التقارير

نتائج الإنتخابات العراقية وتبديل في مشهد السياسي


الباحث .محمد كاظم خضير
- تعد الانتخابات من الفوارق الجوهرية، بين عراق ماقبل 2003 ومابعده، ما يؤشر الى أهمية هذه الإنتخابات ونتائجها على دول المنطقة

فارق جوهري انها تمنح القوى العراقية المختنقة بحكومة الحزب الواحد الذي يحكم العراق منذ انقلاب 58 ان يكون لها دورا في الحكم، لكن انتخابات مابعد 2003، كانت شكلا لممارسة الديموقراطية دون روحها الذي ينقلها من حكومة الحزب الواحد الى التعددية، في ظل صراع دولي اقلمي، اعاق الانتخابات من اداء دورها المنشود.

وقد وجد الصراع الدولي والاقليمي مكانه، في فراغ سني وكوري وشيعي ،مع فارق الفراغ بين مكون عراقي واخر،فملا فراغ المازق السني والشيعي والكوردي، الذي عاش القرن العشرين، محكوما بمواطنة مقموعة بالقانون مرة و بالاستبداد السياسي اخرى.

وأصبحت الأبواب العراقية منذ العام 1991 مفتوحة علي مصراعيها أمام القوي الخارجية، وترسخت بعد 2003،ولم تتوان عن التدخل بأدق تفاصيل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي، ولم يكن ذلك مستغرباً في ضوء الحالة التي أدي إليها التدخل الأمريكي، لوجود قوي وأحزاب متناحرة، ارتكزت حساباتها السياسية على قناعة بأن حسم المعارك الداخلية غير ممكناً من دون الاستناد إلى دعم خارجي، ناهيك عن أن الأبعاد الطائفية والعرقية، التي كانت الحاضر الدائم في غالبية الأزمات العراقية، قد عززت من التدخلات الخارجية

وقد شهد عراق ما قبل 2003 اول انتخابات خارجة عن سيطرته في مايس 1992، وانتخبت محافظات دهوك واربيل والسليمانية، اول برلمان فيدرالي عراقي، لم يزل قائما ومحسوبا على نموج الحكم في العراق الجديد الذي ظهر بعد سقوط نظام عراق صدام حسين.

ثم شهد عراق ما بعد 2003، اربع انتخابات لبرلمان اتحادي عراقي منذ كانون ثاني 2005وحتى نيسان 2014،انتهت بصراع محلي اقليمي دولي بين نموذج برلمان اقليم كوردستان 1992 ونموذج البرلمان الاتحادي العراقي من جهة ، وارتبط العراق بمحور ايران الاقليمي، من جهة اخرى(

وترسخ ارتباط العراق بمحور الاقليمي بعد داعش بامرين،اولهما،تم بعد اجراء 3 انتخابات برلمانية ،انتهت بخراب محافظات السنة،وسيطرة الحشد الشعبي عليها، والاخر، بتاجيل 3 انتخابات محلية بكركوك منذ 2005،انتهت هي الاخرى بسيطرة بغداد على المناطق المتنازع عليها منتصف تشرين الاول 2017.

وقدجعل الصراع المحلي والاقليمي والدولي على الانتخابات العراقية. تاجيلا او اجراءا، واقع العراق بعد 2003 مخالفا لدستوره الاتحادي، فهناك اقليم فيدرالي واحد بين 15 محافظة مرتبطة ببغداد، بعد رفض بغداد طلب أكثر محافظة ان تتحول الى اقليم فيدرالي.

ولو تمعنا في البيئة المحلية والاقليمية والدولية التي جرت بها الانتخابات، لوجدنا ان للصراع الدولي والاقليمي والمحلي على العراق. كان صراعا ايرانيا اميركيابامتياز، ادى دورا جوهريا في عرقلة بناء النظام السياسي العراقي، رغم مرور اكثر من14 سنة على سقوط نظام صدام حسين.

وقدتوجّه العراقيون في 12 /5 إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب ممثليهم في المجلس النيابي. تعدّ هذه الانتخابات الأولى بعد قضاء على تنظيم داعش، وتتميز عن التي سبقتها في 2014 أنها تأتي في أجواء الانتصار الكبير الذي حقّقه الشعب العراقي بجيشه وحشده على الإرهاب الداعشي المدعوم أمريكياً، ما يزيد من أهميتها ويجعلها تضاهي أهمية انتخابات 2005 التي أتت بعد التغيير الكبير الذي حصل في العراق بإسقاط النظام البعثي ورئيسه صدام حسين.

الشعب العراقي مستاء من السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، حيث يعيش الشعب العراقي حالة من التململ بسبب إخفاق حكومته في توفير المشاريع الخدمية وتفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة مقابل ضعف كبير في مجال محاربته أو الحدّ منه، هذه المعطيات تدلل على تبدل مزاجية الناخِب العراقي نحو الدولة القوّية وإرادة التغيير عبر صناديق الاقتراع في سبيل الوصول إلى طبقة سياسية تعمل على إيجاد غدٍ مشرق للبلاد.

تشير نتائج الانتخابات العراقية إلى عدة مفاجآت، أهمها حلول قائمة تحالف "سائرون" التي يدعمها رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" في المرتبة الأولى في أغلب محافظات العراق، تليها قائمة "الفتح المبين" التابعة للقيادي في الحشد الشعبي "هادي العامري".، ثم قائمة "النصر" التابعة لرئيس الوزراء "حيدر العبادي"، ثم قائمة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي"، وبعد ذلك ائتلاف الوطنية بزعامة "إياد علاوي".

دلالات نتائج
:

تحمل النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات في العراق عدة دلالات، لعل أهمها ما يلي:

1. إظهار التيار الصدري قوة شعبيته المتجذرة: حافظ التيار الصدري على الموقع الأول حتى الآن في الانتخابات على المستوى العراقي العام، وعلى المستوى الشيعي كذلك. وقد حصد التيار الصدري هذه النتيجة غير المتوقعة على الإطلاق رغم الإرباك والاضطراب اللذين أصابا هذا التيار خلال الفترة الأخيرة، لا سيما إعلان زعيمه الروحي "مقتدى الصدر" التحالف مع الشيوعيين والعلمانيين. وتعكس هذه النتيجة تجذر التيار الصدري في البيئة الشعبية العراقية. ويُشار في هذا الإطار إلى أن التيار الصدري كان قد حصل خلال الانتخابات التشريعية السابقة في عام 2014 على المركز الثاني بعد ائتلاف دولة القانون.

2. عجز "العبادي" عن حصد ثمار نجاحاته الداخلية: رجحت أغلب التوقعات قبيل الانتخابات أن تتصدر قائمة "النصر" التي يتزعمها "حيدر العبادي" نتائج الانتخابات بفارق معقول عن أقرب منافسيها، وذلك نظرًا للنجاحات التي حققها "العبادي" في ورقة الحرب على إرهاب "داعش"، وتعامله الناجح مع محاولة الأكراد للانفصال. وبالرغم من ذلك تؤشر النتائج الأولية حتى الآن إلى تراجعه إلى المرتبة الثالثة، وتفوق قائمة الحشد الشعبي عليه. وتتمثل أقرب التفسيرات لإخفاق "العبادي" في انفتاح قائمته على كلٍّ من الكتلتين السنية والشيعية، وهو أمر ربما يكون قد أغضب جزءًا كبيرًا من الشارع الشيعي وربما دفعه للتصويت ضده.

3. تراجع ائتلاف "دولة القانون" بصورة لافتة: رغم أن ائتلاف "دولة القانون" كان في طليعة الكيانات السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت عامي 2010 و2014، حيث تقدم على سبيل المثال في انتخابات 2014 بفارق 50 مقعدًا عن أقرب منافسيه؛ إلا أنه تراجع بصورة لافتة في انتخابات 2018، ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى الانقسام الذي حصل داخل حزب "الدعوة" بين تياري "المالكي" و"العبادي"، وشبهات الفساد التي لا تزال تلاحق "المالكي".

ويُشار في هذا الإطار إلى أن "المالكي" كان قد أبدى خشيته من تعرض نتائج الانتخابات "للقرصنة" بعد استخدام الأجهزة الإلكترونية لأول مرة في الاقتراع، كما قام ائتلاف "دولة القانون" بالطعن في نتائج الانتخابات البرلمانية أمام المفوضية العليا للانتخابات، وهي أمور تعكس حنق الائتلاف من مجيء نتائج الانتخابات على غير هواه.

4. تقدم التيار الديني المرتبط ب إيران: يُعتبر أهم ملامح التغيير السياسي الحالي في العراق بعد الانتخابات الأخيرة هو تقدم التيار الديني المرتبط بإيران نسبيًّا، ومن الواضح أن التصعيد الأمريكي الأخير بشأن الاتفاق النووي خدم القوائم الأكثر ارتباطًا بإيران في الانتخابات التشريعية العراقية، ولم يصب هذا الأمر في صالح قائمة رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" المعتدل.

5. استمرار تراجع التيار العلماني: كشفت النتائج الأولية عن تواصل انهيار شعبية الكتلة العلمانية التي يقودها "إياد علاوي"، حيث جاء ائتلاف "الوطنية" التابع له في المراتب الأخيرة. ويُشار في هذا الإطار إلى إعلان "علاوي" يوم 13 مايو الجاري رفضه نتائج الانتخابات، ومطالبته بإلغائها، وتشكيل حكومة لتصريف الأعمال.

6. هشاشة الائتلافات المتنافسة في العملية الانتخابية: تعتبر أغلب الائتلافات المشاركة في العملية الانتخابية هشة بدرجة كبيرة، وذلك نظرًا إلى أن أغلب الأحزاب والكيانات المكوِّنة لتلك الائتلافات كانت تستهدف بالدرجة الأولى تأمين دخولها العملية الانتخابية؛ إلا أن تباين وجهات نظر هذه الأحزاب والكيانات فيما بينها بخصوص عدد من القضايا الداخلية أو التعامل مع دول الجوار أو الكتل السياسية الأخرى يرجح احتمال انهيار هذه التكتلات عند توزيع المناصب الرئيسية، سواء في الحكومة أو مؤسسات النظام السياسي المختلفة.

7. توقع تأخر تشكيل الحكومة الجديدة: في ضوء هذه النتائج وتوزع المقاعد، من الصعب على الكيانات السياسية تشكيل حكومة عراقية جديدة بسرعة، خاصة وأن حلول ائتلاف "سائرون" في المركز الأول يجعل "العبادي" أقل حظًّا لتشكيل الحكومة الجديدة، وستكون هناك حاجة لتأمين تحالفات تقودها كتلة "سائرون" مع كتل أخرى للوصول إلى أغلبية 165 مقعدًا للاتفاق على رئيس وزراء جديد للبلاد.

ويُشار في هذا الإطار إلى أن تشكيل الحكومة العراقية بعد انتخابات عام 2010 استغرق تسعة أشهر من المفاوضات، وكان ائتلاف "القائمة العراقية" بزعامة "إياد علاوي" هو الكتلة الأكبر بـ91 مقعدًا، ورغم ذلك نجح "نوري المالكي" حينها في قيادة مفاوضات ناجحة مع الكتل الأخرى مما مكّنه من الحصول على منصب رئيس الحكومة. كما استغرق تشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2014 ثلاثة أشهر من المفاوضات، وكان ائتلاف دولة القانون هو الكتلة الأكبر بـ93 مقعدًا، ورغم ذلك فشل "المالكي" وقتها في إقناع الكتل الأخرى بتمريره لولاية ثالثة.

ظواهر مجتمعية:

كشفت الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق عن مجموعة من الظواهر المجتمعية، والتي يمكن رصد أهمها على النحو التالي:

1. تواصل هيمنة الفكر الطائفي: لا يزال العمل الطائفي مؤثرًا كما كان في الانتخابات السابقة، فالتكتلات الرئيسية في العملية الانتخابية الأخيرة قامت على الاصطفاف الطائفي الشيعي بالدرجة الأولى، وذلك على الرغم من تأكيدات كبار قياداتها سواء قبل العملية الانتخابية أو بعدها على وجود نوايا للدخول في ائتلاف موسع لتحقيق أغلبية شيعية تمتلك المزيد من الفرص لتشكيل حكومة. كما يُشار في هذا الإطار إلى الاشتباكات الطائفية التي وقعت بين أنصار ائتلافي "النصر" التابع للعبادي و"سائرون" التابع للصدر في مدينة النجف يوم إجراء الانتخابات على خلفية الاتهامات المتبادلة بحدوث تزوير، وكذلك الجدل الحالي بشأن نتيجة الانتخابات في محافظة كركوك.

2. استمرار تشرذم المجتمع العراقي: كرست نتيجة الانتخابات من فكرة التعددية في جميع الطوائف والمذاهب والأعراق المكونة للمجتمع العراقي، إذ لم يستطع أي فصيل أو كيان سياسي احتكار التمثيل أو الحصول على أكثر من 50 %من أصوات الناخبين، وهو ما يعني اختلاف وتشرذم القناعات الشعبية العراقية بين أجندات مختلفة.

3. ظهور فكرة العقاب الشعبي للقادة للسياسين: كشف تراجع نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وعزوف قطاع كبير من الشعب العراقي عن الإدلاء بأصواتهم، عن وعيه بأن بإمكانه معاقبة النخب والزعماء السياسيين على استمرار فشلهم السياسي والاقتصادي من خلال فكرة المقاطعة. ويُشار في هذا الإطار إلى أن نسبة المشاركة بحسب المفوضية العليا للانتخابات بلغت حوالي 44.5%، وهي أقل نسبة حدثت مقارنة بالانتخابات التشريعية الثلاثة التي تمت بعد سقوط نظام صدام حسين.

4. تراجع نسبي لدور المرجعيات الدينية: كان من الملاحظ حدوث تراجع نسبي لدور المرجعيات الدينية الذي غلب في انتخابات سابقة خاصة انتخابات 2005 و2010، وهو ما هيأ الأرضية للصراع الطائفي الحاد الذي استشرى من قبل، وكان مقدمة لظهور إرهاب تنظيم "داعش". ويُشار في هذا الإطار إلى أن دور المرجعية العليا اقتصر على الدعوة التي أطلقها المرشد الشيعي الأعلى في العراق "علي السيستاني" في 4 مايو الجاري بعدم إعادة انتخاب "الفاشلين والفاسدين ممن تسلموا مناصب عليا سابقًا".

رحلة التوافق:

على الرغم من حصول ائتلاف "سائرون" التابع لمقتدى الصدر على الكتلة الأكبر داخل البرلمان القادم، إلا أنه من غير المتوقع أن يتمكن هذا الائتلاف من تأمين أغلبية مباشرة تتيح له بسهولة الحصول على منصب رئاسة الوزراء، وهو أمر سيفرض على "مقتدى الصدر" بالتبعية الدخول في مفاوضات صعبة للبحث عن تحالفات مع الائتلافات الأخرى لتحقيق هذا الهدف.

وتعد الإيجابية الأبرز التي لا تصب في صالح طهران هو حلول قائمة "الصدر" المعتدل شيعيًّا في المرتبة الأولى، وهو أمر قد يقف حائط صد ضد المسعى الإيراني لامتلاك أدوات سياسية لها في العراق عبر وكلائها في الحكومة والبرلمان. وإن كان نجاح ذلك الأمر لا يزال يحتاج إلى صياغة تحالفات مع كيانات شيعية وسنية وكردية مدنية معتدلة تؤمن بالبعد القومي والعروبي بصورة أكثر وضوحًا.

ومن المتوقع في هذا الإطار أن يستغرق تشكيل الحكومة المقبلة عدة أشهر بعد أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل لتوزيع مناصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان مثلما حدث في عامي 2010 و2014.

وسيؤدي تقارب النتائج لكافة الكتل وعدم قدرة أي كتلة على تأمين أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة إلى تعقد الموقف السياسي، ويحصر خيارات تشكيل الحكومة بالشراكة التي أثبتت عدم نجاحها في الدورات الماضية.

ويُعد الفشل النسبي للقوائم العلمانية مثل فشل ائتلاف "الوطنية" بزعامة "إياد علاوي" مؤشرًا على احتمال تجدد التوترات بين السنة والشيعة، وعودة العنف الطائفي إلى معدلات عالية حتى بعد هزيمة تنظيم "داعش".

وبرغم تراجع دور المرجعية الدينية خلال عملية إجراء الانتخابات الأخيرة، إلا أنه من المتوقع أن تطرح المرجعية العليا رأيها بوضوح في أعقاب إعلان نتائج تلك الانتخابات في المرشحين لمنصب رئيس وزراء العراق، وذلك على غرار ما حدث من قبل مع "نوري المالكي" و"حيدر العبادي
هناك شريحة شعبية واسعة ترى في ممثلي الحشد الشعبي السياسيين ضالتهم الانتخابيّة نظراً للتضحيات التي قدّموها من أجل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنّ وصول ممثلي الحشد الشعبي إلى المجلس النيابي، زاد من المخاوف الأمريكية بخسارة العراق كلياً، وهذا ما دفعهم إلى العمل على عدة جبهات في محاولة للبقاء في العراق عسكرياً وسياسياً حيث يحاول الأمريكي استغلال الأشهر المتبقية للحكومة العراقية وممارسة الضغوط عليها من أجل إنشاء قواعد عسكرية ثابتة، وتشير المعطيات إلى أن أمريكا عرضت على رئيس الوزراء حيدر العبادي صفقة متمثلة بحصوله على ولاية ثانية مقابل بقاء عسكري ثابت لها في العراق.

لا تقتصر الأنشطة الأمريكية على إبرام الصفقات السياسيّة، والدعم المالي لبعض الجهات التي لطالما ارتبطت بالأمريكي، بل تعمد واشنطن إلى تشويه صورة بعض المرشحين الأقوياء من أجل التأثير على مزاج الناخب العراقي لانتخاب ممثلين ترتاح لهم أمريكا

#تأخر_ تشكيل _الكتل الأكبر_
شهد العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات النيابية شبه النهائية، التي جرت في الـ12 من أيار الماضي، حراكاً سياسياً واسعاً ومفاوضات بين الكتل الفائزة في الانتخابات، لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر التي تسمي رئيس الحكومة الجديد.
ونظراً لعدم فوز أي كتلة انتخابية بأغلبية مطلقة، حيث إن فوز كتلة «سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر بأكبر عدد مقاعد المجلس النيابي، لا يعني تمكنها بشكل تلقائي أن تختار رئيس الحكومة المقبل.
وعلى الرغم من كثافة تلك اللقاءات وضبابيتها، من أجل الوصول إلى الكتلة الأكثر عدداً، إلا أنها لا تكاد تخرج عن كونها لقاءات أولية بروتوكولية لأغراض جس النبض.
إن أبرز تقارب يمكن الحديث عنه اليوم، هو بين مقتدى الصدر (54 مقعداً) ورئيس «ائتلاف النصر» حيدر العبادي (40 مقعداً)، ورئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم (19 مقعداً)، في مقابل تحالف آخر بين «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي (25 مقعداً) و«تحالف الفتح» برئاسة هادي العامري (47 مقعداً)، وكلا التحالفين غير المعلنين سيسعى إلى كسب حلفاء سنّة وأكراد للوصول إلى الكتلة الأكثر عدداً.
إن ما ينتظر الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة المقبلة، حيث تحتاج الكتلة الأكبر إلى تحالفات واسعة لتأمين (165) نائباً تؤهلها تشكيل الحكومة المقبلة باختيار رئيس للوزراء، الذي عليه التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية كي تحظي بالأغلبية النيابية.
وبالتوازي مع ذاك الحراك، بدأ تحرك أميركي مبكر، لمناقشة شكل الحكومة المقبلة مع القوى السياسية الفائزة بالانتخابات النيابية، حيث أجرى الممثل الخاص للرئيس الأميركي في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب بريت ماكغورك والسفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان اتصالات مكثفة مع القوى السياسية العراقية، منذ الـ13 من أيار الماضي، أي بعد يوم واحد من انتهاء العملية الانتخابية، ومازالت مستمرة، شملت بشكل خاص اتصالات مكثفة مع الأحزاب السياسية الكردية لحثها على التوحد، وترتيب تفاهمات مشتركة فيما بينها لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وبخاصة أن الولايات المتحدة الأميركية تتمتع بعلاقات مميزة مع القوى الكردية، وخصوصاً الحزبين الأساسيين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، إضافة إلى تأثيرها في قوى سنيّة مثل «ائتلاف الوطنية» برئاسة أياد علاوي، و«تحالف القرار العراقي» برئاسة أسامة النجيفي بشكل مباشر، أو عن طريق دول خليجية كالسعودية والإمارات.
إن الولايات المتحدة الأميركية تنشط في وضع كل ثقلها في العراق لتقرير ماهية التحالفات التي ستحدد شكل وتوجه الحكومة المقبلة، وهو ما ينبئ عن أن التقاطعات والتدخلات الإقليمية والدولية ستكون حاضرة بقوة في ملف تشكيل الحكومة المقبلة، ولعلّ من أهمّ دوافع التحرك الأميركي، بحسب ما تروج له، هو موازنة النفوذ الإيراني في العراق، إذ إن «كثيراً من الناس في العراق ودول أخرى لديهم مخاوف حيال نفوذ إيران في دول عدّة مختلفة، وهذا دائماً مصدر قلق بالنسبة إلينا»، بحسب تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت في الـ15 من أيار الماضي.
إن واشنطن، ومن خلال لقاءاتها شبه اليومية مع القوى السياسية العراقية، تسعى إلى إشعار طهران بأن لها كلمة في رسم ملامح الحكومة المقبلة، وأنها قادرة على عرقلة وتخريب تشكيل الكتلة الأكبر، فهي تحاول بكل ثقلها العمل على إبعاد أو تحجيم تحالف «الفتح» برئاسة هادي العامري الممثل لـ«الحشد الشعبي»، والفائز بقوة 47 مقعداً، من المشاركة في العملية السياسية المقبلة، ليتوافق ذلك مع مصالحها ومخططاتها للهيمنة على العراق والمنطقة، حيث أحيل مؤخراً مشروع قرار إلى مجلس الشيوخ الأميركي لإقراره، مقدم من قبل عضوي الكونغرس ترينت فرانكس وبراد شيرمان، يصنف فيه ثلاثة فصائل من قوات الحشد الشعبي كمنظمات إرهابية، ما دفع الناطق باسم قوات الحشد الشعبي أحمد الأسدي إلى القول في مؤتمر صحفي عقده في مبنى المجلس النيابي في الـ2 من حزيران الحالي: «ندين مشروع القرار الذي يعتزم الكونغرس الأميركي إصداره بحق قوى سياسية وطنية، شاركت في مواجهة الإرهاب الداعشي، وحمت البلاد من أعتى موجة للتكفير والتطرف شهدها العراق والمنطقة العربية والشرق الأوسط»، معتبراً أن «اتهام تلك القوى التي تحولت إلى كتلة في مجلس النواب العراقي، وإلى جزء حيوي في العملية السياسية، يعد عدواناً واضحاً على خيارات الأمة، واستهدافاً لقواها».
كذلك تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى فتح قنوات اتصال مع مقتدى الصدر، مستغلة علاقات السعودية والإمارات والكويت الطيبة معه، وما أعلنه الصدر في تغريدة له في الـ14 من أيار الماضي، حيث عدد الكيانات السياسية الراغب في التحالف معها، مستثنياً رغبته التحالف مع «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، و«تحالف الفتح».
وعلى الرغم من انزعاج مقتدى الصدر من وجود المبعوث الأميركي داخل العراق ومن تدخلاته في تحديد مسار العملية السياسية للمرحلة القادمة، حيث قال في الـ16 من أيار الماضي: إن «القبيح في البيان هو تدخله في الشؤون العراقية»، وأنه «إذا استمرت صار وجوده قبيحاً في العراق».
أكد مدير المكتب السياسي للتيار الصدري ضياء الأسدي في الـ23 من أيار المنصرم، أنه «لا وجود لأي قنوات اتصال مع الأميركيين ولاسيما أنهم يرسلون وسطاء لكننا نرفض الجلوس والتعاون معهم حتى عبر هؤلاء الوسطاء». كرد على ما نقلته وكالة «رويترز»، في تقرير لها من أن «مسؤولاً أميركياً أكد لها وجود اتصالات من هذا النوع» مع مقتدى الصدر.
وفي ظل تقارب عدد مقاعد الكتل الفائزة، والظروف الدولية والإقليمية الحاصلة، وتداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، فإن الفائز بتشكيل الحكومة المقبلة، عليه التعامل مع حالة الصراع بين واشنطن والدول الخليجية المتحالفة معها من جهة، وإيران من جهة أخرى، بحذر شديد، ما يمنع تعرض العراق مجدداً لهزات سياسية وأمنية عنيفة، مشابهة لأجواء تشكيل الحكومة عام 2014، التي مهدت لظهور تنظيم داعش الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق، بعد نحو شهرين من تشكيل الحكومة، برعاية وتسهيل ودعم أميركي وقطري وسعودي وإماراتي وتركي، إذ إنه على الرغم من أن انتخابات المجلس النيابي في دورته الثالثة التي جرت في الـ30 من نيسان 2014، والتي أعلنت نتائجها في الـ19 من أيار 2014، بحصول رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي على 92 مقعداً، لم يتمكن المالكي في حينها من إتمام تشكيل حكومته، رغم عدد المقاعد التي حصل عليها، بسبب الصراع بين القوى الفائزة والتدخل الفاضح والمشبوه الذي لعبته الدول الخليجية، وخصوصاً قطر والسعودية، بدفع أميركي، التي عرقلت جهود المالكي بتشكيل وزارته، وسهلت قيام تنظيم داعش في الـ10 من حزيران 2014، باحتلال كامل مدينة الموصل، وارتكابه عدداً من المجازر، كان من أبشعها مجزرة قاعدة سبايكر الجوية في مدينة تكريت بمحافظة صلاح الدين، التي راح ضحيتها نحو 1907 من طلاب القوة الجوية دفعة واحدة، وهو ما أدى بالنتيجة إلى استبعاد المالكي من تشكيل الحكومة، وتكليف حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي، الذي شكل حكومته في الـ8 من أيلول 2014.
إن العراقيين وبمختلف تصنيفاتهم السياسية أصبحوا اليوم على ثقة، بأن ما حل في بلدهم من خراب ودمار وسقوط لمئات الآلاف من الشهداء، كان بسبب التدخل والتآمر الأميركي والخليجي في قرارهم السياسي عام 2014. وهم اليوم أكثر وعياً وحرصاً على بلدهم، وأكثر عزماً على إفشال مساعي أعداء العراق في تحويل بلدهم مجدداً إلى ساحة للصراع الدولي، من خلال استثمار الصراع الدائر لتشكيل الحكومة الجديدة.
ووسط التوترات الإقليمية والدولية، يتوقع أن تكون مفاوضات تشكيل الحكومة بين الكتل النيابية الفائزة معقدة وصعبة، ما يعني أنها قد تستمر أشهراً، إلا أن خيار الموافقة على تسويات وسط، كاستمرار حيدر العبادي في رئاسة الوزراء لدورة ثانية، سيكون مرجحاً، وخاصة أنه نجح على وجه الخصوص في إدارة المصالح المتنافسة للولايات المتحدة وإيران خلال ولايته بحيادية ملموسة خلال ولايته الأولى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك