتمدة خاطئة، وهي المتعلقة باستيراد الطاقة الكهربائية والغاز المخصص للمحطات الكهربائية، لأن العراق يتمتع بكل الخيرات التي من المفترض أن تُستغل وتُفعل".
البرلماني سليم شوقي اتهم الحكومات المحلية في مدن جنوب العراق بعدم الاكتراث لمشكلة الكهرباء، وغياب متابعة خطوط النقل وما يحدث فيها من أعطال. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "سوء الإدارة أبرز ما تتميز به الحكومات المحلية في مدن الجنوب".
ولفت إلى أن "الحكومة العراقية الاتحادية هي الأخرى متورطة بمشكلات الكهرباء، فهي ما زالت تستورد الطاقة والخطوط الخاصة المستخدمة في محطات التوليد المحلي، على رغم درايتها بأن الاستيراد مُكلف مالياً... كنا نطمح خلال السنوات الماضية إلى تأسيس محطات متطورة وجديدة لإنتاج الكهرباء لسد الحاجة المحلية وبيع الفائض إلى من يحتاج إليه من جيران العراق".
في السياق، هدد ناشطون في بغداد بتنظيم اعتصام شعبي للمطالبة بتحسين هذه "المشكلة الأزلية"، كما وصفها القانوني والناشط بسام التميمي،
مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد شهدت أسوأ خدمة كهرباء منذ أشهر، وصل معدل توفر التيار فيها إلى 3 ساعات يومياً، وهذه الكارثة يتأثر بها ملايين المواطنين الصائمين في شهر رمضان"، لافتاً إلى أن "وزارة الكهرباء اختفت نهائياً عندما بدأ موسم الانتخابات".
https://telegram.me/buratha