التقارير

العقوبات الاقتصادية هي تشريع لحرب على الشعوب


جاسم محمد الصافي

 

يعلم الجميع من خلال تجارب عديدة ان فرض العقوبات الاقتصادية هو بمثابة اعلان حرب على شعوب الدول التي تعاقب , وقد شهد العديد من دول العالم مثل يوغسلافيا والصومال وليبيا والسودان وكوبا وأنغوليا والعراق وغيرها هذه الكارثة الانسانية , واشارت لمأساتها منظمات وجمعيات انسانية عالمية عديدة , ووصفت تأثيراتها بالكارثية في المجالات الإنسانية والبيئية والتربوية والصحة العامة ، ولنذكر مثالا ما زال تأثيره ماثلا امامنا والى يومنا هذا , وهو ما حدث للعراق , حيث تسببت العقوبات الغربية إلحاق أضرار اقتصادية وإنسانية وصحية وتعليمية لا يمكن معالجتها حتى بعد رفع العقوبات ، وان تلك العقوبات أدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين من بينهم نحو نصف مليون طفل كما حرمت العراقيين لأكثر من عشرة سنوات من الحصول على حاجاتهم الغذائية والدوائية وهو ما أدى إلى نتائج مخيفة في جميع مجالات الحياة العامة الصحية والبيئية والاجتماعية والتربوية والعلمية والاقتصادية , فقد بلغ حجم التضخم في نهاية عام 1994 معدل 24000% سنوياً وبلغ عدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة ، وقفز من 56 حالة وفاة لكل ألف مولود خلال الفترة من 1984-1989 إلى 131 حالة وفاة في الفترة من 1994-1999 وكذلك تزايد معدل وفيات المواليد من 47 لكل ألف مولود إلى 108 حالة وفاة خلال نفس الفترة السابقة ,وعانى خُمس أطفال العراق دون الخامسة من سوء التغذية ، وهناك ما يثبت أن الاضطرابات العقلية لدى الأطفال دون الرابعة عشرة زادت بدرجة كبيرة , كما وتشير الأرقام الواردة من اليونيسكو إلى أن المتخلفين عن المدارس الابتدائية ارتفع من 95692 عام 1990 إلى 131658 عام 1999وبهذا زادة نسبة الجهل والامية في ايامنا هذه , ومن جهة اخرى فقد عادت الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الماء مثل الملاريا ، والتي كانت تحت السيطرة قبل العقوبات إلى الظهور كوباء عام 1993 وأصبحت الآن جزءا من النمط المزمن للوضع الصحي المحفوف بالمخاطروأشار تقرير لبرنامج الغذاء العالمي عام 1990 إلى أن 50% فقط من سكان المدن يمكنهم الحصول على المياه الصالحة للشرب ، في حين تصل النسبة إلى 33% في المناطق الريفية.

ومن هذه الارقام المخيفة يمكن معرفة معنى يسير عن العقوبات الاقتصادية التي اطلع العالم بأسره عليها , واثبت فشل نتائجها على المستوى الانساني , كونها ذات تأثير سلبي على المواطن البسيط والاطفال الأبرياء , لهذا نجد القوة الكبرى في السنوات الأخيرة بدأت تتجه نحو العقوبات الذكية التي تعتبر أكثر "منطقية" و"أخلاقية" من العقوبات الشاملة , ويقصد بالعقوبات الذكية تلك العقوبات التي تستهدف القادة السياسيين والعسكريين ، بمنعهم من الحصول على تأشيرات السفر والطيران ، وتتبع الارصدة التي تتصل بهم او من خلالهم وتجميد اصولها , بل وملاحقتهم قضائيا في اغلب الدول الموقعة على هذا الاتفاق .

لكن قوى الاستكبار العالمي والتي لها تشريع يختلف عن مواثيق الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان تتفرد بسلطتها التي توثقها قوانين البهائم وسياسة القطب الواحد , ولكل منصف يطلع على الشروط الاثني عشر التي تطالب بها امريكا ايران , يجد انها لا تمت بصلة الى اصل القضية أي الحد او منع التسلح النووي , بل هي تكاد ان تكون شروط  وقعت على الدول الخاسرة بالحرب العالمية الثانية , أي انتهاك واضح لسيادة دولة ذات تاريخ , بل هي خطاب عنصري يجمع طبقة من المجتمع العالمي في نص ابتدع منذ الحرب على الارهاب ليكون خانة للعنصرية والشوفينية والسادية الغربية , فالكل يعلم ان مجلس الأمن الدولي فرض أربع مجموعات من العقوبات ضد إيران في ديسمبر/كانون الأول 2006، ومارس/آذار 2007، ومارس/آذار 2008 ويونيو/حزيران 2010، ثم بدأ رفع هذه العقوبات عن إيران عقب إقرار الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" والذي قضى برفع العقوبات المفروضة على طهران ، وسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية ، وقبولها زيارة مواقعها النووية ، ويأتي استكمالا لاتفاق لوزان ، وتم توقيع الاتفاق في العاصمة النمساوية فينا , يوم 14 يوليو/تموز 2015, لكن الغطرسة الامريكية والاموال الخليجية والتخطيط الصهيوني صورة شيطانية للأضرار بالجارة ايران على الرغم من ان هكذا عقوبات نهى عنها في العديد من المحافل الدولية والمنظمات الانسانية , كونها لا تأتي أكلها , بل هي تتسبب بكوارث انسانية وتطرف فكر , وهو ما نتج للعراقيين بعد فترة تلك العقوبات , كما ان الدول الكبرى لا ترغب بهكذا عقاب جماعي ودليل ذلك هو بيان الاتحاد الاوربي واسفه لتلك العقوبات بل ومحاولاته للتخفيف من اثرها عبر تطمينات ارسلت الى الحكومة الإيرانية من اجل ان تبقي على الاتفاق النووي ,مع ان الجميع يعلم ان ايران منذ زمن بعيد تحاول ايجاد اكتفاء ذاتي لنفسها لتتحرر من الهيمنة الاقتصادية العالمية , وهذا ما سيجعلها صلبة وعنيدة امام شراسة تلك العقوبات , وبهذا تكون العقوبات ذات تأثير عكسي ان كان يقصد منها ما هو معلن , لكن الحقيقة لم تعد ذات برقع , فالمقصود هو الشعب الايراني كما كان المقصود الشعب العراقي .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
Bahia
2018-11-08
شكرا لأقلامكم ودمت في ريادة المدافعين عن حقوق المظلومين ..الحرية والعدل والمساواة حق الانسانية لكل الانسان
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك