أثارت الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا الرأي العام في ألمانيا، وشنت الصحف الألمانية والأوروبية حينها انتقادات واسعة على السلطات السعودية، وتساءلت عن دوافع ولي العهد، محمد بن سلمان، من وراء تصعيد الأزمة بهذا الشكل غير المسبوق.
ومنذ أن شنَّ تحالف العدوان العربي بقيادة السعودية الحرب على اليمن عام 2015، ثم حصار الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة دولة قطر في حزيران 2017، ووقوف برلين الواضح ضد حصار الدوحة؛ بدأت صادرات ألمانيا إلى السعودية تتراجع بشكل سريع، ووصلت إلى 5% خلال النصف الأول من 2018، في ظل توارد أنباء عن رغبة سعودية في "معاقبة" ألمانيا؛ لانتقادها المستمر لسياسات السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان، ووضع حقوق الإنسان، وتراجُع الحريات الصحفية في المملكة.
وفي الفترة الأخيرة، وصل لهيب الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين برلين والرياض إلى قطاع صناعة الأدوية الأوروبية والأمريكية، الذي دقَّ ناقوس الخطر بشأن تداعيات القيود التي تفرضها السعودية على القطاع، في حين يتوقع العديد من المراقبين للشؤون الإقليمية والدولية أن تصل العلاقات بين البلدين إلى القطيعة.
في رسالة شديدة اللهجة وُجِّهت إلى بن سلمان، عبّرت رابطات صناعة دواء أوروبية وأمريكية عن قلقها العميق بشأن شروط التوريد الصارمة التي باتت الرياض تفرضها على العقاقير الألمانية رداً على انتقادات سابقة لبرلين بشأن وضع حقوق الإنسان في المملكة.
وكما كان عليه الأمر في الحالة الكندية، كان رد فعل السعودية متشدداً وإن اتسم في الحالة الألمانية بإجراءات عقابية دون ضجيج إعلامي. فحينما انتقد زيغمار غابرييل، وزير خارجية ألمانيا السابق، ما وصفها بـ"روح المغامرة"، في إشارة إلى سياسة السعودية بالشرق الأوسط، استدعت الرياض سفيرها في برلين، وجمَّدت عملياً دينامية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
صرخة رابطات صناعات الأدوية الغربية جاءت مدوية، واستثنائية من حيث الشكل والمضمون، بالنسبة للحكومة السعودية؛ إذ جاء فيها أن "الإجراءات السعودية يمكن أن تكون لها تداعيات على تموين مستدامٍ بأدوية حيوية ومبتكرة في علاج المرضى بالمملكة العربية السعودية". وهذا ما يطرح تحديات كبرى على ألمانيا من حيث معادلة الجمع بين الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في زمن الشعبوية، كما يقول المختصون الألمان.
وبدأ تأثير سلاح الزجر الاقتصادي الذي تنتهجه الرياض ضد ألمانيا، يظهر أثره تدريجياً، فحتى قبل رسالة قطاع صناعة الأدوية، سبق لغرفة التجارة والصناعة الألمانية أن أعربت عن قلقها من التراجع المطرد للصادرات نحو السعودية؛ إذ وصلت النسبة إلى 5%، وانخفضت بذلك إلى نحو ثلاثة مليارات يورو خلال النصف الأول من عام 2018، وفي حين بلغ حجم الصادرات الألمانية إلى السعودية عام 2017 إلى 6.6 مليارات يورو، بلغ 9.9 مليارات يورو عام 2015.
وأرجعت الغرفة التراجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض أسعار النفط، ولكن التوترات السياسية بين الرياض وبرلين لها الدور الأكبر في هذا التراجع، لا سيما أن الصحف الأمريكية والعربية بدأت تلفت النظر إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحث حلفاء بلاده -لا سيما السعودية والإمارات- على معاقبة خصومه، ومنها ألمانيا وتركيا وبريطانيا وفرنسا، وغيرها من دول العالم.
ونقلت الإذاعة الألمانية عن أوليفر أومز، من غرفة التجارة والصناعة الألمانية في الرياض، قوله: "على مدى الأشهر الستة الأخيرة تجد شركات الرعاية الصحية الألمانية صعوبة في العمل بالسعودية (..) إنها ليست مقاطعة عامة، لكن قطاع الرعاية الصحية يعاني بوضوح".
وفي هذا الخصوص، كشفت آنا سونيك، من المعهد الألماني للدراسات الدولية "غيغا"، أن الصادرات الألمانية إلى قطر ارتفعت بعد انخفاضها بالسوق السعودية، في حين شدد سالم اليامي، الكاتب السعودي والباحث في العلاقات الدولية، أن ألمانيا ليست بلداً يقتنص الفرص من وِجهة النظر السعودية، في إشارة إلى أن بلاده تفرض حصاراً على المنتجات الألمانية.
https://telegram.me/buratha