التقارير

مستقبل العملة العراقية!!

6058 2018-11-28

ضياء المحسن

 

تعتبر النقود، مصدر ووثيقة تمثل الدولة، وهي رمزها وتعبر عن نظامها السياسي والديني وفلسفتها الخاصة بها. مقارنة بكتابة التأريخ فأن التوثيق عبر العملات لا يمكن التشكيك أو الطعن به كونها حقيقة ووثيقة ملموسة لحقبة معينة من الزمن، وقد إستفادت البشرية كثيرا في التعرف على تاريخ الحضارات عبر دراسة عملاتها ومسكوكاتها

يقارن أكتشاف العملة بإكتشاف الطباعة، كونها سهلت عملية التبادل بين الناس والتجار على حد سواء، وتعد العملة من مقومات السوق الرئيسة؛ إذ بدونها لا يمكن أن تتم أي عملية بيع وشراء

الى ماقبل دخول قوات الإحتلال البريطاني في تشرين الأول 1914 كانت العملة المتداولة فيما بين الناس هي الليرة العثمانية، بعدها أدخلت سلطات الإحتلال البريطاني الروبية الهندية كعملة للتداول، وبعد الإستقلال أنشئ أول مجلس لإصدار العملة العراقية في عام 1931، وتم ربط الدينار العراقي بالجنيه الإسترليني، وبعد ثورة 14 تموز 1958 تم فك إرتباط الدينار بالجنيه وربطه بالدولار الأمريكي

قام البنك المركزي العراقي بإصدار جديد من العملات الورقية والمعدنية، يحمل شعار الجمهورية الجديدة. وقد صدرت إصدارات جديدة من العملة الورقية في عامي 1971 و 1973 و 1978. و قد عانى الدينار العراقي من تدهور مستمر لقيمته بعد بدأ الحرب العراقية الأيرانية، حيث انخفض سعره من 3.3 دولار للدينار في عام 1980 إلى حوالي 4 دنانير للدولار عام 1988.

نتيجة لغزوه الكويت وصدور قرارات مجلس الأمن بفرض الحصار عليه، وتدهور قيمة الدينار العراقي،إضطر البنك المركزي العراقي الى إصدار عملات لم تكن متداولة من قبل، فأصدر أوراق نقدية من  50 و 100 دينار، تبعها في العام 1995 فأصدر ورقة من فئة 250 دينار، وفي العام 2000 أصدر ورقة نقدية تحمل فئة 10000 دينار، والملاحظ أن جميع تلك الفئات كانت تحمل على وجهها صورة الرئيس السابق صدام حسين. كان المواطن يحمل رزم ضخمة ليشتري بها حاجاته البسيطة، التي لا تتعدى الأكل والشرب

وبعد سقوط النظام السابق، بدأ ذوي الإختصاص بالتفكير في كيفية إعادة الروح للدينار العراقي، وإزالة الإرث الثقيل الذي ينوء به الإقتصاد العراقي، فبدأو بطرح فكرة إزالة ثلاثة أصفار من العملة الحالية

تُعَرْف عملية حذف الإصفار (Delete of zero) بأنها عملية يتم بموجبها تعديل القيمة الإسمية للعملة بسبب إرتفاع التضخم وإنخفاض قيمة العملة، ومن البلدان التي تمت فيها مثل تلك العملية البرازيل والأرجنتين( أمريكا الجنوبية) يوغسلافيا وبولندا( بلدان كانت سائرة في فلك الإتحاد السوفيتي) ألمانيا وأيرلندا ( بسبب إنضمامهما الى الوحدة النقدية الأوربية) وهو إجراء يختلف عن عملية تخفيض قيمة العملة (Devaluation)

لكن هل يمكن فعلا تنفيذ مثل هكذا إجراء؟ وما هي إيجابياته وسلبياته على الحركة الإقتصادية في العراق؟ وهل يمكن أن يساعد فعلا في تخفيض نسب التضخم؟ وأخيرا، ماهو التوقيت السليم له؟

إن هذه العملية ما زالت مثار جدل في الأوساط الحكومية والنقدية ورجال الأعمال والمتخصصين، فالبعض يرى أن القيام بمثل هكذا عملية سيدفع الى مزيد من الفساد والعبث بالمال العام، بسبب ما يحصل في عملية تغيير العملة، وأنها ستخلق حالة من الفوضى والإرباك في التعاقدات داخليا وخارجيا، وبأنها لن تغير شيئا من واقع الحال فكمية الأوراق المصدرة ستبقى ذاتها

في الوقت الذي يرى فيه فريق متفائل، بأن هذه العملية ستدفع الى إعادة الهيبة للدينار العراقي، إذا تلازم ذلك مع تحسين سعر صرف الدينار، كما أن عملية الحسابات في مختلف المجالات ستكون أقل تعقيدا وتتم ببساطة

إننا لا ننكر إن عملية حذف الأصفار هي خطوة ضرورية ومهمة تأتي ضمن حاجة البلاد إلى عملية إصلاح إداري للعملة تساهم في تقليل تكاليف المعاملات والتداولات النقدية في العملية الاقتصادية، وتقلل من حجم الكتلة النقدية في البلاد وتساعد على تسهيل العمليات الحسابية وتقلل من تضخيم الأرقام، لو طبقت بشكل صحيح وبالتوقيتات المناسبة. لكن لابد من وجود مقدمات لتلك العملية، منها اختيار التوقيت المناسب الذي يكون فيه الاقتصاد العراقي في حالة من الاستقرار، ثم تهيئة البيئة الاقتصادية بشكل مدروس لتطبيق عملية الحذف، وهذا يحتاج إلى إجراءات وقرارات مالية ومصرفية تتخذها السلطة المالية في البلاد.

إن عملية الإستبدال تلك "فيما تمت" فإنها ستكلف ميزانية الدولة مبلغ 172 مليار دينار (150 مليون دولار) وهو مبلغ كبير لا يستهان به، هذا إذا ماأضفنا له الجهد المبذول من قبل الكادر المصرفي والوقت الذي سيضيع من جراء عملية التبديل تلك، ولا يمكن أن ننسى محاولة ضعيفي النفوس الذين سيحاولون التربح من تلك العملية بشتى الوسائل والطرق!

صحيح أن هذه العملية لن يكون لها تأثير على القدرة الشرائية للمواطن، كون الذي سيحصل هو إستبدال عملة بعملة أخرى، قد يحدث نوع من الصدمة في السوق من جراء عملية التبديل تلك، لكنها صدمة مؤقتة. ولا ضير في الإطلاع على تجارب دول عديدة إستبدلت عملتها مثل تركيا التي إستمرت عملية تبديل العملة لديها لأربع سنوات، فقد بقي الأتراك يتداولون العملة القديمة مع العملة الجديدة الى أن تم سحبها جميعا من الأسواق بدون أن يرتبك السوق

إن أهم السلبيات التي سترافق عملية حذف الأصفار هي الوهم النقدي، إذ أن حذف ثلاثة أصفار من العملة العراقية سيوقع المواطن تحت طائلة الوهم النقدي، والذي يعد أبرز السلبيات التي يمكن أن تصيب المواطن العراقي في حال حذف ثلاثة أصفار من العملة الحالية وهو أثر معنوي، كل ذلك سيكون نتيجة اصطدامه بقيمة العملة الجديدة بعد الحذف مما يؤدي به الى الإعتقاد أن قيمة موجوداته قد إنخفضت بمقدار قسمتها على الأصفار الثلاثة.

إن المواطن العراقي يود أن يرى عملته قوية، بالتالي فإن عملية رفع الأصفار ستساهم في رفع قيمة العملة، وتقلل من نسبة الطلب على العملة الصعبة التي تمتاز بالقوة، وسيؤدي الى إعادة التوازن بين القيمة المحلية والأجنبية للعملة وسيعطيها قوة سوقية في الداخل والخارج، الأمر الذي من الممكن أن يؤدي الى إرتفاع قيمة العملة العراقية أمام الدولار الأميركي، ومثال ذلك أن الموظف الذي يستلم 1200000 دينار عند سعر صرف 1200 تكون قدرته الشرائية بالدولار 1000 دولار وفي حال تقوية الدينار ليعادل مثلا 500 دينار للدولار ستصبح قدرته الشرائية 2400 دولار بدلا من 1000 دولار

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك