عادل الجبوري
في كل عام، تسجل مسيرة زيارة الاربعين المليونية مزيدا من الارقام والحقائق والوقائع الملفتة والاستثنائية، التي يندر ان نعثر على ما يماثلها او يشبهها في اية فعالية عالمية اخرى، ايا كان موضوعها وعنوانها وهدفها.
اول واهم هذه الارقام اللافتة والاستثنائية، تتمثل في الاعداد الهائلة التي تأتي سيرا على الاقدام نحو قبلة الاحرار، كربلاء المقدسة، قاطعة عشرات ومئات الكيلومترات، في ظل ظروف مناخية صعبة وشاقة في بعض الاحيان.
ربما لاتوجد احصائيات موثقة ودقيقة جدا عن اعداد الزائرين، بيد ان ما يتوفر من تلك الاحصائيات والتقديرات، يؤكد ان اعداد المشاركين في مسيرة الاربعين، ان لم تتجاوز العشرين من مليون شخص، فأنها تقترب كثيرا من ذلك الرقم!، علما ان الكثير من المؤشرات، تذهب الى انه في كل عام هناك زيادة في اعداد الزائرين، سواء من داخل العراق او خارجه.
وفي اطار الحديث عن الارقام اللافتة والاستثنائية، فأنه لابد من الاشارة الى ان مجيء مايقارب مليوني زائر ايراني-وهذا يحصل للمرة الرابعة او الخامسة-امر في غاية الاهمية، حيث ان وجود اعدادا كبيرة للزوار من جنسيات عربية واجنبية عديدة، ومن ديانات ومذاهب مختلفة، الى جانب مواكب الخدمة التي جاءوا بها معهم، يؤشر الى عالمية وشمولية الثورة الحسينية، في ذات الوقت، يؤكد غياب وذوبان وانصهار كل العناوين والمسميات في عنوان واحد، الا وهو (حب الحسين يجمعنا).
وفي اطار هذه الحشود المليونية، تطغي ثقافة الايثار والبذل والصبر ونكران الذات، وتغيب الخلافات والنزاعات والتشنجات والاحتقانات المرتبطة بعوامل ذاتية وموضوعية متنوعة، تحكم سلوكيات عموم البشر في كل الاوقات والاماكن والازمان.
وبدلا من ان يبحث الزائر عن الطعام والشراب والمنام والدواء، فأنه اينما حل وارتحل، يجد مواكب الخدمة الحسينية تتزاحم وتتدافع لتقديم ما يحتاجه وما لايحتاجه!، ومثل هذه المشاهد، لايمكن العثور عليها في اي مكان اخر او مناسبة اخرى.
وتشير بعض الاحصائيات الى ان مايقارب احد عشر الف موكب حسيني، قدمت مختلف الخدمات للزائرين، بيد ان واقع الحال يؤكد غير ذلك، لان اية جهة حينما تبحث في الارقام، فأنها تحصي ما يتم تسجيله رسميا، وماهو قائم وموجود في الطرق والمسارات الرئيسية، في حين انه لايخلو اي شارع وزقاق وطريق ميسمي زراعي من اناس يزحفون نحو كربلاء، ولايخلو اي شارع وزقاق وطريق زراعي من اناس يعرضون على الزائرين كل شيء، ان لم يكن في مواكب الخدمة، ففي بيوتهم، التي تتحول الى اماكن ضيافة متميزة للزائرين على امتداد ساعات الليل والنهار وطوال ايام الزيارة، وهذه قد لاتكون قد دخلت ضمن اية احصائيات وبيانات وارقام.
وتتحدث بعض الاحصائيات ايضا عن مشاركة مائة الف عنصر امني لحماية الزوار، وثلاثة الاف عامل نظافة، والف وخمسمائة عجلة لرفع النفايات، وسبعة الاف متطوع لتنظيف الشوارع داخل مدينة كربلاء وكذلك الشوارع والطرق الخارجية.
ولاشك ان مثل هذه الارقام على ضخامتها، الا انها تبقى اقل من الارقام الحقيقية، لان هناك الكثيرين ممن اشتركوا في حملات التنظيف، وساهموا بتأمين الحماية للزائرين والمواكب الحسينية، ، وتفرغوا مع سياراتهم الخاصة لنقل الزائرين، وهذا كله غير موثق بصورة رسمية من قبل جهات معينة معنية، الا عند الباري عز وجل.
ولعل ما يستعصي احصاءه وحسابه بدقة او حتى بشيء قريب من ذلك، هو كميات الطعام والشراب التي قدمت للزائرين، واي ارقام تذكر في هذا الجانب فأنها تبقى ارقاما افتراضية، لان الطعام والشراب، لاتجده فقط في مواكب تمتد على مسافة بضعة كيلومترات في الطرق المؤدية الى كربلاء المقدسة، بل تجده حتى في ابعد نقطة من العراق، وفي كل مدينة وفي كل حي وفي كل بيت وكل زقاق، واكثر من ذلك باتت مواكب الخدمة الحسينية تتواجد في خارج العراق، لتخدم الزائرين الاجانب المتوجهين الى قبلة الاحرار.
وربما من لايعيش تلك الصورة الجميلة المعبرة، ويستشعرها في وجدانه، لايستطيع تصور حقيقة ان معادلة الانفاق هنا مقلوبة، فالزائر لاينفق شيئا، او قد ينفق مالا قليلا، بينما المضيّف هو الذي ينفق طلبا للاجر والثواب والشفاعة. فالمتعارف عليه في أي مكان بالعالم، ان الكثير من الناس يحرصون على استثمار الفعاليات والمهرجانات والمناسبات السياسية والدينية والثقافية-لاسيما ذات البعد العالمي-لتحقيق مكاسب وارباح مادية، الا في مسيرة الاربعين، يتمحور السعي والحرص على تحقيق المكاسب والارباح المعنوية والروحية والانسانية، التي تحركت في اطارها مجمل وقائع واحداث الثورة الحسينية العظيمة، لذلك، فأنه من غير الممكن للمرء ان يتصور ان مسيرة الاربعين يمكن ان تختفي في يوم ما، بل ان التصور-واليقين-هو انها لاتتحدد بأرقام واحصائيات معينة، ولا في رقعة جغرافية، ولا عند شريحة اجتماعية دون غيرها، وهذا هو سر انتشارها وتناميها واتساعها وتوسعها في كل عام!.
https://telegram.me/buratha