عادل الجبوري
اعتبرت زعامات سياسية عراقية، أن تشكيل حكومة وطنية جامعة تعبر عن تطلعات وطموحات كل أبناء الشعب العراقي، يمثل أحد أبرز أولويات المرحلة الراهنة، في مؤشر واضح على استعدادها لتقديم كل الدعم والاسناد لرئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبد المهدي، لانجاز المهمة الموكلة اليه.
ولاشك أن طبيعة الأجواء والمناخات التي رافقت انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية برهم صالح، يمكن أن تساعد كثيرا في اكمال تشكيل الحكومة الجديدة، وحصولها على ثقة البرلمان بعيدا عن المشاكسات والتحفظات والاعتراضات الكبيرة والكثيرة، علما انه من المرجح ان يقدم عبد المهدي كابينته الوزارية للبرلمان خلال الايام القلائل الماضية.
وطبيعي أن دعم واسناد وتأييد الشخصيات والقوى السياسية المؤثرة والفاعلة والاساسية، من شأنه ان يجعل الامور تسير بأنسيابية ومرونة، وامكانية معالجة واحتواء الاشكاليات والملاحظات التي تثار من هذا الطرف أو ذاك، وهي اشكاليات وملاحظات لاترتبط بالمباديء والخطوط العامة، بقدر تمحورها حول طبيعة الحصص في اطار المساحات البرلمانية، وطريقة توزيع الحقائب الوزارية، وهوية وخصائص من يشغلونها.
وخلال الآونة الأخيرة، برزت واضحة المواقف الداعمة والمساندة لرئيس الوزراء المكلف على السنة كبار الساسة والمسؤولين والزعماء العراقيين، مترافقة مع التأكيد والتذكير بما هو متوقع ومطلوب.
فرئيس الجمهورية برهم صالح، يؤكد في تصريحات وأحاديث بمناسبات مختلفة، "أن العراقيين يريدون تغييرا ملموسا في نهج الحكم، وفي الاداء والادارة، وتقديم الخدمات، ومحاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وينبغي الالتزام بالدستور والمرجعية الضامنة للقدرة على بناء وطنا للجميع بدون تمييز".
ويشدد الرئيس صالح على ضرورة "ان يكون العراق محورا لمنظومة امنية وسياسية جديدة في المنطقة، اساسها التعاون والتضامن بين شعوب هذه المنطقة لدحر الارهاب والتكفير والتطرف، والانتصار للمصالح الاقتصادية والسياسية والامنية المشتركة". ويحذر من "وجود احتقان خطير في نظام الحكم بالعراق، لا يمكن تجاهله، وان المواطن يترقب تشكيل الحكومة، والشعب العراقي يريد من السياسيين اداء افضل، ولا يمكن الاكتفاء بما حققناه في النضال ضد الدكتاتورية، بحيث تبقى قيادات هذا البلد معتزة بما قدمته من إنجازات وتضحيات في الماضي".
وفي سياق متصل يحدد النائب الاول السابق لرئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الشيخ همام حمودي، خمس قضايا يفترض بالحكومة المقبلة وضعها في سلم اولوياتها، وهي، وضع آليات محددة وسياقات عمل لمكافحة الفساد، وتجاوز آليات وأساليب المحاصصة في توزيع المسؤوليات، والعمل بجدية لحماية المنتج الوطني، وإيلاء أهمية قصوى لقطاع الشباب، لاسيما خريجي المعاهد والكليات وتوفير فرص العمل لهم، ودعم المرأة وتمكينها من المشاركة في ميادين العلم والعمل".
في ذات الوقت يشدد الشيخ حمودي على "أهمية أن يلعب العراق دورا محوريا في أمن واستقرار المنطقة، والتعاون بين دولها، وان يقف الى جانب ابناء الشعب الفلسطيني، ويتبنى مبدأ رفض سياسات الهيمنة والتلويح باستخدام القوة واساليب العقوبات، لاسيما العقوبات الامريكية على ايران والعديد من بلدان العالم".
في حين يؤكد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي على "تشكيل حكومة وطنية جامعة لكل أطياف المجتمع العراقي، ومانعة للفرقة والتشتت، وقادرة على احتواء الازمات، فضلاً عن وضع برنامج محكوم بتوقيتات زمنية معلومة لمعالجة الأزمات"، ويؤكد، "ان المسؤوليات الوطنية، تفرض استكمال البناء الدستوري للدولة، حيث انه لانمو مضطرد، ولا أمن مستتب، ولا مال مصان، ولا دستور مهاب، ولا اقتصاد نامي، ولا رخاء خارج البناء الدستوري للدولة".
ويرى الحلبوسي ضرورة "ان يكون أداء السلطات الثلاث متناغما، وان يتم تفعيل الرقابة البرلمانية والشعبية على أداء السلطات التنفيذية، بحيث تكون رقابة فعالة متسلحة بأيمان عميق بأن الحفاظ على العراق وحمايته وردع الفساد والانحراف هي مهمة وطنية ودستورية تشريعية".
وبأتجاه مقارب، يشير رئيس تحالف الفتح هادي العامري، "أن انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وتكليف رئيس الوزراء، تمت جميعها بعيدا عن التخندقات، وأنه لاول مرة تكون التحالفات سنية شيعية، ونفتخر اننا تجاوزنا الطائفية بساحات المعركة، واليوم تجاوزناها بساحات السياسة، وهذه هي الخطوة الاولى من اجل انقاذ العراق من المصير المجهول".
ويؤكد العامري بأنه "كما نجاحنا في محاربة الارهاب، وحققنا هذا النصر الكبير، يجب علينا ان ننتصر في ساحات البناء وتقديم الخدمات، ونحن عازمون على بناء العراق العزيز المقتدر، فبدون استقرار العراق لا استقرار للمنطقة، ونرفض ان يكون العراق تابع لاي دولة او محور، ولابد من بسط الامن، واعادة هيبة الدولة، وفرض القانون، ومحاربة الفساد بلا هوادة".
وغير صالح وحمودي والحلبوسي والعامري، نجد الكثير من المواقف المؤيدة والساندة لعبد المهدي في عموم الفضاء الوطني العراقي، بعناوينه ومسمياته المتنوعة.
ومن دون شك، ان مثل تلك التوجهات والمواقف، تنسجم وتتوافق الى حد كبير مع مجمل اطروحات ورؤى وتصورات رئيس الوزراء المكلف، مضافا الى ذلك فإن قوى مؤثرة وذات ثقل شعبي وبرلماني كبير، مثل تحالف الفتح، وتحالف سائرون، تركت له - أي لعبد المهدي - الباب واسعا لاختيار أعضاء تشكيلته الوزارية دون التقيد بالحصص، ودون فرض أسماء معينة من منطلق حزبي ضيق، وهو ما يعني تهيئة الاجواء والظروف الملائمة للانتهاء من تشكيل الحكومة ونيلها ثقة البرلمان بأسرع وقت، خلافا للمرات السابقة.
ولعل مساحات التأييد والدعم الواسعة لعبد المهدي، في مقابل مساحات التحفظ او الرفض الهامشية الصغيرة لبعض الخطوات والاجراءات، تعني ان الحكومة المقبلة ستعمل في ظل مناخات سياسية جيدة، وفي نفس الوقت يقع على عاتقها واجبات ومهام كبيرة، وتبرز امامها تحديات ثقيلة، لايمكن ازائها التذرع بذات الحجج السابقة في حل حصول الاخفاق والتلكوء والفشل.